IMLebanon

معالجة الانهيار اللبناني

 

ليست هناك خيارات كثيرة امام لبنان. الأكيد ان تشكيل حكومة على شكل الحكومة الحالية برئاسة حسّان دياب لن يؤدي الى أي نتائج إيجابية خصوصا في غياب أي استيعاب لدى كبار المسؤولين الحاليين لخطورة ما يمرّ فيه البلد. لو كان هناك أي استيعاب، من ايّ نوع، لما يدور على ارض الواقع في لبنان والمنطقة، لما ذهب وزير الخارجية السابق جبران باسيل الى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، بتكليف من رئيس الجمهورية، ليقول كلاما يستدلّ منه انّه لا يعرف شيئا عن اهمّية دافوس ومستوى الكلام الذي يُفترض قوله في مثل هذا النوع من المنتديات.

 

كلّ ما في الامر ان باسيل نسي انّه في دافوس وانّه ليس امام مجموعة من انصاره العونيين (نسبة الى رئيس الجمهورية ميشال عون) في احدى القرى اللبنانية حيث لا أسئلة ولا أجوبة ولا الحدّ الادنى من الثقافة السياسية او المعرفة البسيطة بما يدور خارج محيط القرية.

 

لا وجود لدى العونيين لاسئلة بديهية وفي غاية البساطة من نوع من تسبّب بأكبر هجرة مسيحية من لبنان في الأعوام 1988    و 1989 و 1990؟ ليس من الصعب الإجابة هذا السؤال. الصعب اقناع اللبنانيين بانّ بلدهم في حاجة الى سياسيين من نوع مختلف كلّيا ومن مستوى آخر. الحاجة الى سياسيين واختصاصيين يعرفون الكثير عن الملفّات التي يتولون معالجتها. هل يجوز في بلد مثل لبنان فيه آلاف الشبان المتعلّمين من ذوي الاختصاصات ان يتحدّث نائب تابع لجبران باسيل في الشؤون الاقتصادية… او ان ينظّر جبران باسيل في دافوس عن كيفية وجوب تفادي اثارة موضوع «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني يتحكّم بتشكيل الحكومة اللبنانية؟

 

تكمن مشكلة هؤلاء المسؤولين في انّهم لا يدركون معنى توقف المصارف اللبنانية عن إعادة أموال المودعين الى أصحابها. هذا هو الانهيار الحقيقي للبنان في وقت لم يعد يوجد سوى مكان لسؤال واحد يصلح طرحه: هل من سبيل لمعالجة حال الانهيار؟ من لا يدرك اهمّية القطاع المصرفي بالنسبة الى لبنان لا علاقة له من قريب او بعيد بتاريخ البلد ومقومات بقائه!

 

لا تصلح حكومة حسّان دياب لمعالجة الانهيار بايّ شكل. لا لشيء، سوى لانّ الطرقات الوحيدة للملمة حال الانهيار هي الطريق العربية والطريق الاوروبية… والطريق الاميركية على وجه الخصوص.

 

عربيا، لا رغبة لدى أي دولة قادرة بين دول الخليج في مساعدة لبنان. هناك مواجهة واضحة بين دول الخليج العربي من جهة وايران من جهة أخرى. قرّر لبنان ان يكون تابعا لإيران وليس امامه سوى دفع ثمن ذلك. بدفع حاليا لبنان ثمن اتفاق كنيسة مار مخايل الذي وقّعه ميشال عون مع حسن نصرالله في شباط – فبراير 2006  وذلك قبل حرب صيف تلك السنة التي افتعلها الحزب مع اسرائيل والتي كان من بين اهدافها التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وعلى الجرائم التي تلتها واستهدفت مجموعة من اللبنانيين الشرفاء حقّا من سمير قصير… الى محمّد شطح.

