IMLebanon

كذبة صدّقها النظام السوري

 

يشير ما تفعله روسيا حاليا الى رغبة في التوصل الى صفقة بين النظام السوري وإسرائيل في حال توفر شروط معيّنة. استدعى عثور القوات الروسية على رفات عسكري إسرائيلي، مفقود منذ معركة السلطان يعقوب في لبنان في العام 1982 مع رفاق له وتسليمه الى إسرائيل، قيام موسكو بمبادرة من اجل انقاذ ماء الوجه لبشّار الأسد.

 

أدت المبادرة الى اطلاق إسرائيل معتقلين سوريين كانا في سجونها. لم يعد امام روسيا سوى مثل هذه المبادرة من اجل القول ان النظام السوري ما زال حيّا يرزق وانّه كان له دور في العثور على رفات العسكري السوري في مخيّم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق.

 

بكلام أوضح، ارادت موسكو تأكيد ان النظام السوري جزء من صفقة محتملة مع إسرائيل تتجاوز مسألة الرفات ويمكن ان تصل الى إعادة إسرائيل الحياة الى سياستها القديمة المستمرّة منذ العام 1967. تقوم هذه السياسة في الاساس على وجود نظام اقلّوي في دمشق مهمته الاولى والأخيرة حماية امنها في الجولان الذي ضمته الى اراضيها منذ فترة طويلة.

 

ماذا يعني ذلك كلّه، خصوصا ان كلاما من نوع آخر صدر عن مسؤول روسي عن احترام ايران للاتفاق الذي يقضي بابتعاد قواتها الموجودة في سوريا عن خط فك الاشتباك في الجولان مسافة تراوح بين 75 و80 كيلومترا؟ هل يعني انّ ايران طرف ايضا في الصفقة التي يسعى الروسي الى تمريرها بما يؤدي الى تحويل نفسه محورا لأي حلّ يمكن الوصول اليه في سوريا؟

 

كلّ ما يمكن قوله انّ روسيا تعمل حاليا، من اجل اثبات انّها تمسك بكلّ خيوط اللعبة في سوريا وان هناك فائدة من تدخلها المباشر في الحرب على الشعب السوري ابتداء من أواخر أيلول – سبتمبر 2015. من الواضح ان الرئيس فلاديمير بوتين في حاجة الى اظهار انّه كان على حق في التدخّل في سوريا عسكريا وانّ الامر لا يقتصر على إيجاد حقل تجارب للسلاح الروسي بغية اثبات فعاليته ومستواه. هناك ما هو اهمّ من ذلك، خصوصا لجهة تأكيد ان روسيا صارت اللاعب الأساسي في سوريا وانّها استعادت موقعا مهمّا في الشرق الاوسط انطلاقا من سوريا وساحلها.

 

يصعب القول ان الرهان الروسي في سوريا هو رهان في محلّه في غياب اتفاق واضح بين موسكو وواشنطن على الدور الروسي في سوريا بمباركة إسرائيلية. صحيح ان إسرائيل على تفاهم عميق مع روسيا وان كلّ ما تفعله ناتج عن هذا التفاهم بين الجانبين، لكن الصحيح أيضا ان روسيا لا يمكن ان تحقق نجاحا حقيقيا في سوريا من دون ان تأخذ في الاعتبار شرطين في غاية الاهمية. هذان الشرطان المهمّان مرتبطان بمستقبل النظام السوري والوجود الايراني في سوريا المرتبط بالوجود الايراني في لبنان أيضا.

 

بالنسبة الى الشرط الاوّل، ثمّة حاجة الى استعادة مجموعة من البديهيات. في مقدّم هذه البديهيات ان الثورة السورية ثورة شعبية حقيقية بغض النظر عن القيادات التي نبتت على هامش هذه الثورة… وبغض النظر عن دور النظام السوري وايران في إيجاد «داعش» من اجل تبرير اللجوء الى كلّ أنواع الإرهاب في التعاطي مع ثورة الشعب السوري على الظلم.

