IMLebanon

الديار: «وداع» مهيب لبطريرك «الاستقلال الثاني» ورجل «المصالحة الوطنية»

لا نذر حرب… والمقاومة حاضرة في محادثات ساترفيلد في اسرائيل
حسم لارقام الموازنة اليوم وسط تفاؤل خليل «ومخاوف» الحريري 

كتب ابراهيم ناصرالدين

في مأتم «مهيب» ودع لبنان البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير بمشاركة رسمية وشعبية كبيرة، اوفت الراحل بعضا من حقه باعتباره رجل الاستقلال الثاني وبطريرك المصالحة الوطنية كما وصفه الكاردينال بشارة الراعي، وما تمناه وهو على قيد الحياة، تحقق بعد مماته من خلال الاجماع الوطني على السير وراء «نعشه» في بكركي، ويبقى ان من اتفق واختلف معه يجمعون على ان اللبنانيين خسروا رجلا جريئا وصريحا سواء اتفقت معه او اختلفت على قضايا «تكتيكية» او استراتيجية…

وفي بكركي ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مراسم صلاة دفن البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، بحضور سياسي وديبلوماسي كبير تقدمهم الرئيس ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، ووفود ديبلوماسية عربية وغربية في مقدمهم وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، وعدد كبير من النواب والوزراء وحشود شعبية، وفي عظته اكد الكاردينال الراعي ان الشهادات عن هذا البطريرك تجمع على أنه «خسارة وطنية». ورأى فيه الجميع بطريرك الإستقلال الثاني، والبطريرك الذي من حديد وقد من صخر، وبطريرك المصالحة الوطنية، والبطريرك الذي لا يتكرر، المناضل والمقاوم من دون سلاح وسيف وصاروخ، وصمام الأمان لبقاء الوطن، وضمانة لاستمرار الشعب. وأنه رجل الإصغاء، يتكلم قليلا ويتأمل كثيرا، ثم يحزم الأمر ويحسم الموقف. وكجبل لا تهزه ريح، أمديحا كانت أم تجريحا أم رفضا أم انتقادا لاذعا.. واضاف عندما انتخب بطريركا في نيسان 1986، وهو ما لم يطلب البطريركية ولا سعى إليها بل أعطيت له مع مجد لبنان، كان على أتم الإستعداد لحمل صليبها، بفضل ما اكتنزت شخصيته من روح رئاسي وراعوي وقيادي. لقد بنى خدمته البطريركية على أساس الصليب المتين. وكان مدركا أن عليه حمله ككل أسلافه البطاركة ليجعلوا من هذا الجبل اللبناني معقل إيمان، وكلمة حرية، وحصن كرامة، وقدس أقداس حقوق الإنسان. وراح للحال يعمل على إسقاط الحواجز النفسية ثم المادية، وشد أواصر الوحدة الوطنية وأجزاء الوطن، وإعادة بناء الدولة بالقضاء على سلطان الدويلات، وتعزيز العيش المشترك الذي كان يعتبره جوهر لبنان ورسالته الحضارية. ذلك أن لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يتساوى فيه المسلم والمسيحي على قاعدة الميثاق الوطني والدستور. ومنح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون البطريرك الراحل، الوشاح الاكبر من وسام الاستحقاق اللبناني تقديرا لما قدمه للبنان.. من جهته منح البابا فرنسيس، البركة الرسولية «لكل عائلة صفير وأقاربه وكل الاشخاص الذي رافقوه لسنيه الأخيرة ولكل الذين يشتركون في مراسيم هذه الجنازة» وفي كلمة ألقاها باسمه الكاردينال ليوناردو ساندري تقدم بالتعازي لأبناء الكنيسة المارونية «التي رعاها لسنين عديدة بكل وداعة وبكل حب، رجل حر شجاع، الكاردينال صفير قام برسالته بظروف مضطربة مدافعا غيورا عن سيادة واستقلال بلده وسيبقى وجها لامعا في تاريخ لبنان»..

