IMLebanon

الوزراء الـ16 لا يكرسون الميثاقية

ليس صحيحًا كما زعم رئيس الحكومة تمام سلام، بأنّ جلسة مجلس الوزراء كانت ميثاقيّة وقانونيّة وشرعيّة، فكيف تتسربل سربال الميثاقيّة والأحزب المسيحيّة الحائزة على نسبة واسعة من التمثيل، بالإضافة إلى حزب الله الممثّل الأوّل للوجدان الشيعيّ تضامنًا مع التيار الوطني كانوا غائبين عنها؟ فالوزراء الستة عشر الحاضرون لا يستطيعون إثبات الواقع الميثاقيّ ولا تثبيته، فالميثاقيّة تتلازم وشرعيّة التمثيل، والعقد بين الطوائف اللبنانيّة هو عقد تمثيليّ مثلما هو عقد تشريعيّ في السلطتين التشريعيّة- التمثيليّة والتنفيذيّة طالما أنّ النظام السياسيّ غير حاضن لمبدأ فصل السلطات في الواقع، في حين انّ النصّ الدستوري قائل به. ذلك أنّ الوزراء في الحكومة هم الممثلون لأحزابهم وطوائفهم وهم إياهم مستوون على الأرائك النيابيّة في المجلس النيابيّ. فحين تغيب غالبيّة الأحزاب يتجوّف مجلس الوزراء ويفقد هالته التنفيذيّة.

بعض الأوساط ووفقًا لمعلومات واضحة كشفت بأنّ الرئيس نبيه برّي أبدى إصرارًا شديدًا بضرورة إنعقاد مجلس الوزراء مخافة من تدحرج السلطة التنفيذية بمؤسسة مجلس الوزراء نحو الهاوية كما تدحرجت طاولة الحوار، وقد أعطى تعليماته لوزريه بضرورة الحضور والتفاعل، وقد قدّم وزير المال بناءً على ذلك موازنته الماليّة. لم يكن برّي وحيدًا وكما أبانت الأوساط عينها، بل بدا ثمّة توافق بينه وبين الرئيس فؤاد السنيورة بما يمثّل، والنائب وليد جنبلاط، على ضرورة أن يستمرّ تمّام سلام في الدعوة إلى الجلسة.

المفاجأة الكبرى غير المتوقّعة تضامن تيار المردة بوزيره روني عريجي مع التيار الوطنيّ الحرّ. وتقول معلومات واضحة بأن نقاشًا حصل بين مسؤولين من حزب الله والوزير السّابق سليمان فرنجيّة، أفضى إلى هذا القرار الإيجابيّ والمهم، حتمًا لم يكن فرنجيّة بعيدًا عن روحيّة تلك المنطلقات، فعلى الرغم من الخلاف الشخصيّ بينه وبين وزير الخارجيّة ورئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، أوضح بدوره وبعيد خروجه من طاولة الحوار بأن لا خلاف في الجوهر بينه وبين التيار حول المظلوميّة اللاحقة بالمسيحيين، الخلاف محصور بطرق المعارضة. وقد أيّد مضمون كلامه بعدم حضور وزيره روني عريجي.

وفي السياق نفسه، وهذا سيحسب له حساب كبير في الأيّام المقبلة، أثبت حزب الله بعدم حضور وزيريه وتضامنه مع التيار الوطنيّ الحرّ، أنّه حزب ميثاقيّ بامتياز. تلك هي الرسالة القصوى الموجّهة إلى السنيّة السياسيّة في محاولتها لاحتكار القرارت والاستئثار بها. فالميثاقيّة ليست عقداً، والعقود وبلغة قانونيّة تنتهي مع الأزمنة المحدّدة لها وتمتّصها الظروف إذا هي انشأتها، في حين أنّ العهد سطوع لجوهر مبتغى يرنو إليه كثيرون في الفكر والقلب والعقل والوجدان، حزب الله بعدم حضوره الجلسة انسكب من تلك التطلعات على الرغم مما يمكن أن يتأتى منه في وسط بيئته، حسبه أنّه قال بالجوهر الميثاقيّ عهداً مكنوناً في ورقة التفاهم بينه وبين التيار الوطنيّ الحرّ، والعهد عينه ممدود على إطلالات مكثّفة في اللحظات التكوينيّة في المشرق العربيّ، ولبنان منها، وله أن يتوسّع رويداً رويداً، نحو مطلاّت لبنانيّة قد يكون على خلاف عقيديّ معها. العقيدة في وجدان الفهماء والحرصاء على وحدة لبنان وبقائه تمتمة، ثمّة ما هو فوق العقيدة أحياناً، والكبار هم المضحون بالتمتمات للبلوغ نحو فجر جديد يجب أن يتوشّح به لبنان.

