IMLebanon

نديم الجميّل: كتائبي حتى إشعار آخر

 

 

تمثال «فتى الكتائب» المؤسس، بيار الجميّل، رافعاً يده صوب العُلا، يعلن الوصول إلى «معقل آل الجميّل»، بلدة بكفيا المتنية. يفتتح «حي المشايخ» منزل الرئيس أمين الجميّل. بعد الكنيسة، لافتة تدعوك إلى التوجه يميناً صوب «مقر الشيخ سامي الجميّل». أما إذا أكملت نزولاً، حيث تجد نفسك أمام طريق ضيق، يحدّه حائط صغير مبني من الحجر التقليدي، وبالكاد وصله الزفت، فستكون قد بلغت منزل «الشيخ بشير الجميّل». حتى هذا التوزيع الجغرافي العشوائي للمنازل، يضع «الشيخ أمين» وابنه في المقدمة، وهما اللذان في الكتائب أيضاً يهتمان بأن تمر كل الأمور عبرهما أولاً.

لم تُقفل محالّ بكفيا أبوابها يوم السبت. ولم تتسابق النسوة حاملات أولادهنّ ليباركهن، ابن بشير، النائب نديم الجميّل. كذلك لم تغصّ الأحياء بالرجال الذين ينتظرون وصول موكبه، لحمله على الراحات وتجديد الولاء له. لم يحافظ ورثة بشير على ما صنعه الوالد. لكنهم، اليوم، يحاولون إعادة رسم المسار. يريد نديم أن يعود بقوة إلى بكفيا، ليثبت أنه أيضاً موجود في الحزب.

نفض الغبار عن أثاث المنزل، وعادت أبوابه لتفتح أمام المتنيين. بهدوء يمرّ السكان على حاجز «الحماية» أمام المدخل. عدد من الأشخاص من بكفيا والجوار، أبرزهم مخاتير المنطقة، قدموا ليباركوا للعائلة بعيد الفصح، بعدما كان ورثة بشير يكتفون بتخصيص عدة ساعات للتهنئة في منزل الأشرفية.

عمر المنزل 250 عاماً، ورثه بشير عن أمه، وبدأ العمل لترميمه بعد زواجه عام 1977. تلمع عينا النائبة السابقة صولانج الجميّل وهي تتحدث عن تاريخه، «أحفظ حجارته واحدة واحدة». يتألف من عدد من الأقبية، وطبقتين، وكاراج يضمّ سيارة «الباش» التي أصلحها نديم أخيراً، ولكنه توقف عن قيادتها «كي لا يُقال إنني أستخدمها للتفشيخ ». تروي «الشيخة» كيف أصر زوجها على أن يسكن في المنزل قبل الانتخابات الرئاسية، «مستقبلاً الناس حتى لا يقال إنه استغل منصبه ليبني منزلاً».

تُتقن الجميّل ممارسة دورها كشيخة. تضع بصماتها على كل شيء. تستفهم عن انتخابات مجلس إدارة النادي اللبناني للسيارات والسياحة ATCL ، التي فاز بها شقيقها غابي. تسأل عن عائلة ضيف، وتطمئن الثاني إلى أن الأوراق التي طلبها صارت في حوزتها. فور دخولها، تخطف يُمنى بشير الجميّل الأنظار. على العكس من كل من يحاول تقليد بشير، ورثت الابنة شكل والدها وحركاته. تعرّف والدتها إلى زميلاتها في بنك عودة، قبل أن تحيي الموجودين، بالفرنسية.
من الطبيعي أن يكون أفراد العائلة محور أحاديث المهنئين. ولكن، هنا، عنصر آخر يفرض حضوره على الجميع. الشيب الذي غزا شعرها، يضيف رونقاً خاصاً على طلتها البسيطة. كلماتها العربية القليلة تخرج رنانة من ثغرها. هي محط ثقة الجميع، واهتمامهم. اسمها ايفلين، موجودة في منزل الجميّل منذ 30 سنة، بعد مرور نحو سنتين على ولادة نديم. تحفظ الوجوه جيداً، وتنتقي من بينها من يرتاح له نديم، لتحبه بدورها، لأن للشيخ الصغير مكانة خاصة في قلبها.
يعتبر تعيين إيلي نصار، الملقب بـ«أبو شادي»، مسؤولاً لاقليم الرميل، من دون أخذ رأي نديم، نقطة التحول في حياة الأخير السياسية. كانت الشرارة التي أيقظته من كبوته، فقرر بدء جولاته على المناطق، والتقرب من الكتائبيين ومحاولة خدمتهم، إضافة إلى فتح منزله في بكفيا بغية استقبال الناس وطلباتهم، على غرار ما يقوم ابن عمه كل أربعاء. رغم أن الهدف أول من أمس كان التهنئة، إلا أن فريق العمل كله كان موجوداً: ميشا، ميشال، وصولانج تولوا مهمة التنقل بين الموجودين و«مسايرتهم»، حتى ولو اضطروا إلى سماع ادعاءات واحدة من كتائبيات الأشرفية من نوع أن «الشيخ لم يذق ولم يحب إلا معمولاتي».

