IMLebanon

40% من بعلبك بلا مياه: «آبار عماد عثمان» تهدّد البقاع بالعطش

 

مجتمع   على الغلاف   

 

نحو نصف سكان بعلبك محرومون من المياه. المسؤولية عن ذلك يتقاذفها المعنيون، لكن الجزء الأكبر منها يقع على «آبار عماد عثمان». الاستثناءات التي يمنحها المدير العام لقوى الأمن الداخلي لحفر آبار خاصة و«تجارية»، تهدّد المياه الجوفية في البقاع، بعدما وصل عددها في المحافظة وفي بعلبك ــ الهرمل، إلى «60 ألف بئر»!

 

يؤمن البعلبكيون بأنه لولا نبع رأس العين (يُعرف بنبع البياضة) لما بنى الرومان قلعتهم في بعلبك. شريان الحياة الرئيس لبساتين المدينة ومتنزهاتها جفّ تماماً منذ عام 2014، بعدما تراجعت إنتاجيته على مدى سنوات، وتحوّل مجراه البالغ طوله نحو ثلاثة كيلومترات موئلاً للمياه المبتذلة ولنفايات بعض المتنزهات.

 

ليست قلّة المتساقطات في السنوات السابقة وحدها مسؤولة عن ذلك. المزارعون البعلبكيون الذين يملكون صكوكاً في ملكية مياه النبع يحمّلون مسؤولية جفافه، في شكل رئيسي، الى بئر في حرم مصلحة مياه بعلبك التابعة لمؤسسة مياه البقاع. والأخيرة تؤكّد أن تجارب أجرتها أثبتت أن لا علاقة للبئر التي توفر مياه الشفة للبعلبكيين بجفاف النبع، محمّلة المسؤولية لآلاف الآبار الخاصة العشوائية، ومنها «105 آبار خاصة حُفرت غير بعيد عن النبع، بعد حصول أصحابها على استثناءات من القوى الأمنية في موسم الانتخابات النيابية الأخيرة.

 

 

آبار لبيع المياه سُمح بحفرها في حرم الآبار العامة التابعة للدولة (هيثم الموسوي)

 

والاستثناءات التي لا تزال تُعطى حتى اليوم تؤدي إلى استنزاف الحوض المائي الذي يغذي البياضة ونضوب مياهه»، بحسب تأكيد مدير مؤسسة مياه البقاع رزق رزق. فيما التقديرات، وفق رئيس مصلحة المحطات والمشاريع في مؤسسة مياه البقاع خليل عازار، تشير الى وجود نحو 60 ألف بئر عشوائية في كل البقاع!

ونشرت «الأخبار» في أيار الماضي وثائق تشير الى أوامر صادرة عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، موجهة إلى قادة سرايا الدرك في البقاع، يسمح بموجبها بآلاف المخالفات، من بينها السماح بحفر 99 بئراً مخالفة، في يوم واحد، ضمن نطاق سرية بعلبك وحدها!

رئيس بلدية بعلبك السابق، حمد حسن، أشار الى أن بلديته كلّفت عام 2016 شركة خاصة لتحديد حرم نبع رأس العين والآبار التي تؤثر عليه، «وتبيّن أن لبئر المصلحة تأثيراً مباشراً على النبع. فعندما تتوقف البئر عن العمل، تعود المياه إلى التدفق في مجرى البياضة». لكنه لفت الى أنه «يصعب في الوقت الراهن وقف ضخ البئر قبل تأمين البديل عبر الشبكة التي نفذتها شركة الزاخم».

مؤسسة المياه: 60 ألف بئر عشوائية في البقاع!

