IMLebanon

8 آذار مرتاحة إلى إدارة عون للمعركة: بدّدت الهجمة المرتدّة للفريق الآخر

لم يكن “حزب الله”، وفق ما تردده دوائره الضيقة، يوماً متوجساً من مآل تطور العلاقة المستجدة بين حليفه العماد ميشال عون وبين تيار “المستقبل”، فإضافة الى ان قيادة الحزب كانت على علم مسبق بنية زعيم “التيار الوطني الحر” فتح الأبواب الموصدة منذ زمن بينه وبين التيار الازرق، ليشرع في رحلة تفاوض اساسها موضوع الرئاسة الاولى ورغبة العماد في ان يكون مرشح توافق للعودة الى قصر بعبدا، فانها كانت على اطلاع تام على تفاصيل هذه العلاقة وما استجد فيها من معطيات وما دار من نقاشات وعروض من خلال قنوات التواصل المولجة بالأمر في “التيار الوطني”.

وفي هذا السياق تناهى الى علم قيادة الحزب فحوى اللقاء الاخير الذي عقد بين الرئيس سعد الحريري وبين وزير الخارجية جبران باسيل وسؤال الاول للثاني عن الثمن السياسي الذي يمكن ان يدفعه التيار البرتقالي لكي يقبل تيار “المستقبل” بالنزول عند طلب زعيمه وتعبيد الطريق امامه لبلوغ مبتغاه التاريخي وهو التربع على سدة الرئاسة الاولى، درءاً لفراغ مرجح الوقوع.
وعلى عهدة الرواة فان جواب باسيل كان حازماً وواضحاً وجوهره ان العرض الذي نقطعه هو حالة سياسية مستجدة تنطوي على مظاهر صحة وسلامة، يعاد من خلالها النظر في العلاقات بين كل الاطراف بمن فيهم بين “حزب الله” وتيار “المستقبل” على أسس جديدة من عناوينها العريضة طي صفحة التوتر والصراع التي طالت من دون طائل والتأسيس لمرحلة حكم جديد متوازنة ومتوازية تكون قنطرة لعودة الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة والنهوض بالبلاد من كبوتها المزمنة اقتصادياً وانمائياً واستقراراً على نحو يخرج البلاد من واقعها المأزوم منذ عام 2005 الى اليوم.
وبذا ايقنت قيادة الحزب انها لم تكن مخطئة عندما تركت للعماد عون طريقة ادارة الشأن المتعلق به اكثر من سواه وهو شأن انتخابات الرئاسة الاولى، وتركت له الإمرة والتخطيط والاقدام حيث يتعين والاحجام عندما يكون في ذلك حكمة من دون ان يفوتها حجم الضغط الذي يتعرض له عون من داخل حلفه السياسي حول مسألة مآل حواره مع الحريري حتى بدا الامر نوعاً من “الاستجداء الممقوت”، ومن خارج هذا الحلف لجهة تحميله مسؤولية تعطيل الاستحقاق من خلال عدم تأمين النصاب اللازم في مجلس النواب.
لا تخفي الدوائر عينها ان لعبة فريق 8 آذار و”التيار الوطني الحر” خلال الشهرين الماضيين، وتحديداً منذ صار الاستحقاق الرئاسي داهماً، كانت عبارة عن لعبة ذات وجهين:
الاول: لعبة صمود في وجه الضغوط التي مورست عليهما من الداخل والخارج.
الثاني: لعبة توحيد الصف والحيلولة دون بروز تناقضات او تجاذبات.
في الأمر الاول بدا واضحاً ان لعبة هذين الفريقين قد تدرجت بدءاً من الورقة البيضاء التي تخللت جلسة الانتخاب الاولى والتي انتهت برأي اركان هذين الفريقين الى نتيجتين اساسيتين: الاولى توجيه رسالة الى من يعنيهم الامر بأن لا نصاب ولا جلسة انتخاب من دون هذا الفريق. والثانية انها “صدّت” هجمة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وحجّمتها.
