IMLebanon

القضاء يتحرّك لملاحقة مُتعهّدي الأشغال والمتسبّبين بكوارث الفيضانات

 

الحكومة عالقة بالثلث المعطل والوطني الحرّ يتمسّك به بحجة عدم عرقلة العهد

بولا مراد

صحيح أن عاصفة الطبيعة التي انحسرت أمس، خلّفت كوارث وأضراراً فاقت التوقعات، لكنها فضحت كوارث الفساد في أشغال البنى التحتية التي كلّفت خزينة الدولة أموالاً طائلة، بدءاً من الطرقات الرئيسية الى الجسور وأقنية الصرف الصحي، وصولاً الى مجاري الأنهار، التي فاقمت مآسي اللبنانيين والنازحين السوريين جرّاء هذه العاصفة، حيث وضع القضاء يده عليها لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصّرين أياً كانوا، وعلمت «الديار» أن النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، بدأ تحقيقاته منذ صباح أمس حيث استجوب المسؤولين في الشركة المتعهدّة أعمال اوتوستراد ضبية، ورئيس لجنة الأشغال في بلدية الشويفات بخصوص الفيضانات التي حصلت في نهر الغدير، وحدد مواعيد لاستجواب عدد كبير من متعهّدي في أعمال وترميم وتزفيت الطرقات والجسور التي شهدت عمليات خسف وانهيارات جراء المياه.

عاصفة الأمطار والثلوج التي رحلت ظهر أمس، لم ترحل معها العاصفة السياسية المستمرّة منذ ثمانية أشهر، بفعل عجز القوى السياسية عن تأليف حكومة جديدة، قادرة على تحمّل المسؤولية، ووقف الانهيار الذي يتهدد البلاد، وتحدّ من معاناة الشباب اللبناني الباحث عن الهجرة الى بلاد تحقق له الحياة الكريمة.

ولم تسجّل الأيام الماضية أي تقدّم في الملفّ الحكومي، الذي بات عالقاً في شباك الثلث المعطل أو «الثلث الضامن» الذي يصرّ رئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل على الاستئثار به، أياً كانت الصيغة الحكومية سواء كانت مصغّرة أو موسعة. وفيما لم تخف مصادر التيار الوطني الحرّ أن هذا الشرط هو من المسلمات الثابتة لتشكيل الحكومة، أكدت لـ «الديار» أن الوزير باسيل «لا يسعى الى ثلث معطّل، بل يبحث عن عدالة التمثيل وأن يأخذ حقّه وفق حجمه النيابي الطبيعي الذي كرّسته انتخابات حصلت للمرة الأولى على قاعدة النسبية، وبعيدة عن المحادل والبوسطات».

وشددت مصادر الوطني الحرّ على ان باسيل «لم يتلق بعد أجوبة من الرئيس المكلّف سعد الحريري على الاقتراحات التي سلّمه إياها مؤخراً». وسألت «هل يعقل أن يتحمّل الوزير باسيل مسؤولية تأخير ولادة الحكومة، علماً أنه الوحيد الذي يقدّم الاقتراحات والمبادرات»؟

وفيما بات الثلث المعطل قطبة غامضة، تخفي وراءها كلّ أسباب التعطيل، وباتت مرتبطة بمعركة الانتخابات الرئاسية ولو بشكل مبكر، شددت مصادر التيار على أن «الثلث الضامن هو جزء من ضمانة يحتاجها العهد، وقدرته على الحكم بعيداً عن الضغوط والعراقيل»، مشيرة الى أن «مقولة دعم الجميع للعهد لم تثبت صحتها في تجربة الحكومة المستقيلة، لا بل كان هناك سباق نحو التعطيل والعرقلة لكل المشاريع التي تقدّم بها وزراء التيار وفريق رئيس الجمهورية».

الا ان مصادر معارضة للتيار تقول ان الوطني الحرّ يتمسّك بالثلث المعطل بحجة «عدم عرقلة العهد».

