IMLebanon

مسودّة حكومة أديب اليوم في بعبدا.. حكومة اختصاصيين مُستقّلة عن الأحزاب

 

الثنائي الشيعي والتيار لن يُشاركا في الحكومة.. ومخاوف من عدم قدرتها على العمل

الحكومة العتيدة بحاجة الى مواكبة دولية لتعبر برّ الإصلاحات الإقتصادية.. الكثيرة

من المتوقّع أن يقوم اليوم الرئيس المكلّف مصطفى أديب بزيارة إلى قصر بعبدا لتقديم التشكيلة الحكومية إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. هذه التشكيلة التي حافظت على سرّيتها منذ التكليف، تتميّز أيضًا بعدد من الصفات الإيجابية والتي قد تكون عائقًا أمامها للحصول على موافقة رئيس الجمهورية، وثقة المجلس النيابي، والقيام بالإصلاحات اللازمة.

 

لوائح كثيرة لأسماء تم نشرها على مواقع التواصل الإجتماعي على أنها التشكيلة الحكومية، إلا أن كل هذه اللوائح ما كانت إلا نتاج بعض المستوزرين الذي أرادوا وضع إسمائهم بالتداول أو حرق أسماء أشخاص آخرين. الرئيس أديب حافظ وبشكل شبه تام على أسماء الوزراء الذين إختارهم بمعزل عن أراء القوى السياسية التي قامت بتسميته وهو ما قد يكون شبه نادر في حياة لبنان السياسية منذ إنسحاب الجيش السوري في العام 2005.

 

حكومة من دون حزبيين!

 

عقدة الحكومة الأخيرة كانت حول وزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة والتي إستدعت إتصالا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس مجلس النواب نبيه برّي من دون نتيجة إيجابية. وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس المجلس بيانا جاء فيه أن «المشكلة ليست مع الفرنسيين المشكلة داخلية ومن الداخل» محمّلا البعض مسؤولية الإستقواء بالخارج وعدم إجراء مشاورات مع القوى السياسية بحجّة حكومة إختصاص من دون ولاء حزبي أو نيابي. وأضاف البيان «لذا ابلغنا رئيس الحكومة المكلف من عندياتنا ومن تلقائنا عدم رغبتنا بالمشاركة على هذه الاسس في الحكومة، وابلغناه استعدادنا للتعاون الى اقصى الحدود في كل ما يلزم لإستقرار لبنان وماليته والقيام بالاصلاحات وانقاذ اقتصاده».

 

وكانت قد خرجت إلى العلن البارحة معلومات تقول أن الثنائي الشيعي لن يُشارك بحكومة الرئيس أديب إذ لم يُسمّ وزرائها الشيعة وإذا لم تكن وزارة المال من حصّة الثنائي. وهذا يعني أنه من المحتمل أن تواجه هذه الحكومة صعوبات لاحقا إن على صعيد الثقة أو على صعيد الإصلاحات الإقتصادية والتي تتطلب الكثير من القوانين التي لن تمرّ من دون رضى سيّد المجلس.

 

وكان النائب هادي حبيش قدّ صرّح سابقا أن تيار المستقبل لن يُشارك في هذه الحكومة، وكذلك فعلت القوات اللبنانية والحزب الإشتراكي. وإذا كانت خلفيات عدم المشاركة في الحكومة تختلف في الجوهر والشكل عن خلفيات عدم مشاركة الثنائي الشيعي، إلا أن الأكيد أن هذه الأحزاب ستكون عنصر الدعّم الأساسي لحكومة الرئيس مصطفى أديب.

 

من جهته قال رئيس التيار الوطني الحر في معرض مؤتمره الصحفي البارحة، أن التيار غير مهتم بالمشاركة بالحكومة وسيُقدّم كل التسهيلات لعملها. إلا أن بعض المراقبين شكّكوا في نوايا التيار تسهيل عمل الحكومة خصوصا إذا ما كانت الإصلاحات التي ستقوم بها هذه الحكومة ستؤدّي إلى الإطاحة بخطّة الكهرباء التي جهد التيار في العمل على إقرارها وتطبيقها.