لذلك يجب الاعتراف بالدرجة الأولى وبحسب مصدر سياسيّ، بعدم ميثاقيّة جلسة مجلس الوزراء. وفي الدرجة الثانية بأنّ المسألة تخطّت الخلاف على تعيين قائد للجيش، أو التمديد له، لتبلغ مصافّاً بليغاً يشي بتجاه البلد نحو واقع جديد.

فما هو الواقع الجديد؟

1- لقد سقطت الحكومة ليس بفعل خروج الوزراء منها وانسحابهم، بل سقطت في لحظات سابقة، بسبب فقدانها القدرة على التصدّي لأزمة النفايات، وهي أحقر أزمة يعيشها لبنان بكلّ ما للكلمة. فالرضوخ المتلاشي حيناً وربّما المتورّط أحياناً للصفقات مع شركات واضحة المعالم والحضور، بشراكات منها ما هو معلن ومنها ما هو مستور، أفقدها المناعة المطلقة، وجوّفها من القدرة على المواجهة وحلّ الأزمة من جذورها. لا يكفي أن ينعت تمام سلام بالرجل الصابر وهو بلا شكّ رجل عاقل وراق وعليم وحليم، بل يجدر وبحسب هذا المصدر السياسيّ، أن يألف الحقّ ويقوله قولاً حلالاً مدويّاً. لقد لوّح غير مرّة باشمئزازه وقرفه ويأسه، فلماذا إذًا لم يقدم على صرخة وجوديّة راعدة بوجه الفاسدين والمفسدين، ولماذا في الوقت عينه يتورّط في أزمة ميثاقيّة وهو وريث رجل الميثاق ورجل الاستقلال، وكم افتخر بأنّه والمغفور له المطران إيليّا صليبي مطران بيروت رحمه الله والشيخ بيار الجميل والرئيس كميل شمعون رحمهما الله، شكلوا دعامة ميثاقيّة متينة للبنان. هذا جزء كبير من إرث صائب سلام لنجله تمّام فلماذا لا يستثمره بقوّة ويقلب الطاولة على الرؤوس ويدرك بأنّ من يقود البلد بالفساد والنفايات هو عينه من يقوده إلى الهلاك، ويفتعل أزمة وجوديّة مع شريك رئيسيّ يفترض أنه شريك وليس أجيرًا. وكلّ هذا يشي بأننا امام أزمة حكومة مأخوذة نحو هاويتها وقد دخلت في ليلها.

2-لقد سقطت المسلّمات الميثاقيّة بعدم الاكتراث إلى الجرح المسيحيّ النازف في لبنان. ويعرف الجميع أن الميثاق لم يكن ليكتب وينحت لولا الطابع المسيحيّ للبنان. المعركة الجوهريّة التي تخوضها الأحزاب المسيحيّة وعلى الرغم من تمايز سلوكياتها، وعلى الرغم من اختلافاتها، وعلى الرغم من دفع بعضهم من قبل السنيّة السياسيّة ليقول بأنّ ثمة من هو «نصّاب ينصب ويفقد النصاب»، هي استبقاء الطابع المسيحيّ مكنونًا في جوهر لبنان وعمقه، وحده ما يميّز لبنان عن بقيّة الأنظمة العربيّة هو هذا الطابع عينًا، فمتى فقد لبنان طابعه وفقًا لفلسفة العدّ والحدّ، فإنّه يصير باهت اللون ضعيف الحضور. المسيحيون آباء العروبة من لبنان إلى العالم كلّه، وهم ليسوا بكائنات بيولوجيّة أو أهل ذمّة هم مواطنون شركاء لهم ما لسواهم من حقوق وواجبات. المعركة بحسب بعض الأوساط هي بمحاولة إسقاط هذا الطابع وتهلكته، مقابل تسويق واضح بانّ السنيّة السياسيّة بإطارها الليبرالي وبما تملك من قوّة وقدرات وثروات وبالتفاعل مع الأميركيين قادرة على ان تبقى واجهة العالم العربيّ من لبنان. ومن لا يعترف بتلك الحقيقة من بعض المسيحيين بالدرجة الأولى يكن مساهمًا بعمليّة التهميش والتهشيم والترضيض اللاحقة بالمسيحيين. ومن هنا نحن أمام أزمة وجوديّة وكيانيّة في علاقة السنيّة السياسيّة بالمسيحيين، مع الملاحظة بأنّ حزب الله وكما أبنّا وبينّا أظهر أنّه ميثاقيّ بامتياز.

