من الصرح البطريركي في بكركي، وبعد لقاء لم يكن قصيراً، مع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، أراد مرشح قوى 14 آذار لرئاسة الجمهورية، رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ان يبعث برسالة متعددة الأهداف، الى كل من يعنيهم الأمر، من معارضي ترشحه، الى المترددين كما والى مؤيديه خلاصتها: «انا لست مرشحاً تصادمياً، وهناك تعطيل وأكثر من تعطيل لعملية الانتخابات الرئاسية…» ليخلص الى القول، بعد سؤاله عما اذا كان على استعداد لسحب ترشحه في حال فرضت تسوية معنية: مجيباً بصيغة سؤال: «أريد معرفة من وكيف ولماذا»؟ وعندما يقال له «اليوم مطروح اسم الرئيس امين الجميل؟ يعود للاجابة: «لم أكن يوماً من جماعة أنا او لا أحد، وأي طرح جدي لرئيس جدي يحمل حداً مقبولاً من القناعات الموجودة في برنامجي، فأنا مستعد لبحث الأمر…» لم ينتهِ السؤال والجواب عند هذا الحد… وعندما يتكرر السؤال بصيغة «في حال تم الاتفاق على رئيس ما»؟ فيجيب: «اذا كان هناك أي مجال للاتفاق على الرئيس في حد مقبول من المواصفات السياسية مستعد لكل بحث…».
* شرط ان تكون الشخصية من 14 آذار؟
– نعم… (وانتهى الكلام عند هذا الحد).
الواضح ان الأسئلة المتعاقبة أوصلت جعجع الى خلاصة قرأها كثيرون على أنها «استعداد لسحب ترشحه لشخصية من 14 آذار…» في حين ان النص الحرفي لا يقود حكماً وتلقائياً الى هذه الخلاصة… بحسب قيادي بارز في «القوات» الذي لم يتردد في القول، ان الدكتور جعجع، يكون بهذه القراءة «برّأ ذمته» ورمى الكرة في ملعب حلفائه، كما في ملعب المترددين وهي نقلة نوعية وجريئة في مسيرة ترشحه منذ 16 نيسان الماضي – ليقولوا كلمتهم النهائية حيث بات الجميع أمام خيارات ضيقة:
– التوافق على مرشح لا يلقى الاعتراض الذي يلقاه الدكتور جعجع…
– او التمسك برئيس «القوات» من غير أية ضمانات توصله، كما توصل «المرشح المستتر» من «الفريق الآخر»، الى سدة الرئاسة، لتجنب «الفراغ الرئاسي» حيث الارقام تدل بوضوح على ان قوى 8 آذار مجتمعة كما قوى 14 آذار مجتمعة، لا تملكان امكانية ايصال
أي من مرشحيهما الى الرئاسة… في وقت اقفل «حزب الله» وحلفاؤه الأبواب في وجه سمير جعجع، كما أقفل «تكتل المستقبل» وحلفاؤه الأبواب في وجه أي مرشح يقبل بشروط «حزب الله».
ليس من شك في ان المشهد على غموضه، والبطريرك الماروني بشارة الراعي لم يتأخر لحظة عن ابداء استيائه مما يجري، ومن الذين يقاطعون جلسات مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية… إلا أنه في الوقت عينه يدرك، ان أياً من الفريقين، على ضفتي الثامن والرابع عشر من آذار، لا يملك القدرة على ايصال مرشحه… ما عزز لديه قناعة وجوب اعلان الاستنفار السياسي – الماروني، وجمع القيادات – الأقطاب، استعداداً للدخول في المرحلة التالية، الأخيرة، قبل انتهاء ولاية الرئيس سليمان، فتجنب الوقوع في الفراغ الرئاسي بات يعادل الحفاظ على مقام الرئاسة الأولى… وتطيير جلسات الانتخاب استهداف مباشر لها…
إلى الآن، لا خيارات واضحة، وحركة الرئيس أمين الجميل، وجولاته المفاجئة على أقطاب مسيحيين (جعجع، عون، فرنجية) ولقاؤه النائب وليد جنبلاط لم تكن على هذه القدر من البراءة التي يسوق لها مقربون من رئيس «الكتائب»… وفي الجوهر، فهي شكل من أشكال تسويق نفسه، على أنه البديل القادر على ارضاء «المستقبل» ،والبديل القادر على طمأنة «حزب الله»، اما الساحة المسيحية، فستكون أمام أمر واقع… وبخلاف ما كان قيل في وقت سابق، فإن الجميل، لم يكن وضع قوى 14 آذار مجتمعة في أجواء تحركه وجولاته التي لم تنتهِ بعد… وهذا أحد أبرز المآخذ عليه…
الواضح الى الآن، ان هناك من زرع في عقل الجميل، أنه قد يكون «مفتاح الفرج» والانتقال الى المرحلة التالية… ما عزز لديه قناعة ان «تفاهم القادة الموارنة (جعجع عون، فرنجية والجميل) بات أمراً واجباً «لمنع حصول الفراغ» ومن غير هذا التفاهم لن يكون في 25 ايار رئيس جديد للبلاد «يستطيع الدفاع عن لبنان وان يجسد الوحدة الوطنية والشراكة الحقيقية بين كل مكونات المجتمع اللبناني…» وهو كلام لم يحظ بتأييد قيادات مسيحية في 8 و14 آذار… ومن بينهم الدكتور جعجع، الذي أشار في غير مناسبة، الى ان «شعار «التوافق» أضحى بفعل تشويهه وافراغه من مضمونه الحقيقي، رديفاً للتعطيل والفراغ والتهميش في موقع الرئاسة الأولى…».
في قناعة غير مصدر، «ان مجمل المؤشرات المرتبطة بالعمل على انقاذ الاستحقاق الرئاسي، واجرائه في موعده الدستوري، او بعد هذا الموعد بوقت قصير، ومنع السقوط في «الفراغ القاتل» لا تنبىء بالخير حتى اللحظة… وان الجميع باتوا يتصرفون، علناً وبالسر، علىان الفراغ واقع لا محال ولا بد من التكيف مع هذا الواقع الآتي بعد الخامس والعشرين من ايار… على رغم المخاطر التي نبه منها رئيس الحكومة تمام سلام… وعلى رغم اعلان نواب «القوات» الاستعداد لتسهيل المهمة، حيث وضعوا كرة المسؤولية في مرمى قوى 14 آذار لحصول «الوفاق التام… وان أي شخص يحمل مشروع 14 آذار لا مشكلة لنا معه بالوصول الى الرئاسة» على ما قالت النائب ستريدا جعجع…