 

وما يعرف بـ«مشروع الزاخم» هو مشروع مياه البقاع رقم 1850 الذي نفذته شركة الزاخم سنة 1996 بتمويل من البنك الدولي، لحل مشكلة المياه في بعلبك وجوارها (من النبي شيت شمالاً الى يونين جنوباً، ومن بلدة طفيل شرقاً حتى مجرى نهر الليطاني غرباً). تضمّن المشروع حفر 22 بئراً وشبكة موحدة لتغذية المنطقة بمياه الشفة، من بينها 8 آبار في التلال الشرقية لبعلبك، وثلاث آبار في العسيرة، وخمس آبار في منطقة عمشكي. بعد 20 سنة على المشروع، لا تزال 40 في المئة من بعلبك (غرب المدينة، حي آل جعفر، الكيال، حي البساتين، العباسية، منطقة الشُعب وطريق عين بورضاي) محرومة من المياه التي لا تصلها إلا مرة واحدة في الأسبوع، ويعتمد سكانها على مياه الصهاريج.

المهندس محمود الجمّال يعزو فشل ما يسمّيه «أهم مشروع للمياه في كل لبنان» إلى مؤسسة مياه البقاع المسؤولة عن سوء توزيع المياه والى شركة «البنيان» المسؤولة عن التشغيل. فيما يشدّد عازار على أن مشروع الزاخم «يحتاج إلى تطوير وصيانة وتجديد شبكاته، وتمديد أخرى جديدة تلحظ النمو والعمران السكاني الهائل الذي شهدته المدينة»، لافتاً الى أن عدد سكان بعلبك يلامس الـ 140 ألف نسمة، من ضمنهم نحو 30 ألف نازح سوري، مقارنة بـ 90 ألفاً عام 1997. وهذا يحتاج، بحسب عازار، إلى أموال الجباية «لكن الشعب عندنا لا يحب دفع المال، وليس في طاقة المؤسسة القيام بكل هذه الأعباء». ويوضح أن في بعلبك أكثر من 25 ألف وحدة سكنية، عدا عن المؤسسات، وهذا يفترض جباية بين 25 و30 ألف اشتراك، «غير أن المصلحة منذ 2009 تجبي أكثر من 6000 اشتراك بقليل».

مشكلة الآبار العشوائية يؤكدها المهندس حسين الموسوي، المدير العام لـ«شركة البنيان للهندسة والمقاولات» التي لُزّمت عام 2013 تشغيل المشروع في بعلبك. يقول الأخير إنه «بسبب الاستثناءات التي تعطيها القوى الأمنية يكاد يكون لكل بيت بئره الخاصة، من دون أي اعتبار لحرم الآبار العامة». وأوضح «أننا في عام 2018 وحده، رفعنا أكثر من كتاب إلى الجهات المعنية بسبب حفر آبار خاصة تبعد مسافات قصيرة من آبار الدولة، فقد حفرت بئر خاصة على بعد 100 متر من البئر الرقم 14، وبئر أخرى لا تبعد سوى 70 متراً فقط عن البئر 17، علماً بأن هذه آبار تحفر لأغراض تجارية ولبيع المياه بالصهاريج»! ولفت الموسوي أيضاً الى الآثار المناخية «فمنذ سنتين، قبل الشتاء الحالي، لم تعرف بعلبك الثلوج، فيما ارتفع الطلب على الماء مع ازدياد عدد السكان». أضف الى ذلك التعديات على نبع اللجوج، في شمالي شرقي بعلبك، الذي يشكل رافداً أساسياً للمياه في المدينة، إلى جانب آبار الزاخم الثماني في التلال الشرقية. إذ كان يفترض أن تصل مياه النبع إلى خزّان رئيسي قبل إعادة توزيعها. لكن، وفق الموسوي، هناك «نحو 140 وصلة، بقطر نصف إنش لكل منها، ممدّدة مباشرة من النبع إلى بعض البيوت، ما يمنع وصول المياه إلى الخزان. قدمنا بلاغات ضد هذه التعديات، ولكن لا حياة لمن تنادي».

 

من ملف : مكافحة الفساد في قوى الأمن: أسطورة!