 

الطابة في ملعب الرئيس.. ورئيس المجلس

 

قطوعان أمام حكومة الرئيس مصطفى أديب، الأول عند رئيس الجمهورية ميشال عون والذي يملك خيارين: الأول، رفض التشكيلة بهدف الحصول على الثلث الضامن وهو ما قدّ يؤدّي إلى إعتكاف الرئيس المكلّف وهذا الأمر سيكون مُكلفا شعبيا ودولياً على الرئيس عون.

 

غير ان المعلومات تفيد ان رئيس الجمهورية ميشال عون قرر تسهيل تشكيل الحكومة. وانه سيوقع على المرسوم بناء على الاتفاق بينه وبين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، اضافة الى نيّة الرئيس عون بانقاذ الاقتصاد الوطني من الازمة التي يعاني منها، وتضيف المعلومات ان عون بخطوته هذه، يكون قد رمى الطابة في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه بري.

 

ذهاب الحكومة إلى جلسة الثقة محفوف بمخاطر كثيرة! فالثنائي الشيعي والتيار الوطني الحرّ اللذين يمتلكان مع حلفائهما الأكثرية النيابية، لن يوقّعوا على شيك على بياض للرئيس أديب خصوصا أن هذا الأخير يحظى بدعم دولي وبالتالي يتوجّب عليه تقديم ضمانات خصوصا من باب البيان الوزاري الذي سيأخذ أهمّية كبرى هذه المرّة مع التغلّغل الدولي المتزايد في الشؤون اللبنانية وإستحالة إعطاء غطاء للمقاومة من خلال الثلاثية الذهبية.

 

عظة نارية للبطريرك الراعي

 

من جهته أطلق البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظة البارحة بمناسبة أربعين شهداء إنفجار بيروت، أقلّ ما يُقال عنها أنها كانت نارية وتحوي على مواقف من الصعب التغاضي عنها! فالبطريرك الراعي شكّك بالتحقيق المحلّي بإنفجار المرفأ وطالب من جديد بتحقيق دولي نظرا إلى إنحلال الدولة وإهمال المسؤولين وتضارب المعلومات.

 

البطريرك إستخدم في عظته المدروسة بشكل دقيق منطقاً معيناً خدم هدف العظة إذ قال أن ما حصل في مرفأ بيروت هو جريمة ضدّ الإنسانية وبالتالي من واجب الأمم المتحدة أن تفرض تحقيقاً دولياً مُشدّدا على طرحه بالحياد الناشط الذي إعتبره ضرورة للبيئة المشرقية.

 

كما هاجم البطريرك المنظومة السياسية من خلال قوله أن سبب تعثّر تشكيل حكومة مُصغّرة ومستقلّة يعود إلى منظومة سياسية غارقة في وباء «الأنانية والفساد المالي والمحاصصة على حساب المال العام». وبالتالي رسم الخطوط العريضة للحكومة من خلال قوله «لا يُمكن القبول بحكومة على شاكلة سابقاتها التي أوصلت الدولة إلى ما هي عليه من إنهيار…»!

 

ملفات شائكة بإنتظار الحكومة

 

من المتوقّع أن ينتظر الحكومة ملفات إقتصادية ومالية ونقدية وإدارية شائكة بالإضافة إلى مكافحة الفساد. هذه الملفات تُعتبر أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي ولا ينفك يُذكّر أن أي مساعدة مالية بما فيها المساعدات الإنسانية مرهونة شكلا ومضمونا بالإصلاحات التي ستقوم بها الحكومة العتيدة. هذه الإصلاحات ستواجه حكمًا مقاومة من عدّة جهات هي القوى السياسية التي لها مصالح، القطاع الخاص الذي يُغذّي هذا الفساد، والموظفون في القطاع العام أنفسهم نظرًا إلى إنتمائهم الحزبي.

 

الورقة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسمت الخطوط العريضة للإصلاحات المطلوبة من الحكومة العتيدة. هذه الورقة تنقسم إلى أربعة محاور: جائحة كورونا، تداعيات إنفجار 4 آب، الإصلاحات، والإنتخابات. وبالتالي أي مساعدة مالية أو حتى إنسانية ستُصبح رهينة تنفيذ الإصلاحات في هذه الورقة.

