IMLebanon

الوصوليون  

 

في مجلس برئاسة مرجع روحي لبحث شؤون وطنية محدَّدة، كانت استراحة استمرت نحو ثلث ساعة طغى عليها جو «أنيس» حفل بإطلاق النكت على حال البلد، وتركزت بالذات على الوضع الانتخابي.

 

وعندما استؤنفت الجلسة قال المرجع الروحي  إنّه يريد أن يميل بالبحث الى الانتخابات النيابية المقبلة. وطرح سؤالاً على الحضور: هل تظنها ستُجرى في السادس من أيار المقبل؟ طبعاً تنوّع الجواب بتنوع الحضور وانتماءاتهم وقرب (أو بعد) كل منهم من مواقع القرار.

وأُعيد طرح السؤال على صاحبه فأجاب: في يقيني أنها ستُجرى، لأن أحداً  «لا يستطيع أن يحمل عبء وتداعيات إرجائها» التي ستكون ثقيلة جداً وباهظة الثمن. والتفت الى الصحافي الذي كان في المجلس وقال له: قرأت لك سابقاً إن إرجاء الانتخابات سيشكل مقتلاً للعهد، وأنا أويد هذا الرأي  بشكل قاطع.

وكان لافتاً قول المرجع: نحن امام جماعات من الوصوليين الذين يبدو أنهم من أتباع «نيكولو ميكاڤيلي» المفكر الفيلسوف السياسي الايطالي  الذي وضع في القرن السادس عشر كتاب «الأمير» وفيه نظريته الأثيرة التي لا تزال تشغل العالم منذ نحو 500  سنة، وهي «الغاية تبرّر الوسيلة»… ولا يزال الناس منقسمين حولها، بين مَن يعتبرها مرفوضة جملةً وتفصيلاً لأنها تتعارض مع سلّم القيم والأخلاق، وبين مَن يجد أنه لا بدّ منها لأن المرء في هذه الدنيا لا يعيش وسط الملائكة إنما في غابة من الذئاب بلباس البشر. إلا أنَّ الجميع يصفون من يعتمدون هذه النظرية  بأنهم «وصوليون». والتعبير في اللغات كلَّها يُعتبر سلبياً يُرمى به الذين  همهم الوصول بأي ثمن… ما يبرّر للوصولي الاستبداد والطغيان والفساد على أنواعه (…).

وفي الشرح للربط بين حالنا الانتخابية وقاعدة «الغاية تبرر الوسيلة»، قيل في المجلس إياه: انظروا الى الأحزاب كلها تقريباً، والقيادات والزعامات وأصحاب الحيثيات (…)

انظروا إلى مواقفهم الانتخابية وحراكهم واتصالاتهم وحتّى تصريحاتهم وأقوالهم من على المنابر لتكتشفوا حالاً غير مسبوقة (في لبنان على الأقل) في تاريخ الانتخابات النيابية بحيث يسمح هذا الطرف أن يكون حليفاً لطرف آخر في هذه الدائرة وخصماً له في الدائرة الثانية ونصف حليف في الدائرة الثالثة!…

وهذا ليس محصوراً بفريق دون سواه، بل ربّـما ينسحب على الاطراف كلّها من دون استثناء، الى حدّ أنه يصح القول إننا أمام «صندوق فرجة» بالصوت والصورة والأبعاد الثلاثة أيضاً. «صندوق فرجة» لا شبيه له على الاطلاق لا في قوانين الانتخابات على الأساس الأكثري ولا في النسبي ولا في الترشح الفردي: صوت واحد لمرشح واحد.

واذا كان مكياڤيلي نصح الأمير (وأي حاكم استبدادي ضمناً) انه في سبيل الوصول الى هدفه (غايته) يمكنه أن يلجأ الى الوسيلة  التي يريد، أياً كانت من دون قيد أو شرط، فإنّ السادة الكرام عندنا (أحزاباً وقيادات وزعامات وشخصيات و….) يمارسون علينا النظرية الوصولية بطبعهم وبخنوع  الناخبين، سواء أكان جماعاتنا ديكتاتوريين أم مجرد سياسيين وصوليين تفوقوا على  مكياڤيلي وإن كان معظمهم لم يسمع باسمه واسم كتابه «الأمير».