IMLebanon

نعم.. مشكلة دستور

دخل لبنان مرحلة الشغور الرئاسي للمرة الرابعة في تاريخه، مرتان قبل الطائف ومرتان بعده، ما يعني أن المشكلة الرئاسية ليست وليدة الانقسام السياسي العمودي القائم الآن بين قوى «8 و14 آذار»، بل هي صنيعة الدستور الاستقلالي الاول الذي فرض نصاب الثلثين لانعقاد جلسة الانتخاب، وأعطى الثلث النيابي المعطل ورقة «الفيتو» المانعة لانعقاد الجلسات.

باختصار، تلك هي الحكاية أولاً وآخراً، على الرغم من الاتهامات والمماحكات والمزايدات القائمة. فما تمارسه بعض قوى «8 آذار» لجهة تعطيل الجلسات، مارسته في السابق القوى التي تعتبر المقاطعة تعطيلا للدستور والتي تعتقد أن اللبنانيين بلا ذاكرة، وهي وعدت بممارسته مستقبلا لجهة الجلسات التشريعية بحجة الفراغ الرئاسي، تماما كما فعلت خلال حكومة تصريف الاعمال «الميقاتية»، باعتبار أن شؤون البلد والناس أقل أهمية بكثير من «فخامة الفراغ».

وبانتظار انتخاب الرئيس الجديد تحت وطأة التوافق بمباركة خارجية لا بد منها، سوف تشهد الساحة الداخلية المزيد من المماحكات التي لا طائل منها، لكن الجميع يُطمئن الى أن لهذا الجدل العقيم حدودا لن تتجاوز الشاشات، لأن أحدا ليس في وارد التصعيد بما يتجاوز وسائل الاعلام الى الأرض، خاصة وأن المنطقة مقبلة على تطورات سياسية بالغة الأهمية خلال الاشهر المقبلة، من شأنها أن تبلور طبيعة الوضع في لبنان، ولا يجب استباق الأمور محليا، لأن لبنان يتأثر بالتطورات الخارجية ولا يكون في العادة مؤثرا فيها.

وعليه ثمة من يعتقد أن الفرصة سانحة أمام الطبقة السياسية في لبنان للجلوس الى طاولة الحوار، ومناقشة جذور الأزمة الرئاسية قبل التوافق على الرئيس العتيد، على قاعدة تقديم الأهم على المهم، والوصول الى قناعة مبدئية بأن هذا النظام السياسي القائم على دستور الطائف وصل الى طريق مسدود، ويفترض التوقف عنده من دون خجل أو وجل. فهذا الدستور الذي يحمل من الخلل ما يتيح لأي طائفة تعطيل المؤسسات الاساسية، من الرئاسة الى مجلس النواب ومجلس الوزراء، حتى المراسيم والقرارات التي تتطلب توقيعا وزاريا، هذا الدستور لم يعد صالحا لإنقاذ الحياة السياسية اللبنانية من الوهن المزمن.

ولعل أسوأ المواقف المطروحة في هذه المرحلة، الإدعاء بأن البحث في تعديلات دستورية ضرورية سيجرّ البلاد الى خلافات مستحكمة، وكأن البلد اليوم في ذروة التوافق والتفاهم والوئام. فالدساتير في النهاية هي من صنع الانسان، وهي ليست كتبا مقدسة محرّمة على المس. ومنذ إقرار التعديلات الدستورية في العام 1990 بوحي من وثيقة الطائف، اكتشف اللبنانيون في دستورهم من الخلل ما لا يُعد ولا يُحصى، ومع ذلك يتمسك البعض بهذا الخلل مغلّباً مصالحه الشخصية على مصلحة الوطن ومستقبله.

قد يكون من الطوباوية بمكان إحداث انقلاب دستوري كامل بما يؤول الى دولة المواطنة بين ليلة وضحاها، لكن الاصرار على الدوران في الفراغ من دون ملامسة المشكلة الدستورية والبدء بخطوة في رحلة الألف ميل، سيجر البلد الى مزيد من التعطيل والفراغ والشغور في المؤسسات، ثم البكاء على الاطلال وكأن الأزمة هي من صنع الناس البسطاء الطيبين المحكومين بدين ملوكهم. وفي الخلاصة «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».