IMLebanon

21 لبنانياً على متن الطائرة الجزائرية: ضريبة الاغتراب

ليست الصدفة وحدها التي تضع أحياناً أسماء لبنانيين على لوائح ضحايا حوادث طيران تحدث خارج لبنان وخطوط طيرانه. الفاجعة تتكرر، وتحصد عائلات بكاملها، لأسباب عدّة، كما لو أنها الضريبة الأكثر قسوة لنمط قائم في لبنان يضع الكثيرين أمام خيار واحد، هو الهجرة.

21 لبنانياً، أغلبهم أطفال وشباب صغار، كانوا في طريقهم الى لبنان لتمضية عطلة الأعياد. فُقدوا فجر أمس في تحطّم طائرة تابعة للخطوط الجزائرية فوق مالي، كانت تقل 116 راكباً، من واغادوغو (بوركينا فاسو) إلى مطار الجزائر. انقطع الاتصال معها عند الثانية وخمس دقائق، وأعلنت الخطوط الجوية الجزائرية أنها فقدت الاتصال مع الطائرة، التي استأجرتها من شركة إسبانية (سويفت إير)، بعد خمسين دقيقة من إقلاعها من عاصمة بوركينا فاسو.

وبحسب آخر حصيلة نشرتها الخطوط الجزائرية، فإن الطائرة أقلعت من واغادوغو وعلى متنها 110 مسافرين من جنسيات مختلفة، فضلاً عن 6 إسبان هم طاقم الطائرة.

وقال مصدر في الشركة لوكالة الصحافة الفرنسية إن الاتصال انقطع بين أجهزة الملاحة والطائرة حين كانت تحلق فوق شمال مالي قرب الحدود مع الجزائر. وأضاف المصدر إن «الطائرة لم تكن بعيدة عن الحدود الجزائرية عندما طلب الطاقم تغيير المسار بسبب سوء الرؤية ولتفادي مخاطر الاصطدام بطائرة أخرى تؤمن رحلة بين العاصمة الجزائرية وباماكو».

وزارة الخارجية والمغتربين أكّدت وجود 20 لبنانياً على متن الطائرة، وقالت إنها «لا تزال تدقق باسمين للتأكد من جنسيتهما اللبنانية». وأوعز وزير الخارجية جبران باسيل الى القائم بأعمال لبنان في أبيدجان أحمد سويدان، الانتقال الى بوركينا فاسو من أجل متابعة الموضوع مع السلطات المعنية ومساندة الأهالي في احتياجاتهم. كذلك قرر إرسال وفد مؤلف من الهيئة العليا للإغاثة والأمن العام من لبنان إلى مالي للمتابعة.

الاتصال انقطع بين أجهزة الملاحة والطائرة حين كانت تحلق فوق شمال مالي

وكانت الأنباء قد بدأت تصل إلى لبنان، والجنوب تحديداً، بالتدريج. القرى التي اعتادت فقدان أبنائها في جحيم الهجرة قدمت مجدداً قرابين جدداً، هؤلاء الذين اضطروا إلى تركها لتحسين ظروف عيشهم.

حاريص التي تزدان بالقصور الفارهة من أموال مغتربيها، دفعت مجدداً ثمناً غالياً. إذ فقدت في الطائرة منجي حسن وزوجته نجوى زيات وأطفالهما الأربعة: محمد، حسين، حسن ورقية. منجي كان قد اصطحب زوجته لتقيم معه في بوركينا فاسو، حيث يعمل، وكانت العائلة آتية الى مطار بيروت عن طريق مطار الجزائر لتمضية عطلة العيد.

صريفا التي كانت لا تزال تحيي ذكرى أبنائها الأربعين الذين استشهدوا في عدوان تموز 2006، قدمت على مذبح الهجرة رندة بسمة (من عين بعال) زوجة فايز ضاهر (من لبايا في البقاع الغربي يقيمان في صريفا) وأطفالهما علي وشيماء وصلاح. بقي الزوج فايز ضاهر في بوركينا فاسو، فيما كانت عائلته تنوي تمضية عطلتها الصيفية في لبنان. هكذا خسر فايز عائلته بلمح البصر.

الزرارية (قضاء الزهراني) كان لها حصة في حوادث تحطم طائرات أخرى في أفريقيا. محمد أخضر ابن الثلاثة والعشرين عاماً، قرر أن يفاجئ أهله على العيد. أرسل رسالة إلى صديقه ليلاقيه في المطار من دون أن يُخبر أحداً. لم يستطع محمد تجاوز حدود مالي. إنما حدود لبنان كان سهلاً تجاوزها منذ سنتين عندما أنهى دراسته الجامعية وهاجر بحثاً عن عمل. خبر وجود محمد على الطائرة وقع مثل الصاعقة على أهله. اتصال واحد من شركة الخطوط الجزائرية كان كفيلاً بتحطيم قلب والديه وأخيه الصغير وأختيه.

عائلتا جوزيف الحاج وفادي رستم سبقتاهما قبل مدة إلى لبنان للاستفادة من العطلة الصيفية في عينطورة. هم فعلياً نجوا من هذه الحادثة المأسوية. يرفض هؤلاء الكلام عن الحادثة، فالأمل لا يزال موجوداً لديهم بأن تكون الطائرة اختطفت ولم تقع. لن تتحدث والدة جوزيف سوى بعد أن ترى حطام الطائرة لتتأكد من أنّ الموضوع انتهى بسقوطها. جوزيف الذي يعمل متعهداً، وفادي العامل في مجال المأكولات موجودان وعائلتيهما في بوركينا فاسو منذ نحو 25 عاماً. ارتأى القدر أن يحرمهما من زيارة أهلهما بعدما قضيا عمرهما في الاغتراب.

عمر بلان من بلدة غوسطا في قضاء كسروان كان أيضاً على متن الطائرة. كذلك بلال دهيني من الخرايب (قضاء الزهراني) وزوجته التي تحمل الجنسية الألمانية وأطفالهما الأربعة.

20 لبنانياً أعادوا إلى الذاكرة تحوّل عيدي الميلاد ورأس السنة عام 2003 إلى فجيعة بسبب سقوط طائرة تقل لبنانيين من كوتونو كانوا في طريقهم لتمضية العيد مع أسرهم، علماً بأن بوركينا فاسو تعد من أقدم البلدان التي بدأ فيها الاغتراب اللبناني أواخر القرن التاسع عشر.

هذه النكسة لشركة الخطوط الجزائرية تأتي بعد ستة أشهر من كارثة تحطم طائرة في شرق البلاد. ففي شباط الماضي، تحطمت طائرة من طراز هيركوليس سي 130 كانت تقوم برحلة بين تامنراست (ألفي كلم جنوبي العاصمة الجزائرية) وقسنطينة (450 كلم شرقي العاصمة) قبل هبوطها، ما أسفر عن مقتل 76 شخصاً. ونجا راكب واحد من الحادث. وفي آذار 2003، فقدت الشركة طائرة بوينغ 737 تحطمت بعد إقلاعها بقليل من تامنراست، ما أسفر عن مقتل مئة شخص وشخصين.