اجواء تطمينية

في هذا الوقت تعود «عجلة» الموازنة للدوران اليوم حيث يفترض ان تستمر مناقشة «ورقة» وزير الخارجية جبران باسيل «الاصلاحية»، وكذلك البت نهائيا في بعض البنود «الشائكة» وفي مقدمها التباينات حول التدبير رقم 3الذي كان مدار بحث مساء في وزارة الدفاع بين الوزير الياس ابو صعب ووزيرة الداخلية ريا الحسن، في ظل توجه رئيس الحكومة لحسم النقاشات وحصرها في ضوء التقرير «الايجابي» الذي سيقدمه اليوم وزير المال علي حسن خليل حيال ارقام الموازنة بعد ادخال الاجراءات «التقشفية» عليها…

وفيما وصلت اجواء غربية «تطمينية» الى بيروت، حيال عدم «القلق» من «التهويل» الدائر في المنطقة، في ظل استبعاد نشوب حرب اميركية -ايرانية في ضوء معلومات عن «رسائل» اميركية الى طهران عبر «طرف ثالث» لتخفيض منسوب التوتر، بدأ مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ساترفيلد نقاشاته مع المسؤولين الاسرائيليين حول «الاجوبة» اللبنانية المرتبطة بملف ترسيم الحدود البحرية – والبرية – الجنوبية. وفيما توقعت مصادر معنية بهذا الملف ان يعود الديبلوماسي الاميركي باجوبة ايجابية مطلع الاسبوع المقبل، لفتت الى ان ساترفيلد كان يراهن عند وصوله الى بيروت على استمرار التباين في المواقف اللبنانية حيال تلازم مسار الترسيم على النقاط المختلف عليها في البحر والبر، لكنه اصطدم للمرة الاولى بموقف لبناني واحد عبر عنه رئيس الجمهورية ميشال عون خطيا وسلمه على نحو رسمي الى السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد التي ساهم تقريرها المرسل الى الخارجية الاميركية في تقديم موعد زيارة ساترفيلد الذي جاء مستوضحا موقف رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل اللذين «اوحيا» قبل فترة بقبولهما الفصل بين الترسيم بحرا وبرا، لكنه سمع منهما كلاما مغايرا ومتطابقا مع توجهات الرئيس عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ووفقا للمعلومات، لم يخف ساترفيلد «استياءه» الواضح من تبدل المواقف الرسمية اللبنانية، لكنه سمع من رئيس الحكومة كلاما صريحا حيال عدم قدرته على مواجهة «الاجماع الوطني» حيال هذا الملف، في ظل عدم رغبته بتحويل ازمة حدودية الى «مشروع» «مشكل» داخلي، كما سمع تبنيا كاملا في قصر بسترس لمضمون رسالة رئيس الجمهورية، دون تقديم اي شروحات اضافية حيال الموقف الجديد..

المقاومة «حاضرة»..

ولفتت تلك الاوساط، الى ان المقاومة كانت حاضرة «بقوة» على طاولة «النقاشات» مع المبعوث الاميركي الذي تحدث اكثر من مرة عن ضرورة تحييد هذا الملف عن اي صراع خارج الحدود اللبنانية، واشار الى ان لا نية لاسرائيل لافتعال مواجهة عسكرية على خلفية الخلاف على تلك النقاط الحدودية، لكنه طالب بالمقابل الحصول على ضمانات بان حزب الله لن يدخل على خط التصعيد بما «يعوق» التفاوض، واوحى بان الاسرائيليين ينتظرون منه اجوبة حيال هذا الموضوع، وقد سمع كلاما واضحا حيال التزام الحزب بما تقرره الدولة اللبنانية بهذا الخصوص، وذلك استنادا الى معرفة عميقة بكيفية مقاربة الحزب للموقف، وكذلك الى تصريحات علنية واضحة من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله..

العودة الى «العقلانية»؟

ووفقا لتلك الاوساط، يمكن القول ان واشنطن عادت الان الى ما يمكن تسميته «العقلانية» في تسوية هذا الملف، ومجرد القبول برعاية الامم المتحدة سيعني حكما «نزول عن شجرة» التصعيد، وهذا الامر تحقق بعد اشهر من المماطلة والضغوط، حيث هدد ساترفيلد في زيارته الاخيرة المسؤولين اللبنانيين بأخذ «العرض» الاميركي كما هو او رفضه، وتحمل عواقب ذلك، موحيا ان الاسرائيليين مستعدين للتصعيد، فكان انتظاره مجرد تضييع للوقت، واقتنعت واشنطن ان توازن الردع في لبنان يجعله غير قابل للابتزاز، خصوصا ان الديبلوماسي الاميركي سمع كلاما واضحا في تل ابيب بان الحكومة الاسرائيلية غير مستعدة للحرب، والان ينتظر الجانب اللبناني الجواب النهائي على طروحاته، ويبقى السؤال حيال موعد اقرار اسرائيل بالوصول الى الحائط المسدود، وهذا يرتبط بالتطورات الجارية في المنطقة..