 

عانى السوريون طويلا من نظام لم يكن لديه همّ في يوم من الايّام سوى البقاء في السلطة مستخدما شعارا واحدا هو الغاء الآخر. سئم الشعب السوري من نظام لا يؤمن سوى بهذا الشعار الذي يعني قمع المواطن وتحويله الى مجرّد عبد لدى العائلة الحاكمة. هل في استطاعة روسيا ان تفهم ذلك وان تتصرف من منطلق ان لا مجال لاعادة الحياة الى النظام السوري، لا لشيء سوى لان النظام انتهى قبل اندلاع الثورة في آذار – مارس من العام 2011. هذا النظام انتهى عندما لم يجد ما يرد به على القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة في الثاني من أيلول – سبتمر 2004 سوى التمديد للرئيس اللبناني وقتذاك اميل لحود ثم المشاركة في اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 او تغطية الجريمة في حال كان مطلوبا إيجاد أسباب تخفيفية، او ما شابه ذلك، لبشّار الأسد.

 

بالنسبة الى الشرط الثاني، المتعلّق بالوجود الايراني في سوريا، لم تستطع موسكو الى الآن تصديق انّ ليس في الإمكان الفصل بين بشّار الأسد وايران. كلّ من حاول القيام بعملية الفصل هذه فشل فشلا ذريعا في ذلك. ليس سرّا ان رئيس النظام السوري ربط مصير نظامه منذ اليوم الاوّل الذي خلف فيه والده، وربّما قبل ذلك، بايران وبـ»حزب الله» في لبنان. ليس صدفة ان يكون الحزب، الذي هو لواء في «الحرس الثوري» الايراني دفع كلّ ما يمتلك من قوى وإمكانات من اجل الحؤول دون سقوط النظام وذلك منذ اليوم الاوّل لاندلاع الثورة في 2011.

 

لا مجال امام روسيا، من اجل تحقيق تقدّم في سوريا، سوى تحقيق هذين الشرطين المرتبطين في نهاية المطاف بشخص بشّار الأسد وايران التي تعرف قبل غيرها ان انسحابها من سوريا سيعني نهاية النظام في طهران. إضافة الى ذلك، تعرف ايران ان وجودها في سوريا مرتبط بشخص رئيس النظام ولا شيء آخر غير ذلك.

 

لا يستطيع بشّار الأسد ان يكون روسيا، على الرغم من معرفته التامة بان سلاح الجوّ الروسي كان وراء بقائه في دمشق كرئيس لا يتحكّم سوى سوى ببعض الميليشيات التابعة للنظام. صارت هذه الميليشيات تختزل النظام لا اكثر. من الصعب على موسكو استيعاب هذه المعادلة، على الرغم من معرفتها بانّ كلّ الوعود التي حصلت عليها من النظام كانت مجرّد وعود زائفة.

 

تبقى حقيقة ثابتة وحيدة في سوريا. تتمثّل هذه الحقيقة في ان الإدارة الاميركية جدّية في ممارسة ضغوط على ايران من اجل تغيير سلوكها. شملت هذه الضغوط الوجود الايراني في الأراضي السورية من جهة ومحاصرة النظام السوري اقتصاديا من جهة اخرى. ليست اميركا وحدها التي لا يمكن ان تقبل بالوجود الايراني في سوريا. هناك إسرائيل أيضا التي يبدو انّها قررت إعطاء موسكو كلّ ما تحتاجه من وقت لاقناع النظام باتخاذ قرار مستحيل هو فكّ الارتباط بايران.

 

في انتظار تأكد روسيا من انّ لا مجال لايّ ابتعاد للنظام االسوري عن ايران، ليس ما يمنع استمرار البحث عن رفات لجنود اسرائيليين آخرين او عن رفات الجاسوس ايلي كوهين، ما دام المطلوب تحقيقه يتحقّق. المطلوب تفتيت سوريا التي عرفناها وتكريس الوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل. ثمّة حاجة الى اقناع النظام السوري بكذبة كبيرة صدّقها في الماضي وما زال يصدّقها. تقول هذه الكذبة انّه لا يزال لديه امل بانقاذ نفسه وان تسليم الجولان لإسرائيل في العام 1967 لا يزال ورقة صالحة للاستخدام!