IMLebanon

لماذا يعطّل عون الاستحقاق الرئاسي ويجازف بالفراغ؟

لماذا يعطّل عون الاستحقاق الرئاسي ويجازف بالفراغ؟

مساعٍ مرتقبة لإقناعه وجعجع بالتراجع لمصلحة التوافق

بدا من خلاصة جلستي الانتخاب أن لبنان يخطو “بثبات” نحو الفراغ الرئاسي، بعدما أصبح واضحاً أن لا رئيس في ظل الظروف والشروط الراهنة أو في ظل قلة المرشحين الذين يقتصرون على إثنين معلنين هما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وعضو “اللقاء الديموقراطي” النائب هنري حلو ومرشح متردد هو رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون.

إذا كان ترشح جعجع أطاح فرص الترشيح من أمام مرشحين محتملين من فريق 14 آذار مثل الرئيس امين الجميل او النائبين بطرس حرب وروبير غانم، فهو حتما أطاح كذلك الفرصة من أمام عون ليطرح نفسه مرشحا توافقيا.
وليست المهلة الفاصلة عن موعد الجلسة المقبلة للإنتخاب المقررة الاربعاء في 7 ايار المقبل الا مزيدا من تضييع الوقت وتقصير المهل الباقية أمام إنضاج صورة الرئيس التوافقي الذي قد يحظى بفرصة الانتخاب قبل إنتهاء الولاية الرئاسية في 25 أيار. علما أن كل العمل الجاري حاليا بين الرئيس سعد الحريري وعون يدفع في إتجاه الوصول إلى توافق على هذا الرئيس بعدما بات واضحا لرئيس “الوطني الحر” أن أقصى ما يمكن الوصول اليه في ظل إستمرار جعجع في ترشحه هو التحول إلى ناخب أساسي في عملية الانتخاب، وليس مرشحا، فيما أقصى ما يمكن ان يبلغ جعجع في تمسكه بترشيحه هو إبقاء المشهد على ما هو للجلسات الانتخابية المقبلة مهما بلغ عددها، إذا لم تخترقه “معجزة” يجري العمل على إنضاجها بجهود خارجية، بعدما ثبت أن الاستحقاق الرئاسي لا يمكن ان يصبح صناعة محلية في ظل الظروف الاقليمية السائدة والارتباطات الخارجية للقوى المحلية، فضلا عن المشكلة الاساسية التي يواجهها الاستحقاق الرئاسي وهي أن كل فريق سياسي يريد “تفصيل” الرئيس وفق حساباته.
ورغم ان الاستحقاق يتعلق بالموقع المسيحي الاول في البلاد ويخص المسيحيين حصرا، فإن حصوله لا يكتمل الا بمشاركة الجناح المسلم، كما انه لا يصح الا بالمشاركة بين الطائفتين، وهذا ما جعل الانتخاب بثلثي الأصوات في الدورة الاولى وبالنصف زائد واحد في الدورات التي تلي.
لكن المفارقة ان النصاب الذي أقره الدستور لمنع التحكم الطائفي لانتخاب الرئيس، واجه امس تعطيلا من الطرف المسيحي الذي يقدم نفسه على انه الممثل الأكبر للطائفة، بحيث تم تطيير النصاب من قبل نواب “تكتل التغيير والإصلاح ” ووقف وراءهم نواب “حزب الله” في مشهد مسرحي، من شأنه اذا إستمر، كما حصل أمس وكما يرجح أن يحصل الاسبوع المقبل، أن يعطل اجراء الانتخابات ويدفع البلاد نحو الفراغ الرئاسي.
وقد تعزز الانطباع أن ثمة دفعا من “حزب الله” في هذا الاتجاه يستجيب له عون عن قصد أو عن غير قصد، من شأنه ان يجعل ظروف الجلسة المقبلة أكثر تعقيدا وصعوبة، ولا يمكنها بالتالي إنتخاب رئيس الا من ضمن تسوية. وفسر البعض لجوء رئيس المجلس الى إقفال محضر الجلسة الانتخابية بأنه عودة الى المربع الاول، وان الجلسة المقبلة لن تكون في إطار الدورة الثالثة للإنتخاب بل بمثابة دورة أولى وتتطلب نصابا بأكثرية الثلثين وإنتخابا بأكثرية الثلثين وليس بأكثرية النصف زائد واحد الذي يحكم الدورات التي تلي الدورة الاولى. لكن مراجع سياسية بارزة نفت هذا التفسير مؤكدة أن إقفال المحضر لا يعني العودة الى الدورة الاولى، بل إستكمال الجلسات بدورة هي الآن الثالثة.
وتوحي كل الاجواء السائدة بعد تعطيل جلسة الامس أن هذا السيناريو مرشح للاستمرار حتى انتهاء الولاية الرئاسية في ٢٥ أيار، مما يعني ان عدم وصول عون الى بعبدا لن يسمح بوصول اي مرشح آخر، ما دام لا يزال يرى فرصة لتولّيه الرئاسة، وهو ما يعني بالتالي ان لبنان يدفع مجددا ثمن الصراع التاريخي بين عون وجعجع على الزعامة المسيحية، والذي يستفيد منه حلفاء الرجلين تمهيدا لإيصال مرشح يحظى بالتوافق ضمن التسوية الإقليمية التي لن تتبلور قبل أشهر.
يخسر لبنان مجددا فرصة لبننة الاستحقاق وإنجازه قبل الاستحقاقات الرئاسية التي تنتظرها المنطقة، ولا سيما الانتخابات الرئاسية السورية المقررة في ٣ حزيران المقبل ومدى تأثيرها على الاستحقاق الداخلي.
وفيما تبدو كل الابواب مقفلة في وجه تسهيل حصول الاستحقاق ضمن المهلة الدستورية، تؤكد المراجع السياسية أن الاحتمالات الايجابية ليست معدومة، مشيرة إلى ان عنوان العمل في المرحلة المقبلة يركز على ضرورة تضافر جهود اصحاب “المساعي الخيرة” من أجل الوصول الى نتيجتين:
– الاولى إقناع العماد عون بالتراجع عن موقفه الذي يطرح نفسه فيه مرشحا توافقيا والانتقال الى دور الناخب القادر على إختيار إسم المرشح التوافقي.
– الثانية إقناع جعجع بالعدول عن إصراره على المضي في ترشحه إفساحا في المجال أمام بدء العمل على مرشح يحظى بالتوافق.
وتؤكد هذه المراجع أن حظوظ الاختراق تصبح أكبر عندما يقتنع المرشحان الابرز بهذا الواقع، والاهم عندما يكون هناك من يملك القدرة على إقناعهما!