IMLebanon

عاصفة تجتاح المنطقة منذ سنوات وتطرح التغيير في الأساليب

أزمات السلطة تتفاقم بين أهل النظام

وآثار سايكس بيكو ظاهرة في المواقف

العاصفة التي هبّت على مواقع الحكم أخيرا، اجتاحت السلطة بكل مفاصلها، لكن المسألة الأساسية، هي ادراك الجميع بضرورة التفسير القائل، ان التنوّع في مواقع رؤساء السلطة قدر أساسي لا يجوز نكرانه.

وما كان يحدث في أيام الوصاية السورية، لا يجوز ان يتكرّر في زمان السلطة اللبنانية.

ومن حق كل موقع ان يحتفظ بقراره. وفي النقاش والحوار تحلّ العقد والمشاكل.

عندما ارتضت الوصاية السورية على لبنان الاشراف على البلاد، بعد مؤتمر الطائف واغتيال الرئيس اللبناني الأول بعد الاتفاق المغفور له رنيه معوّض، وانتخاب المغفور له الياس الهراوي مكانه، خلال ٢٤ ساعة ودخول الرئيس العراقي صدام حسين الى الكويت، أدرك الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، انه أصبح ملك اللعبة على الساحة اللبنانية، معطوفة على الساحة العربية، على الرغم من انه من غير طائفة الملوك، لكنه مارس دور الملك على السياسة والسياسيين في لبنان.

يومئذ جمع الرئيس رنيه معوّض حقائبه في اهدن، وهمّ بالتوجه الى العاصمة اللبنانية. وقبل مغادرته قصره، طلب من أقرب مساعديه الاتصال فورا بالرئيس سليمان فرنجيه الذي كان يتناول الغداء في قصره الزغرتاوي. وبادره بأنه أحبّ ان يودّعه قبل انتقاله الى بيروت، لكن الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية، تمنّى على الرئيس الجديد للجمهورية، البقاء في إهدن، على ان يستدعي مَن يشاء الى قصره الاهدني، لكن القرار بالذهاب الى بيروت قد اتخذ، للاقامة في قصر الرئيس الراحل رفيق الحريري في الرملة البيضاء.

كان الرئيس رينه معوّض يريد الاحتفال بعيد الاستقلال في القصر الحكومي مع رئيس مجلس النواب يومئذ السيد حسين الحسيني، ومع رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص. قبل عيد الاستقلال لاحظ زوّار الرئيس معوّض القلق باديا على وجهه، وانه كان لا يستقرّ في جلساته في موقع واحد. بل كان ينتقل من موقع الى موقع آخر، وهذا ما أثار استغراب أحد زوّاره من خارج البلاد.

 

وفي يوم عيد الاستقلال، ودّع الرئيس رنيه معوّض رفيقيه حسين الحسيني وسليم الحص، وتوجه من القصر الحكومي مقر وزارة الداخلية الآن، في جوار وزارة الاعلام، وتوجّه الى الرملة البيضاء. وما كاد يصل موكبه الى محلّة عائشة بكّار حتى وقع الانفجار الذي أدى الى مقتله مع بعض مرافقيه تجاه وزارة الاعلام.

رحل الرئيس رنيه معوّض في يوم الاستقلال الحزين، وانتقلت البلاد من عهد انتخب رئيسه في مطار القليعات الى عهد جرى انتخابه على عجل في البقاع وفي شتورا بارك أوتيل.

وبعد أيام جرت أولى الانتخابات النيابية في الشمال، ثم في المناطق اللبنانية الأخرى، وكان لكل محافظة تقسيم انتخابي مغاير للآخر. انطلاقا من الشمال الذي جعل المشرفون على العمليات الانتخابية، لكل محافظة تقسيما انتخابيا، وكان الشمال دائرة واحدة مؤلفة على أساس ٢٨ نائبا.

عندما التأم شمل المرشحين، لم يكن كثيرون يعرفون بعضهم بعضا، وكأنهم أحبّوا تجديد الطبقة السياسية، وهذا الأمر لم يكن سائدا في المحافظات الأخرى.

ومنذ ذلك الحين تغيّر وجه لبنان السياسي، وعرف اللبنانيون انتخابات لم يألفوها سابقا، حتى ان المرشحين للنيابة لم يعرفوا بعضهم بعضا، وكان لكل محافظة وجوه جديدة، ودوائر انتخابية غير معهودة، وكأن لبنان أصبح على أبواب سايكس بيكو جديدة، قبل سنوات قليلة من ذكرى قيام ذلك الاتفاق الدولي الذي اشترك في صنعه الاستعمار البريطاني مع توأمه الاستعمار الفرنسي. لقد حدث ذلك، بعد اتفاق الطائف الذي امتعضت منه سوريا، ثم عهد اليها أو عهدت نفسها بتطبيقه كما يحلو لها وتريد، بعدما أرادها العرب والعالم القوة الجاهزة عسكريا لطرد العراق من الكويت.

