في علم السياسة تتطّور المبادىء السياسية نحـو الأحسن والأفعـل من أجـل نظام سياسي فاعل وناشط على كافة المستويات، والدولة من أوْلى واجباتها هي تأمين الخدمات التي تهتم بحاجات المواطنين، تسهِّل معاملاتهم، تفعِّل المراجعات على كل الصُعُد، ولتلك الأسباب وغيرها من المفترض على أي دولة أن تكون قريبة من مواطنيها تعمل لإعلاء شؤونهم. في المفهوم الدستوري الفقهي الدولة الرعاية هي من المفترض أن تكون دولة لا مركزية.
في المفهوم السياسي المتطوِّر إنّ اللامركزية هي نمط من أنماط الإدارة وأسلوب من أساليب الحكم الفاعل والمُنتِج، حيث لا يمكن السلطة المركزية وحدها إدارة شؤون البلاد ومن المفترض في تلك الحالة أن تسعى إلى تقسيم الدولة إلى محافظات وأقضية وتعيِّن على رأس المحافظة والقضاء مسؤولاً يتوّلى الشؤون السياسية والأمنية والقضائية والاقتصادية والمالية والإجتماعية من ضمن فريق عمل منظّم وفقاً للأصول الدستورية المنصوص عنها في دستور البلاد.
بمفهومنا المتواضع هذه العملية اللامركزية يمكن أن تكون مجرد عملية بحث إدارية تنظيمية، كما يمكن وفقاً للمفهوم الإنمائي أن تتعدّى مجرد الإدارة لتصبح عملية حضارية. في معرض بحثنا الأكاديمي كناشطين سياسيين تبيّن لنا أنّ دولة إسبانيا تشهد لامركزية موّسعة هي أقرب إلى الفدرالية فيما تطور الدولة الفرنسية في مبدأ اللامركزية بعد أنّ كانتْ تعتمد المركزية المتشددة، وفي معرض البحث أيضاً لاحظنا أنّ اللامركزية الروسية كانتْ أكثر عرضة للفساد مع تفّشي ظاهرة المافيات في السلطات المحلية، نقتبس من هذا الإستشهاد لنقول عبر مقالتنا أنّ أوروبا المثال الأمثل ممّا جعلها الأكثر قدرة على إمكانية المساعدة لأي باحث كونها تجمع تراكمات من الخبرات والنماذج ويكفي الإستدلال على ما ينظمه الاتحاد الأوروبي.
مفهوم اللامركزية بالنسبة إلينا كباحثين من المفترض أنْ يأخذ بالإجماع اللبناني حول اللامركزية الموسّعة إنطلاقا ممّا ورد في إتفاق الطائف، وإذا كان هذا المشروع يعطي فعلاً أوسع الصلاحيات للمناطق، فهو عمليا وفعليا يُبقيها ضمن الدولة الواحدة بعيدا من أي منحى تقسيمي. إنّ اللامركزية بالنسبة إلينا مشروع يعتمد اللامركزية فعلا وممارسة من حيث إستحداث مجالس إدارية منتخبة بالكامل وإعطاؤها ليس فقط مبدأية الإستقلالية الإدارية والمالية إنما التمويل الكافي والواردات اللازمة وهي في المفهوم الإنمائي الأوحـد، كما أنها تحصر الرقابة إلى أقصى الدرجات الرقابية. إنّ اللامركزية في مفهومنا العلمي التشريعي مشروع يُبقي على البلديات كوحدات لا مركزية أساسية ولا يمسّ بصلاحياتها أو بأموالها ويعتمد القضاء كمساحة لا مركزية نظرا إلى شرعيته التاريخية وإلى تأمينه كل الحاجات التنمويّة. بالإضافة إلى ما أسلفناه إنّ مشروع اللامركزية الساعين إليه يستحدث صندوقا لا مركزيا يحلّ محل الصندوق البلدي المستقل ويكون أعضاؤه منتخبين عاملا وفق قواعد منهجية ضمن معايير توزيع تعتمد مؤشرات موضوعية تراعي ضرورة الإنماء المتوازن وتحفيز النمو المحلي المناطقي (معامل: كهرباء – فرز للنفايات – الإهتمام بالبيئة – مواصلات – مدارس حكومية – مستشفيات حكومية – مستوصفات…).
من منظورنا إنّ تطبيق اللامركزية الإدارية في الجمهورية اللبنانية ضرورة من أجل تسهيل حياة المواطنين اللبنانيين وتحسين الخدمات المقدمة إليهم بالإفساح في المجال للجماعات المحلية للجماعات للتخطيط والتنفيذ الفعّال لمشاريع تنموية نظرا إلى معرفتهم بحاجات مناطقهم ومتطلباتها ويمكن أن تشمل هذه المشاريع:
• مشاريع شؤون اقتصادية.
• مشاريع شؤون إجتماعية.
• مشاريع شؤون بيئية.
• مشاريع شؤون تربوية.
• مشاريع شؤون زراعية.
• مشاريع شؤون إنمائية.
كناشطين في الشأن العام ندرك أن ثمة عدد من التحدّيات والقضايا التي تواجه تطبيق هذا النظام الحضاري المعتمد في البلدان المتقدمة، ولكن سنسعى جاهدين في المراحل القادمة لتطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية لأنها من أوْلى إهتمامتنا.
* ناشط سياسي