3-لقد سقط الطائف سقوطاً مريعاً بالعوامل الخارجيّة التي مزقّته بصراعاتها بعد ان صنعته بتسوياتها. والحقيقة بأنّ تطبيق هذا الاتفاق التسوويّ كان مهيّئاً بالشكل والجوهر لرمي المسيحيين خارجاً، وتبديل المارونيّة السياسيّة بالسنيّة السياسيّة التي ترأسها المغفور له الرئيس رفيق الحريري. الطائف في كينونته رحم للدستور الحاليّ، المعدّل بمرسوم صادر سنة 1991. وحين يتكلّم الرئيس نبيه برّي في خطابه الأخير في صور على العبث بالدستور وكما قال الرئيس إيلي الفرزلي، فإنّ النظام يكون قد سقط. العبث بالطائف سقوط للنظام، ويشهد كثيرون بأن المسيحيين ليس لهم مصلحة في سقوط النظام بل لهم مصلحة في تعديل ما يجب تعديله، وتصحيح ما يجب تصحيحه لتمتين أواصر الشراكة الوطنيّة وتحقيق المناصفة الفعليّة وإحياء المنطلقات الميثاقيّة بجوهرها وليس بظاهرها. ليس المسيحيون من أسقطوا النظام، «الطائفة السيّدة والقائدة»، هي من أسقطت النظام، والمفارقة بانّ الرئيس نبيه برّي لم يشر إلى ذلك.

4-لقد سقطت الدولة والحكم بفعل الفراغ المستديم على مستوى رئاسة الجمهوريّة، كما سقطت الميثاقيّة في الأساس يوم تمّ التمديد للمجلس النيابيّ ولم يقبل المجلس الدستوريّ بالطعن المقدّم من قبل نواب التيار الوطنيّ الحرّ. في كلام أخير لوزير الخارجية ورئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، قال بأنّ التيار ليس متمسكاً بإسم العماد ميشال عون بل متمسّك بمفهوم الرئيس القويّ كما جاء في الوثيقة الوطنيّة الصادرة عن بكركي يوم عيد مار مارون بتاريخ 9-2-2014، والرئيس القويّ بتفسير دقيق هو من يحوز على نسبة عالية من التمثيل المسيحيّ ضمن بيئته، أي الذي يمثّل الوجدان المسيحيّ. عدم الإقرار بحقّ المسيحيين بتقديم مرشحهم هو القضيّة والطامة وليس الترشيح. الميثاق هو بقبول كلّ شريك بالآخر بحقّ الآخر، فحين قال السيّد حسن نصرالله بأنّ مرشّح الحزب لرئاسة المجلس النيابيّ هو نبيه برّي لم يتنطّح أحد للمناقشة أو الاعتراض من الطوائف الأخرى، حين يقول السنّة بأن سعد الحريري هو مرشحهم فلا يتنطّح احد من الطوائف الأخرى للمناقشة، فلماذا يتنطّح الجميع إذا رشّح المسيحيون بغالبيتهم المطلقة العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة بالرفض المطلق، ويتركون الرئاسة ضحيّة الفراغ؟ الطامة هي هنا. سقوط الدولة والحكم سببه عدم النزول إلى المجلس النيابيّ من قبل بقيّة الأحزاب.

تلك السقطات مع تكاثر عدد النازحين، تشي بأن الأزمة باتت أزمة وطن. والأزمات مرتبطة بحالة تكوينيّة جديدة متداخلة في بنية المشرق العربيّ، ولبنان غير معصوم ولا مفصوم عن معالمها وخطوطها. كلّ ذلك يشير بأنّ الحاجة وكما دعا الأمير طلال ارسلان في مؤتمره الصحافيّ الأخير، إلى مؤتمر تأسيسيّ جديد. المؤتمر التاسيسي ينطلق من مؤتمر وطنيّ، تبحث فيه العناوين الجوهريّة التكوينيّة للبنان بلا خشية ولا ريبة. الفلسفة الميثاقيّة تنتعش بمؤتمر يعترف فيه كلّ طرف بحقّ الآخر في الوجود والشراكة، الشراكة في الحقوق والواجبات على كلّ المستويات من اجل غد أفضل.