بعد اعادة اطلاق بيت المستقبل في العام ٢٠١٦، حرص الرئيس السابق للجمهورية الشيخ أمين الجميّل على التذكير باتفاقية سايكس بيكو قبل حلول مئويتها، ومع اشتعال الحرب في سوريا، والعمل على تقويم أدوار روسيا وايران في مسارها.

ويقول الرئيس أمين الجميّل ان آفاق ٢٠١٦ تعرّضت لمشكلة من أقسى ما يواجه لبنان من جراء الحرب على حدوده الشرقية والشمالية، كما مشكلة الارهاب والفكر المتطرّف المستشري وطرق وقاية الشباب منه.

وكان من آراء الرئيس الجميّل ان انتخابات الرئاسة الأميركية خلال العام ٢٠١٦. كانت ورقة سياسية جاءت في سياق الأوراق التي تتناول القضايا الشائكة في لبنان والمنطقة. وحرص الرئيس الجميّل على أن يخصّ آفة الفساد بحلقة حول الشفافية والمساءلة بأجزاء هامّة في سبيل البحث عن دولة القانون في سبيل حكومة عصرية تحقق التنمية الاجتماعية الشاملة.

وهذا ما ينطبق الآن على الأزمة الناشئة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ويقف الرئيس سعد الحريري بينهما، وكأنه المؤتمن الذي لا بد منه لصناعة لبنان الجديد، الذي لم يصنعه والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي يرجى الكثير منه، اذا ما تيسّر له انعقاد باريس ٣ و٤، فيحقق ما عجز عنه والده بسبب الاغتيال، والذي قد يكون عنوان الحقبة المقبلة.

ويقول النائب غسان مخيبر ان نشاط المجلس النيابي في مجال مكافحة الفساد هو جزء لمشروع مكافحة الدولة، معتبرا ان الفساد في لبنان بنيوي وأسوأ مظاهره الزبائنية، وانه جريمة وحلّه يكون بمعادلة بسيطة، أي ان نجعل كلفة الفساد على الفاسد وان التحدّي الذي نواجهه من شقين: الأول تعزيز البنية المؤسساتية لحق الوصول الى المعلومات والمحاسبة، وهي اليوم غير فعّالة. وثانيا بناء تحالفات واسعة لانشاء ما يُسمّى تحالف النزهاء من مختلف الجهات الفاعلة لاستعمال هذه الوسائل.

ويشذّد النائب مخيبر على ان مكافحة الفساد تتطلب أولا وجود الارادة السياسية يليها التشريع، وقال لرعيل المفكرين في سايكس بيكو ان التأكيد على ضرورة البدء من البيت الداخلي لمجلس النواب بهدف تعزيز دوره الرقابي وكشف انه منذ اتفاق الطائف حتى اليوم لم يعقد جلسات كافية لمساءلة الحكومة، داعيا الى قوانين أخرى كقانون الاثراء غير المشروع.

ووجه الرئيس الجميّل سؤالا الى مخيبر: الى أي حدّ يمكن ان نتوسم خيرا بأن يلتقي العهد الجديد مع التوقعات والأحلام التي طرحت في خلال هذه الندوة؟.

وأجاب مخيبر: نحن في دولة فاسدة حتى العظم. نتوسم خيرا في هذا العهد لا سيما ان الرئيس الجديد تعهّد في خطاب القسم بانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والعمل على اصدار القوانين في هذا المجال. وذكر أن صياغة القوانين الجيدة تحتاج الى وقت طويل، مضيفا انه لا يكفي ان ننشر الغسيل الوسخ، ولا سيما في ظلّ شيوع الزبائنية، فنحن نعرف شبكة الفاسدين. ولكن التحدّي في ان نفعل شيئا لمحاسبتهم، فالفعالية في آليات الرقابة والمحاسبة هي اليوم المرتجى لأنها بوضعها الحالي غير فعّالة. وتابع انه ادراكا لخصوصية مكافحة الفساد في القطاعات، أنشئت شبكات مع المنظمات المسؤولة عن هذه القطاعات.