أغلبية الذين أتوا أرادوا التقاط صور تذكارية مع نائب الأشرفية. يستنكر أحد أبناء زحلة أنه «صار بدي واسطة تشوف ابن بشير؟». يسأل المخاتير عن أوضاع مناطقهم، ويعتذر ممن لم يتذكره. يستمع، بمرح، لمن أتى حاملاً عوده مصراً على عزف التراتيل الدينية وأغاني بشير. مشاكل الأشرفية حاضرة في بكفيا أيضاً. رئيسة إحدى الجمعيات أتت تشكو نقص التمويل. يجيب نديم: «نقوم بما نقدر عليه، فأنا لست الدولة». يخبرهم عن «مشروع مدرسة الأوروغواي الرسمية في السيوفي»، ويبدي قلقه على أهالي المدور «فهم أول من سيدفع ثمن قانون الإيجارات الجديد، لذلك يتركز العمل على إنشاء مشروع بديل». لا يكتمل الحديث من دون الأسئلة السياسية. تحليل نديم يقول إن «الفراغ هو سيد الموقف حتى يتنازل أحد الأطراف». يتخوف من «التصعيد الأمني، واغتيال ما لأنها الطريقة الوحيدة التي ستجعل 14 آذار تسير بخيار التي هي أحسن». هو ملتزم خيار فريقه في الموضوع الرئاسي، «ولكن أصبح هناك صعوبة بالسير بسمير جعجع، فقوى الثامن من آذار تريد رئيساً يلتزم خياراتها». لذلك، لا يمانع، بل يدعو، «السعودية إلى اتخاذ قرار المواجهة في الداخل». مشكلة الجميّل هي «غياب جزء من فريقنا عن الوجود، وخاصة تيار المستقبل، الذي سريعاً ما يقدم التنازلات بعد أن يكون قد صعد».

يقطع التصفيق حديث الجميّل، والسبب دخول عدد من أطفال إقليم الرميل حاملين أعلاماً طُبعت عليها صوره. هي ليست رسالة إلى القيادة الكتائبية الرسمية، «فنحن لم نخطط لها، على رغم أنها خطوة جميلة»، استناداً إلى أحد أعضاء الرميل. بالمناسبة، أين أصبح تعيين مسؤول كتائبي جديد لهذه المنطقة؟ «قريباً جداً»، يجيب الجميّل. فهو الآن في صدد «الاختيار بين اثنين، أفضل التكتم على اسميهما حتى أطرحهما على القيادة الحزبية وأطلب منها الاختيار». يبرر تفرده بالقرار «بأنني أعرف المنطقة جيداً والأجدر لاقتراح اسم رئيس الإقليم». لا شيء جديداً داخل المكتب السياسي، «فالكل اليوم مشغول بالانتخابات الرئاسية ومساعدة الرئيس (أمين الجميّل) على العودة إلى بعبدا إذا كان ثمة مجال لذلك». يرفض الاتهامات بأنه يحرج عمه، «فأنا مشكلتي هي إدارة الحزب، وطريقة تشكيل المكتب السياسي». لم يعد مقبولاً أن «يتخذ فرد القرارات ويطلب منا البركة الأخيرة، كما حصل في الموضوع الحكومي. ما نريده هو تحسين هذه الطريقة». ولكن، لا يحاول أحد الاصطياد في الماء العكر، «مكفّى كتائبي عا الآخر».