IMLebanon

هل بدأ “الخليج” تقليص تمويل “داعش”؟

لم يعد “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف بـ”داعش” في حاجة إلى تمويل منظَّم كي يستمر في “حربه الجهادية”. ففي سوريا أمَّن لنفسه موارد مالية جراء سيطرته على حقول نفطية وغازية. وفي العراق زاد هذه الموارد بعد سيطرته العسكرية بمساعدة فعلية من غالبية السنّة هناك على ثلث البلاد والمرافق النفطية فيها. وهذا الأمر سيستمر على رغم قرار مجلس الأمن منع ذلك بالإجماع لأن هناك جهات دولية واقليمية وشركات ومنظمات “مافيوية” جاهزة دائماً لخرق القرارات الدولية وخصوصاً إذا كان يؤمن لها أرباحاً مالية فاحشة. ولأن المموِّلين لم يحققوا أهدافهم النهائية بعد على رغم نجاحهم في العراق أخيراً بسبب فشلهم في سوريا. وهم لا يزالون متمسكين بتحقيقها. ويفرض ذلك عليهم متابعة الدعم المالي الذي يمكِّن “داعش” من الاستمرار في العمل، ويبقيها في الوقت نفسه ملتزمة الخط الذي قرّره الداعمون. فضلاً عن أن نفقات الحرب كبيرة جداً وخصوصاً بعد اتساع الجغرافيا “الداعشية” في العراق وسوريا، وفي ظل الموقف الدولي الداعي إلى تجفيف منابع تمويل التنظيم المتطرِّف والإرهابي. إلا أن ذلك كله لا يلغي التساؤل الذي يطرحه يومياً المواطنون في سوريا والعراق ولبنان بل في العالم العربي والإسلامي والعالم الأوسع عن هوية المموِّلين. علماً أن هذا التساؤل يكون صادقاً وبريئاً عندما يطرحه المواطنون، ويصبح خبيثاً عندما تطرحه الجهات الدولية والإقليمية. ذلك أنها تمتلك بالملموس المعلومات والمعطيات التي تجعلها تعرف الجواب عن تساؤلها.

أما الجواب عن التساؤل المذكور أعلاه فيقدمه متابع أميركي مزمن للأوضاع في منطقة يعرف طبيعتها ومشكلاتها وأنظمتها، كما يعرف علاقات أنظمتها وارتباطاتها السرية والعلنية في آن واحد. وهو يفيد أن المملكة العربية السعودية والدول العربية في الخليج عموماً هي التي تموِّل المتطرفين من التنظيمات الإسلامية في المنطقة وخصوصاً في سوريا والعراق وحتى لبنان، ولكن في صورة غير رسمية. ويعني ذلك أن الممولين قد يكونون أفراداً أثرياء ورجال أعمال ومال وجمعيات وهيئات. لكنه يعني في الوقت نفسه أن التمويل ما كان ليحصل لولا معرفة ملوكهم والشيوخ، بل لولا موافقتهم الضمنية. ويبرر المتابع الأميركي ذلك باقتناع القادة المذكورين أن المتطرفين الإسلاميين، كما الأشد تطرفاً بينهم، هم السلاح الأفضل الذي يستطيعون به محاربة الطموحات الإيرانية في المنطقة. وهذا الاقتناع لا يزال ثابتاً بدليل استمرار التمويل والدعم المتنوع وذلك على رغم بدء تغيُّر الموقف الدولي الرسمي (مجلس الأمن) منه. ويعني ذلك أن ارتباط استمراره بموافقة الملوك والشيوخ لم يعد ضرورياً. لكن بعد عودة الأميركيين عسكرياً إلى العراق، على رغم خجل هذه الخطوة حتى الآن على الأقل، واعتبار الكثيرين في المنطقة أن من أهدافهم دعم العشائر والحركات السنّية الدينية والسياسية التي شكَّلت بيئة حاضنة لـ”داعش” وحمايتها وفصلها عنه، وبعدما بدأ الإيرانيون يرون بأم العين الخطر الذي وضعوا أنفسهم فيه بسبب طموحاتهم المبالغ فيها جداً، بعد ذلك كله بدأ زعماء الخليج العرب وفي مقدمهم العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز التحرُّك لتطويق أي أخطار “داعشية” على المنطقة. علماً أن ذلك لا يعني أبداً حتى الآن تخلياً عن الأهداف التي تساهلوا مع “داعش” كي يحققها أو تفريطاً بالذي تحقَّق منها. وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن هذا التنظيم وأشقاءه وحلفاءه صاروا أقل اعتماداً على مالهم بعدما ملأوا خزائنهم من الأموال التي سطوا عليها في العراق ومن الضرائب التي يفرضونها على المواطنين ورجال الأعمال والمال ومؤسساتهم، ومن النفط الذي يبيعونه تهريباً طبعاً إلى الأتراك وآخرين. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه أنه يزيد من قدرة “داعش” ومقاتليه على التحلُّل من ارتباطات والتزامات أخذوها على أنفسهم أمامهم (قادة الخليج). كما يسمح له بمحاولة تنفيذ “أجندة” خاصة به تناقض سياساتهم وأهدافهم. ولذلك فإنهم وفي مقدمهم العاهل السعودي سيبقيه تحت عين المملكة كما يقال، وسيكون جاهزاً لممارسة الضغط عليه من خلال إقناع أشقائه في منطقته بالتوقف عن تمويله. ونجاحه في ذلك يعتمد على نجاحه في إقناع المؤسسة الدينية في بلاده، ولا سيما بعض مراجعها الكبيرة ذات التأثير الواسع، بتجنب التنظيمات الإسلامية المتطرِّفة والأشد تطرُّفاً باعتبارها عدوة للإيمان بل للإسلام. ومن شأن ذلك تقليص عدد مموِّليها إلى حد كبير بسبب الخوف من العقاب على الأرجح.