IMLebanon

نتنياهو رمز الهزيمة

ليس نتنياهو من الحمائم، ولا هو يسعى إلى أن يكون منهم. ولا يسعى إلى السلام مع الفلسطينيين أو يريده. يريد الأمن لإسرائيل، واذا كان ذلك يقتضي التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، فليكن. ولكن في هذه الحال، سيحرص على إضعاف الفلسطينيين بالقدر الكافي بحيث لا يعود لوجودهم أو غيابهم أي معنى.

إنه يشبه جرافاته التي تدمّر وتقتل وتشوّه وتقتلع بلا رحمة. يفعل ذلك ليُظهر اهتمامه بشعبه. يقول إن هدف قسوته هو الحفاظ على أمنهم وسلامتهم. كثرٌ يصدّقونه، ولا يرون نياته القاتلة لأن خوفهم من الطريقة التي يصف بها “العدو” يطغى على المنطق لديهم، وحتى على معاييرهم الأخلاقية.

لو كانت الحياة تتوقّف على نتنياهو، لما كان ثمة أمل، فسوف تظل غشاوة تعمي عيون المشترعين ومجموعات اللوبي في الولايات المتحدة بسبب خطاب الخوف الذي يبثّه اليمين الإسرائيلي. عام 2012، وقبل ذلك في 2008-2009، كان العالم لا يزال يدعم بقوة كل ما تريده إسرائيل في غزة. كانت العبارة السيئة الذكر “إسرائيل تردّ على صواريخ حماس” تتصدّر كل التقارير الإخبارية في ذلك الوقت. لم تكن إسرائيل آنذاك تسمح للصحافة الأجنبية بدخول غزة، وكانت وسائل الإعلام تنصاع للأوامر، وتغض النظر بإرادتها عن الأحداث الكارثية.

ولكن هذه السنة حصل تحوّل في طريقة تعامل وسائل الإعلام مع الأحداث في غزة، وذلك بفضل عدد من العناصر المتضافرة:

1 – اتّسم الحراك الفلسطيني بالفاعلية. فقد كان موحّداً وذكياً وفكرياً واستفزازياً وغير عنيف وراسخاً في تحدّي آلة البروباغندا الإسرائيلية المعهودة. فقد ظهر الناشطون في البرامج الحوارية، وعبّروا عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاضوا نقاشات مهمة، وخرجوا منها منتصرين. وقد نجحوا في إحداث اختراق مهم في الرأي العام العالمي.

2 – تحرّك الناس بتنظيم تظاهرات من صنعاء إلى سيدني، ووقفوا بجرأة إلى جانب الفلسطينيين.

3 – تحدّت وسائل الإعلام الأجنبية التحذيرات الإسرائيلية وبثّت تقارير من غزة، فكشفت الحقيقة التي كان نتنياهو يفضّل دفنها.

4 – رفع اليساريون والليبراليون في إسرائيل الصوت عالياً ضد الحرب. وكانت التظاهرات التي شهدتها تل أبيب بمثابة وصمة عار على جبين عدد كبير من العواصم العربية التي التزمت الصمت ولم تحرّك ساكناً.

5 – كعادتهم، قاوم الفلسطينيون وصمدوا، وهم بارعون في ذلك. فعلى رغم حصيلة الضحايا المرتفعة، رفضوا تهميشهم وخنقهم وسحقهم.

اختلق نتنياهو عذراً للهجوم على غزة هو تدمير “حماس”. دمّر كل ما أمكنه تدميره، ما عدا “حماس”. فخلف عروضه الإعلامية وتهديداته الدراماتيكية قائد مهزوم لا خيار أمامه سوى التفاوض مع “حماس” وسائر الفلسطينيين. فنتنياهو العاجز عن ضمان أمن إسرائيل بالوسائل العسكرية أو الحوار، يكشف الآن عن نياته الحقيقية بمنع المنظمات الحقوقية من دخول غزة لإجراء تحقيقات مستقلة. إنه رمز الهزيمة بعينه!