 

لكن النقاط الساخنة تبقى من دون أدنى شكّ التي لها علاقة بالمواطن وبالتحديد رفع الدعم وجائحة كورونا. فرفع الدعم عن السلع والمواد الغذائية والمواد الأساسية أصبح يُشكّل كابوسًا على اللبناني حتى قبل الوصول إلى رفع الدعم. وإذا كان مصرف لبنان إقترح بطاقة تموينية يدعم من خلالها شراء هذه السلع والمواد، إلا أن القرار الأخير يبقى للحكومة العتيدة التي ستواجه تحدّيات تطبيقية خصوصًا أن الفساد المستشري سيؤدّي حكمًا إلى أضرار على الأكثر فقرًا على مثال ما حصل في الحكومة السابقة التي قرّرت توزيع 400 ألف ليرة على العائلات الفقيرة، فإذا بالأموات يأخذون المساعدات والفقراء محرومون منها!

 

عمليا دعم المواد الأساسية أي المحروقات، القمح والأدوية هو أساسي. إلا أننا لا نعلم لأي سبب من الأسباب قام وزير الإقتصاد والتجارة بوضع سلّة غذائية فضفاضة قسم كبير منها ليست من إستهلاك الفقير! من هذا المنطلق على وزير الإقتصاد والتجارة الجديد إعادة حصر هذه السلّة بالإستهلاك الأساسي للفقراء بإنتظار إجراء إصلاحات شاملة تسمح بإدخال العملة الصعبة إلى لبنان.

 

ومن المتوقّع أن يتمّ رفع الدعم عن الكهرباء في المرحلة الأولى على الشطور العالية كما سيتمّ إعادة تقديم مشروع قانون ضريبي تصاعدي يكون أكثر عدالة مع التشدّد في تطبيقه.

 

أمّا على الصعيد النقدي، فمن المتوقّع أن تعمد الحكومة إلى التعاون أكثر مع المصرف المركزي مما يسمح بتسهيل عمل التدقيق المالي في المصرف خصوصا أن لا غياب للكيمياء بين الرئيس المكلّف مصطفى أديب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة كما كانت الأمور بين سلامة ودياب. أيضا هناك تحدّ آخر وهو كيفية إعادة الثقة إلى القطاع المصرفي لكي يتمكّن هذا الأخير من زيادة رأسماله وتأمين السيولة المطلوبة في التعاميم. كما من المتوقّع أن تعمد الحكومة إلى تقديم خطّة مالية لمعرفة كيفية إعادة أموال المصارف إلى المصارف وبالتالي إلى المودعين. وبحسب توقّعاتنا من المفروض أن لا يكون هناك هيركت على الودائع بل على سندات الخزينة بالدولار الأميركي وبنسبة ضئيلة وليس 70 % كما ورد في خطّة الحكومة المستقيلة.

 

وعلى صعيد جائحة كورونا، يبقى التحدّي الأكبر في السيطرة على تفشي هذا الوباء خصوصًا أننا دخلنا موسم الأنفلونزا وبالتالي لن يكون من السهل التمييز بينها وبين الكورونا مما يُصعّب النشاط الإقتصادي ولكن أيضا النشاط التربوي الذي تُرجّح المصادر المختصّة أن يكون العام التربوي المقبل من خلال «الأونلاين».

 

مواكبة دولية

 

هذه الإصلاحات بحاجة إلى مواكبة دولية بدون أدنى شكّ وذلك على مستويين : الأول مالي ويتمثّل بضخّ السيولة سواءً في مالية الدولة أو في المشاريع الإقتصادية، والثاني ضغط على القوى السياسية التي قد تعارض أو تُعرقل إقرار القوانين المتعلّقة بالإصلاح المالي والإقتصادي وهي عديدة بدءا من الكابيتال كونترول وصولا إلى إستقلالية القضاء مرورا بالضرائب وإصلاح القطاع العام وإقفال المؤسسات غير المجدية وإقرار قطوعات الحساب… وغيرها من الملفات التي ستواجه تعقيدات فعلية لحظة إصلاحها من قبل الحكومة.