إلاّ أن النائب سامي الجميّل تساءل عن كيفية اعتبار اتفاقية سايكس بيكو جيّدة في الوقت الذي جمعت فيه شعوبا عدّة لا رابط بينها في دول وشرّدت آخرين.

مئوية سايكس بيكو

لقد وقّعت اتفاقية سايكس بيكو في ١٦ أيار ١٩١٦ بين فرنسا وبريطانيا بموافقة روسيا القيصرية لتقاسم النفوذ على مناطق آسيا الغربية التي كانت واقعة ضمن السلطنة العثمانية.

على المستوى الاستراتيجي تفرض الأزمات الراهنة التي تشهدها المنطقة، اعادة النظر في العديد من المسلمات التي طوت القرن الماضي. من هنا تبرز الحاجة الى التفكير في سيناريوهات ممكنة لمستقبل هذه المنطقة. إلاّ أن أهمية سايكس بيكو تكمن في ما تطرحه للمستقبل من حلول.

وهذا ما جعل المفكر الكوراني بول ايلي سالم يقول ان السؤال المطروح حول اتفاقية سايكس بيكو جديدة للمنطقة سؤال خبيث الأهداف، ليس فقط للأسباب السلبية لهذه الاتفاقية، بل لكونه يطرح امكان قيام أوطان جديدة.

وأضاف: اننا لا شك أمام تغييرات كبيرة تشابه في أهميتها ما جرى بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. فعندما نتكلم عن اتفاق جديد، لا نعني بالضرورة سايكس بيكو جديدة ولكن أي حلّ أو مخرج من هذه الحروب يمكن ان نتطلع اليه. واعتبر أننا لسنا أمام اتفاقية جديدة لسببين، أولا ما زلنا بمرحلة تراجع النظام السياسي الذي قام بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي شهدت بداية مشاوير جديدة. كان يمكن للربيع العربي ان يشكّل لحظة تاريخية مشابهة ويؤدي الى خلق مجتمع وفكر سياسي جديد ولكن للأسف باستثناء تونس، ولد هذا الطفل ميتا والمنظومة السلطوية لم تنهر وما زالت قائمة على حساب الكثير من الدم والنخبّط. وتابع اننا اليوم في بداية حرب اقليمية بامتياز طويلة ومفتوحة لسنوات وربما لعقود. نحن أمام سيناريو الأرجح ان يكون نوعا من توازن سلبي وقاتل، واذا كانت تجربة سايكس بيكو نتجت عن طرفين فقط وكانا حلفاء، فنحن اليوم نتكلم عن ما لا يقلّ عن ثمانية أو عشرة أطراف أساسية معنية بأحداث المنطقة وهي على خصام، ولذا أي محاولة لايجاد حلّ ستكون أصعب بكثير.

في السابق، كانت قوى دولية تتحكّم وتتصرّف بمنطق دول، ولكننا اليوم أمام قوى دولية وقوى اقليمية نافذة والمزيج المتحكّم أصبح أكثر نعقيدا. هناك دول لا تتصرّف بمنطق الدول، وأخرى تتصرّف بمنطق الدول ولكن لا تحترم سيادة الغير ومجموعات مسلحة تدعي انها دول وأخرى لا تدعي ذلك ولكنها بقوة الدول. في تجربة سايكس بيكو، تمّ تفويض ديبلوماسيين للاتفاق على تسوية ما بعد الحرب. اليوم لا وجود لديبلوماسية اقليمية لها أي وزن وأهمية، ولا يوجد أي تفكير ديبلوماسي في العواصم الدولية والاقليمية لمرحلة ما بعد الحروب.

ويطرح البروفيسور في جامعة شير بروك في كندا سامي عون السؤال الآتي: ماذا لو لم يكن سايكس بيكو ويجيب:

انه سؤال استفزازي. وقد يكون أيضا مناسبة لننظر في حيثيات ومفاصل صناعة القرار في ذلك الوقت. سبق ان أشار الرئيس أمين الجميّل وأيضا بعض المحاضرين الى انه يجب النظر الى اتفاقية سايكس بيكو في مجملها كظاهرة جامعة بعشيتها وغداتها وملحقاتها. هل يمكن ان نتصور واقعا جديدا دون اتفاقية سايكس بيكو وما تبعها وما سبقها؟. ونطرح أيضا سؤالا آخر قد يكون مصطنعا ولكنه واجب الوجود.