 

ساعد العرب، على رأسهم المملكة العربية السعودية، لبنان في كلّ وقت. ساعدوه ايضا بعد حرب صيف  2006. اعادت الاموال العربية بناء قسم كبير من الأبنية التي هدمتها  إسرائيل. ماذا كانت النتيجة مع مرور الوقت؟ كان ان تحوّل لبنان الى قاعدة لنشاطات معادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة، خصوصا بعدما انتهت حرب صيف العام 2006 بانتصار ساحق ماحق لـ»حزب الله» على لبنان واللبنانيين وليس على إسرائيل في طبيعة الحال.

 

يُفترض بايّ سياسي لبنان يمتلك ذرة من المنطق ادراك انّ الخليج لا يمكن ان يقبل الوضع القائم في لبنان حيث صار «حزب الله» يقرّر من هو رئيس الوزراء بعدما فرض مرشّحه رئيسا للجمهورية. ترافق ذلك مع تحوّل وزير الخارجية اللبناني السابق، أي جبران باسيل، الى صوت ايران في مجلس جامعة الدول العربية. في ضوء هذه المعطيات ليس ما يدعو اهل الخليج الى مساعدة لبنان. هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. المؤسف انّ الحكومة الحالية جاءت لتكريس هذا الواقع ليس الّا، خصوصا انّ قبول حسّان دياب تشكيل حكومة يندرج في لعبة اقلّ ما يمكن قوله عنها انّها لعبة تهميش السنّة في لبنان.

 

أوروبيا، ليس هناك سوى لعبة وحيدة في المدينة. اسم هذه اللعبة نتائج مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس في 2018. لا بدّ من تكرار ان هذا المؤتمر اقرّ مساعدات للبنان شرط قيامه بالإصلاحات المطلوبة. لا يوجد في الحكومة من يستطيع القيام ولو بنصف اصلاح، خصوصا انّها لا تستطيع ان تكون فريق عمل متجانسا يحظى بثقة المجتمع الدولي وقبله العربي. يمكن لاوروبا مساعدة لبنان ولديها مصلحة في ذلك. لكنّ هل لبنان مستعد لمساعدة نفسه؟

 

اميركيا، هناك تغيير كبير حصل. صحيح انّ إدارة دونالد ترامب لم تحسم نهائيا بعد موقفها من دعم الجيش اللبناني وهي مستمرّة في مساعدته، لكنّ الصحيح أيضا انّها جدّية في التعاطي مع ايران، كذلك مع النظام السوري. يبدو ان كبار المسؤولين الحاليين في لبنان لا يريدون السماع بتصفية قاسم سليماني ومعنى ذلك، إضافة الى معنى زيادة العقوبات الاميركية على «الجمهورية الإسلامية». لعلّ اكثر ما لا يريدون اخذ العلم به الابعاد المترتبة على اعتماد الولايات المتحدة «قانون قيصر». يفرض هذا القانون عقوبات في غاية الصرامة على النظام السوري الذي لن يجد رجاله امامهم في مرحلة معيّنة سوى البحث عن طريقة ينقذ فيها كلّ واحد منهم جلده بنفسه!

 

لا حاجة طبعا الى تذكير اركان «عهد حزب الله» في لبنان بانّهم لا يعرفون شيئا عن روسيا وعن حلفها مع إسرائيل وعن الصداقة بين بنيامين نتانياهو وفلاديمير بوتين الذي كان في مقدّم المدعوين الى إسرائيل من اجل احياء الذكرى الخامسة والسبعين لسقوط معسكر اوشفيتز النازي في بولندا، حيث قضى مئات آلاف اليهود.

 

لا يُعالج الانهيار  بالكلام المضحك المبكي الذي سمعه اللبنانيون في دافوس على وقع الثورة الشعبية الحقيقية التي يشهدها لبنان. يحتاج لبنان في المرحلة الراهنة الى مسؤولين من نوع آخر، ومن مستوى آخر، من اعلى الهرم الى اسفله. الانهيار حصل. الأكيد انّ العلاج لا يمكن ان يأتي على يد جماعة لا تعرف حتّى ابعاد ما يدور في المنطقة على ايّ صعيد كان وما الموقف العربي والاوروبي والأميركي من لبنان…