الموازنة في امتارها الاخيرة..؟

وفيما رجحت مصادر وزارية الحاجة الى ثلاثة جلسات حكومية للانتهاء من اقرار الموازنة، أعلن وزير المال علي حسن خليل عشية تقديمه التقرير النهائي لارقام الوزارات والادارات بعد التخفيضات التي اقرت في مجلس الوزراء، أن مشروع الموازنة طبع بعدما أدخلت عليه التعديلات، مؤكدا تحقيق خفض كبير جدا في نسبة العجز وتجنب الخوض في الأرقام..

وبحسب الاوساط الوزارية «لامست» الارقام الهدف المحدد للعجز أي 8.5 في المئة، وذلك اذا ما تم انجاز تفاهم نهائي على الاجراءات المفترضة، ويمكن بالتالي الاستغناء عن التدابير المتعلقة بالرواتب بشطورها المنخفضة والعالية.. ووصف خليل لقاءه مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بانه «كان جيداً مؤكدا انه لا مشكلة في كل المستحقات وستتدفع كاملة في وقتها». وقد اكدت مصادر مطلعة بأن وزارة المال ستنفذ كالمعتاد تعاملات الصرف الأجنبي مع البنك المركزي لسداد مستحقات المستثمرين المتعلقة بسندات قيمتها 650 مليون دولار تستحق في 20 أيار الجاري.

الحريري والجلسة الحاسمة..

ووفقا لاوساط وزارية محسوبة على رئيس الحكومة ستكون جلسة اليوم محورية لجهة رسم الملامح النهائية للموازنة، وسيعمد الرئيس الحريري الى حصر النقاشات في بنود معينة لم يسبق البت بها وتثبيت ما تم الاتفاق عليه في الجلسات السابقة لعدم اعادة طرحها مجددا على النقاش كي لا يضيع المزيد من الوقت في ظل استعجال باريس لانجاز الاصلاحات الضرورية لانطلاق البحث في تطبيق مندرجات مؤتمر «سيدر»، لان ثمة قلق عند الحريري من محاولات البعض لتضييع الوقت والفرص، وهو اكد مساء انه لن يسمح بان تضيع الفرصة من اجل اصلاح الوضع الاقتصادي مؤكدا خلال افطار اتحاد جمعيات العائلات البيروتية انه في هذه الموازنة سنصل الى حلول مرضية للجميع..

ومن المقرر اليوم وفي ضوء ارقام وزير المال تثبيت الاتفاق على عدد من البنود، ومنها رفع الحسومات التقاعدية من 6 إلى 9 في المئة، تخفيض تدريجي لمساهمات الخزينة في صناديق التعاضد، وتحويل 35 في المئة من غرامات السير إلى الخزينة العامة، تخفيض بنسبة 15 في المئة على بند المدارس الخاصة المجانية، تخفيض مخصصات البنزين للعسكريين بنسبة 30 في المئة، وبعد إخضاع معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة لضريبة الدخل على الرواتب والاجور، سيعمد بعض الوزراء لاستيضاح وزير المال عما اذا كان هذا الاجراء يطال القطاع الخاص أيضاً، أي تعويضات نهاية الخدمة عبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

حسم الجدل حول التدبير رقم «3»..؟

ووفقا للمعلومات، يفترض ان يحسم الجدل اليوم حيال التدبير رقم 3 في ظل اصرار الرئيس سعد الحريري على مناقشة هذا الملف على الرغم من طلب وزير الدفاع الياس أبو صعب تأجيل البت بالأمر إلى الجلسة الختامية المقرر عقدها في القصر الجمهوري بعد عرض الامر على المجلس الاعلى للدفاع.. واشارت اوساط مطلعة الى ان الوزير ابو صعب تلقى الاجوبة المطلوبة من وزيرة الداخلية ريا الحسن خلال اللقاء المسائي الذي عقد امس في وزارة الدفاع بحضور رئيس الاركان في الجيش اللواء امين العرم والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان وعدد من عمداء الجيش وقوى الامن الداخلي، وذلك لتوحيد الموقف في الجلسة اليوم، وقد اطلع منها على مقاربتها للتخفيضات في المؤسسات الامنية التابعة لها، بعدما انهت المؤسسة العسكرية تحقيق تخفيض كبير في موازنتها بنحو 442مليار ليرة، وهي تخفيضات مرتبطة بخطط التطوير، والدورات التدربية، والمشتقات النفطية، وغيرها من التدابير غير المرتبطة بالتدبير رقم 3 .

