IMLebanon

«74 استقلال .. وبيبقى البلد»

في أجندة الاستقلال اللبناني الـ74، معموديات ممهورة بختم: «حرية سيادة استقلال»، وبتلك الحصيلة غير النهائية للشهداء: «رئيسا جمهورية وثلاثة رؤساء حكومة ووزراء ونواب ورجال دين ومفكرون ومناضلون..»، وبضريبة تصاعدية أخذت البلد على مرّ السنين الى صراعات إقليمية وحروب أهلية ووعيد بالفناء أو التقسيم أو الالغاء، فكانت الكلفة ملغومة بذلك الاستنزاف الطويل من الحيوات والطاقات والانماء والاعمار، ومعها كمّ من أكاليل الزهر التي احتلت المشهد اللبناني بالأبيض والأسود معلنة الحداد مراراً والانتفاضة تكراراً بحثاً عن موطئ قدم للبلد الصغير المحاصر بالمشكلات.

بلد تحصّن بقلاع من الفرح والحب وعيش الحياة، لكنه ظل على الدوام يصطدم بأنياب مكشرة، بنوايا مبيتة ومطامع لا تنتهي، فكانت المشانق التي علقت في ساحة الشهداء، وغيرها من الساحات، قبل نحو مئة عام وعام. وكانت الأثمان الموجعة التي على الرغم منها، نجح في الانتساب الى جامعة الدول العربية وهيئة الامم المتحدة بعد أربع سنوات من استقلاله الأول في العام 1943. وبعد دخول قوات الردع في العام 1976 معلنة وصاية جديدة، نجح البلد مرة أخرى في وضع حد للحرب الأهلية بإعلانه اتفاق الطائف في العام 1989، فكانت أولى حكومات الوحدة الوطنية في العام 1992، ومعها استبشر اللبناني بانتعاش إنمائي ونمو اقتصادي يتمثلان بشخص الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وفي حينه، كان ثمة من لا يزال يحكي بالطائفية والمذهبية والكانتونات، وكان الرئيس الشهيد يحكي بالنهوض بالبلد وإعادة القرار اللبناني المستقل وتثبيت وجود الدولة من باب الاقتصاد والديبلوماسية في مقدمة لاسترجاع الاستقلال وأفول عهد الوصاية الشقيقة وغير الشقيقة. وفي غمار بحثه عن الاستقلال الحقيقي، سطّر بدمائه ودماء من سقطوا معه في الرابع عشر من شباط من العام 2005، تاريخ لبنان بالعنوان العريض: الاستقلال الثاني. وبعد ذلك التاريخ، شهداء كثر أكملوا الحكاية، بالدم والعنفوان وبوصية الحريري الأب: «لقد صبر وطننا على آلام كثيرة، وتمكن من تجاوز محن كثيرة، والفرصة متاحة أمامه الآن، لاعادة تأكيد دوره في محيطه العربي وفي العالم. ان هذه الفرصة ليست مشروع أحلام، انما هي مشروع واقعي يعبر عن حقيقة اللبنانيين كشعب لم تمت في أعماقه ارادة التغيير والتقدم، مع علمنا الكامل بما رتبته هذه الحروب من أوضاع متردية في مختلف مجالات الحياة اللبنانية، وكذلك مع علمنا بما تواجهه مهمتنا من عقبات نراهن على تذليلها».

وفي الاستقلال الثاني 2005، انسحب الجيش السوري، وكان اتفاق الدوحة، لتبدأ من بعده مهمة الحريري الابن سعد الحريري في مداواة تبعات الاغتيال وتحصين الاستقلال، بالطريقة نفسها التي اعتمدها الوالد الشهيد لجهة اختراع المبادرات والحلول، فكان بيانه الوزاري الاول: «حق دستورنا علينا أن نعيد تأكيد ثقتنا به، وبوفاقنا الوطني المكرّس باتفاق الطائف، وبنظامنا الديموقراطي، وبقدرتنا جميعاً على حل أي مشكلة تواجهنا، عبر الحوار، ولا شيء غير الحوار، تحت سقف المؤسسات الدستورية وروح الميثاق، وعدم اللجوء الى العنف والسلاح والابتعاد عن كل ما هو تحريض طائفي ومذهبي والتصدي لكل فتنة».

وما بين استقلال منقوص أو مشروط أو السعي الى أن يكون ناجزاً، تبقى الأجندة اللبنانية على أبواب عام جديد، في انتظار عناوين يخطها اللبناني ببصمات لا تشوبها الدماء، ولا الارتهانات، ولا المحاصصة، وإنما صدق عبارة «النأي بالنفس» حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية المكللة بالثلج والغار والأشجار الوارفة.