وفي دلالة على عمق التباعد في الرؤى، والذي بلغ مرحلة فقدان الثقة بين القوى السياسية، أشارت مصادر مطلعة على فحوى الاتصالات، ومقرّبة من تيار «المستقبل»، الى أن «العقدة الوحيدة التي تحول دون تشكيل الحكومة، هي عقدة الثلث المعطّل، وعدم تخلّي باسيل عنها رغم كل الصيغ التي قدّمت في الأيام الأخيرة». وكشفت المصادر لـ «الديار» أن «عقدة الثلث المعطل باتت جزءاً من معركة رئاسة الجمهورية المقبلة، التي يريد باسيل ضمانها بشكل مبكر، والتي تتقاطع مع ما يتسرّب عن المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، رغم انكار الطرف الآخر لذلك».

وعن سبب تأخر الرئيس المكلّف سعد الحريري بالردّ على اقتراحات باسيل الأخيرة، أوضحت المصادر أن باسيل «قدّم اقتراحات سبق ورفضت من معظم الأطراف»، مؤكدة أن الأخير «يركّز على تسويق فكرة حكومة من 32 أو 36 وزيراً، وهو تبلّغ رفض الحريري فوراً لهذا الطرح، وبالتالي لم يعد مقبولاً وضع كرة المسؤولية في مرمى الآخرين».

موقف رئيس الجمهورية

وفي اعتراف واضح لعجز القيادات على اجتراح حلول للأزمات المتوالدة، أكّد رئيس الجمهورية ميشال عون خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في لبنان، أنّ «لبنان يعاني من حالة تعثّر داخلي». وقال «من موقعي كرئيس للجمهورية أعمل جاهداً للحفاظ على الخيارات الوطنية الكبرى التي صانت الوطن منذ عقود وحفظت صيغته ونظامه الديمقراطي وروح التعايش بين أبنائه»، مؤكداً أنّ «جوهر الديموقراطية اللبنانية قائم على التوافق قبل أي شيء آخر ومن هذا المنطلق نعمل على تحقيق توافق واسع وتام من أجل البت بتشكيل الحكومة العتيدة بالشراكة مع رئيسها المكلف»، معتبراً انّ «تجارب الماضي تظهر أن هذه العملية كانت تتطلب وقتاً ومشاورات واسعة لأنها لم تقم على أسس ومعايير واضحة ولكن اليوم وبعد اعتماد القانون النسبي ما كان يجب أن تطول لو اعتُمد منذ البدء معيار عدالة التمثيل الذي يجب أن يكون الحكم في أي خلاف».

موقف رئىس مجلس النواب

الى ذلك، نقل نواب «لقاء الأربعاء» عن رئيس مجلس النواب نبيه بري قوله إن «موضوع تشكيل الحكومة كان في خبر كان، وأصبح اليوم فعلا ماضيا ناقصا»، معتبراً أن «الاقتراحات التي جرى تداولها أخيرا لم يكن لها نصيب من النجاح». وعن القمة الاقتصادية العربية، قال بري «في غياب وجود حكومة، ولأن لبنان يجب ان يكون علامة جمع وليس علامة طرح، وكي لا تكون هذه القمة هزيلة، نرى وجوب تأجيلها»، مجدداً موقفه بـ «ضرورة مشاركة سوريا في مثل هذه القمة».

موقف المطارنة الموارنة

الى ذلك، توقّف المطارنة الموارنة خلال اجتماعهم الشهري في الكرسي البطريركي في بكركي، برئاسة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، أمام تفاقم تدهور الأوضاع المعيشية والحياتية والاقتصادية في البلاد، وانعكاسات ذلك على التزاماتها الدولية وقضاياها الداخلية والإقليمية المُلِحّة. ووجه الآباء نداءً حارّاً إلى القيِّمين على شؤون الدولة، ودعوا الى «وجوب تخطّي كلّ العوائق السياسيّة وغير السياسيّة التي تحول حتى الآن دون تشكيل الحكومة، والتوافق سريعًا على صيغةٍ لها تكون قادرة على مواجهة التحديات». وشددوا على ضرورة «البدء بالإصلاحات في الهيكليات والقطاعات، وتوظيف أموال مؤتمر «سيدر» من أجل النهوض بالاقتصاد، والحدّ من العجز المالي وتفاقم الديون، وإيجاد فرص عمل، وإخراج الشعب من فقره».