وفي الامر الثاني: نجح هذا الفريق في البقاء متماسكاً ومصطفاً وراء مرشح واحد حصري هو العماد عون. وهذا التماسك بدد الكثير من رهانات الفريق الآخر خصوصاً ان رموزاً من هذا الفريق اشاعت خلال مناسبات ومحطات عدة ما مفاده ان المرشح المضمر لرئيس مجلس النواب نبيه بري للرئاسة هو النائب والوزير السابق جان عبيد وان رئيس حركة “امل” الذي تربطه صداقة قديمة بعبيد لا يكتفي بتأييد وصول صديقه الى الرئاسة الاولى، بل انه في صدد تأمين حلف سياسي لهذه الغاية يمتد الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وصولا الى رئيس كتلة “المستقبل” النيابية الرئيس فؤاد السنيورة.
وقطعاً لدابر هذا التأويل والتفسير بادر الرئيس بري قبل ايام الى القول صراحة بأن مرشحه وفريقه للرئاسة الاولى هو العماد عون.
ولاحقاً كان لرموز الحزب وقياداته كلام اكثر صراحة وحزماً ووضوحاً في هذا المجال فحواه أن عون مرشحنا الاول والثاني والثالث الى ان يبادر هو الى القول بأنه عزف عن الترشح او ان يسمي شخصاً بعينه، وهذا الامر سيكون ايذاناً ببدء المرحلة الثانية من عملية ادارة الاستحقاق الرئاسي ومقاربته.
ولم يعد خافياً في قراءات هذين الفريقين لمآل المعركة من الآن انه في مقابل هذا الصمود وراء عون فان ثمة تصدعات بدأت تظهر في جبهة الفريق الآخر، فتماسك هذا الفريق وراء ترشيح جعجع لم يدم الا في الجلسة الأولى من جلسات الانتخاب، اذ بعدها مباشرة بدا واضحا ان ثمة ثلاثة مرشحين يتصرفون على اساس انه صار في مقدورهم “التحرر” من لعبة المرشح الحصري، وعليه بدأوا في رحلة اتصالات معلنة وغير معلنة، مبلغين الجميع بأن دورهم قد جاء لتجريب حظهم لملء الشغور في الرئاسة الاولى. ولم يعد غريباً القول ان هذا العنصر المستجد هو، في عرف فريق 8 آذار وحليفه، احدى ثمرات ادائه وصموده اذ ان العنصر اياه هو في شكل او آخر بداية الشعور لدى الجميع بأن ترشيح جعجع واستمراره في هذا الترشيح بدأ يصير عبئاً، الى درجة أن قائد “القوات” نفسه اضطر في نهاية المطاف الى ان يحضر الى بكركي في اطار دفاعه عن ترشحه وتبرير الاستمرار عليه.
وفي كل الأحوال لا تخفي الدوائر عينها في “حزب الله” انها بعد نحو شهرين حافلين من بدء معركة الاستحقاق الرئاسي صارت على يقين من انها:
– مرتاحة الى حد بعيد الى نتائج ادارتها لهذه المعركة مع ادراكها بأن المرحلة الآتية لن تكون سهلة.
– نجح فريق 8 آذار والعماد عون في جعل معركة الاستحقاق الرئاسي لعبة خيارات كبرى وليست لعبة محلية.
– صار هذا الفريق مقتنعاً اكثر من اي وقت مضى بأن الهجمة السياسية المرتدة للفريق الآخر والتي بدأت بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ومن ثم تكليف الرئيس تمام سلام تأليف الحكومة، قد بلغت ذروتها واستنفدت نفسها. فلقد ثبت لهذا الفريق بالبرهان الساطع والدليل القاطع أنه قاصر عن فرض معادلات يريدها واجتثاث اخرى لا تعجبه. فكما احبطت آمال الفريق الآخر بحكومة تخلو من تمثيل معين وتقتصر على تمثيل بعينه، على رغم كل ما بذله من جهود وما روّج له، صار الآن على يقين بأن لا مكان الا لرئيس توافقي، وان فكرة الاتيان برئيس من لدنه او برئيس مستعد ليتبنى خياراته وخطابه لاحقاً لا مكان لها، وبالتالي سيجد هذا الفريق نفسه مهما طال الوقت ان عليه التعامل بواقعية مع فكرة الرئيس التوافقي.