تباين داخل «البيت الواحد»

وقد تكثفت الاتصالات في الساعات القليلة الماضية للحد من التباين الواضح بين موقفي وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الدفاع حيال هذا البند، خصوصا ان الاخير يصر على طرح مصير التدبير على المجلس الاعلى للدفاع كي يصدر توصياته لمجلس الوزراء، كان باسيل حاسما لجهة اصراره على ان يشمل التدبير رقم 3 فقط العسكريين المنتشرين على الحدود، على ان تكون القوى الامنية المولجة بالمهام الامنية في الداخل ضمن التدبير رقم2 اما البقية فيشملهم التدبير رقم واحد.. ومن المقرر اليوم البت بعدد من المسائل العالقة ومنها التدابير الاستثنائية في الاسلاك العسكرية والأمنية التي ستنعكس تخفيضاً كبيراً في تعويضات نهاية الخدمة للعسكريين، وسيجري أيضاً نقاش زيادة سنوات الخدمة قبل التقاعد، لا سيما للعسكريين، وكذلك تخفيض عدد أيام الاجازة الاسبوعية من 20 يوما إلى 15، وتخفيض المساهمات في صناديق التعاضد وتوحيد التقديمات الاجتماعية، وفصل التعليم العام عن الخاص..

اضراب.. وتهديد

وعلى وقع استمرار النقاشات في الحكومة أعلنت «رابطة موظفي الإدارة العامة» الإضراب العام اليوم في الإدارات العامة كافة، تعبيراً عن رفضها «لسياسة قضم الحقوق»، واشارت الى ان هذا التحرك ياتي في ضوء الأجواء السائدة وغير المطمئنة لجهة النقاش حول مشروع الموازنة، وما يتردد من معلومات حول اتجاه للمساس برواتب الموظفين ومستحقاتهم ومحسوماتهم التقاعدية ودوامهم وحقوقهم المكتسبة، وبناء على ما سيصدر في مجلس الوزراء اليوم سيصدر قرار تصعيد التحركات وصولا الى الاضراب المفتوح. } الدعم الاميركي للجيش مستمر.. }

في غضون ذلك تبلغ قائد الجيش العماد جوزاف عون في واشنطن استمرار الدعم الاميركي للجيش اللبناني، وعدم اللجوء الى تخفيض موازنة المساعدات المقدمة من قبل البنتاغون للمؤسسة العسكرية، وكان قائد الجيش التقى على هامش الاجتماع السنوي لتقييم المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب جايمس ريش، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب جان شاهين، كما التقى مع مسؤول لجنة الاعتمادات العسكرية المنبثقة من وزارة الخارجية في الكونغرس هارولد روجرز الذي اكد أنه يسعى لاستمرار الدعم الأميركي للجيش، ثم مع السيناتور من أصل لبناني دارين لحود الذي تطرق إلى الوضع العام في المنطقة وتداعياته على لبنان وبخاصة النازحين السوريين، مشددا على «دور الجيش في المحافظة على الاستقرار الداخلي». أما عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس آدم كينسينغر فاكد لقائد الجيش أن «بلاده قد تلجأ إلى تخفيض موازنات بعض الجيوش التي تدعمها، باستثناء الجيش اللبناني، لاقتناعها بضرورة استمرار دعمه حفاظاً على الأمن والاستقرار في لبنان».

.. وارتياح «مصرفي»

في هذا الوقت اكدت مصادر مطلعة ان وفد جمعية المصارف عاد «مرتاحا» من الولايات المتحدة، بعدما سمع من المسؤولين الاميركيين اشادات واضحة من دور القطاع المصرفي اللبناني في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتقيّده بالقوانين والأنظمة وسمع كلاما مطمئنا حيال عدم وجود اي قرارات سلبية مرتقبة على القطاع المصرفي اللبناني…