أولا بالنسبة الى الاستشراق: هل هناك استشراق آخر ممكن ان ينظر الى المنطقة بعيون مختلفة أكثر موصوعية أم ان هذا الاستشراق المعكوس غير ممكن؟ هل هناك استشراق معكوس استرجاعي لهذه المنطقة لنقرأ فيه واقعا مختلفا نتمناه ونرجوه؟ والأسئلة موجّهة الى فئتين وبغض النظر عن الطرائف حول الموضوع نحن نعرف ان مارك سايكس لم يكن له نظرة محترمة الى شعوب هذه المنطقة ليس لأنها لا تلعب الكريكت ولكن أيضا لأنه كان ينظر باستعلاء الى هذه المنطقة والطائفة اليهودية كانت من ضمن أحكامه المسبقة حول الموضوع. فرانسوا جورج بيكو كان له بالمقابل نظرة أكثر تفصيلية من سايكس حول توسيع مناطق النفوذ والكيانات التي ظهرت في ما بعد. سايكس وقّع بقلم الرصاص كما هو معروف أما بيكو فوقّع بالحبر الأسود. كان متيقّنا أكثر من عملية توزيع الغنائم وصدّ امكانية عودة الحرب بين فرنسا وبريطانيا.

وهذا السؤال موجه الى سؤال آخر: هل كان في الكواليس بدائل اخرى.

هل كانت عند طارحيه مشاريع عامة للالتفاف على ما هو اتجاهات ثابتة، بغض النظر عن ارادات دولية مثل فرنسا وبريطانيا؟

ويقول الكاتب البريطاني جيمس بار ان لاتفاقية سايكس بيكو أغراضا عامة ذات طابع استراتيجي ويوضح ان البريطانيين كانوا على دراية بأن اليهود كانوا يملكون نفوذا ماليا ضخما، فجاء سايكس بيكو للحصول على رضا اليهود عبر اعطائهم جزءا من فلسطين.

وأضاف: في ذلك الوقت، اغتنم السير هيربرت صموئيل فرصة التحدث عن أرض لليهود ووزع على الحكومة البريطانية مذكرة تفيد بأن على بريطانيا دعم القضية الصهيونية لأسباب استراتيجية وعاطفية، اضافة الى أن دولة يهودية في فلسطين تبعد الفرنسيين عن السويس. ودعم هذا المقترح سايكس ظنا منه ان بريطانيا ستحصل على ادارة فلسطين اذا حصل اليهود على دولتهم في تلك الأرض، ما جعله يوقّع اتفاقية سايكس بيكو بقلم رصاص لأنه اعتقد ان تلك المعاهدة لن تصمد.

قال يوري زينين انه لا يمكن عزل التاريخ المعاصر لشعوب منطقة الشرق الأوسط ومصائرها عن اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت حدودا مصطنعة للمنطقة. وأوضح انه في ما يخص منطق الانتداب، روسيا كانت رافضة دائما لهذا النظام الذي كان مفروضا على الدول العربية لذلك رفضت المشاركة ورفضت ان تكون احدى الدول المنتدبة.

ولفت الى ان هناك حاليا عدم رضى على اتفاقية سايكس بيكو من جهات عدة وعلى عداء، فتركيا مثلا تدّعي ان تلك الحدود مصطنعة وحرمت تركيا من تأثيرها في المنطقة الاسلامية، فيما يتوعّد تنظيم داعش بدفن اتفاقية سايكس بيكو. ورغم كل ذلك هناك تغيرات كثيرة حصلت في المنطقة. أولا ان مفهوم الهوية الوطنية وبناء الدولة اخترق البلاد العربية على كل المستويات، وثانيا التغيرات التي حصلت في القوى المسيطرة وفي المطامع الاقتصادية للدول. وأشار الى ان الصراعات في الشرق الأوسط تغيّرت وأصبح لها طابع مختلف عن السابق، كما ان أطرافا جديدة دخلت النزاعات مثل ايران وتركيا، ويعود ذلك الي عوامل عدة أبرزها تراجع الاقتصاد العالمي وتقلّب أسواق النفط والسلاح الذي يباع الي الخليج العربي والشرق الأوسط. وتوقع ان تتضافر كل تلك العوامل لترسم مستقبل المنطقة.

ماذا لو لم تكن سايكس بيكو؟

يجيب جوزيف ميلا ان محاولة رؤية التاريخ، من خلال الاتفاقية، انه عندما كان الشرق الأوسط يشهد تطور ما كان يشبه العصبيات، أي الشعور بالانتماء الى القوميات ومنها القومية العربية، كان أيضا في المنطقة شعور أساسي في بداية القرن العشرين بالخروج عن سلطة فرنسية أو بريطانية.

ويرفض مايلا تحمّل مسؤولية سايكس بيكو تقاسم السلطة والكيانات.