IMLebanon

غابت معه شمس الإزدهار

 

فَقَدَ لبنان بوفاة عدنان القصار رمزا بارزاً من رموز الزمن الجميل، ساهم بفعالية وديناميكية مميزة في تحقيق عهد العز والإزدهار الإقتصادي والمالي والإجتماعي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت بيروت عاصمة الشرق الأوسط المالية، وكان لبنان قاعدة تمركز كبرى الشركات العالمية، وهمزة الوصل بين الشرق والغرب.

 

بنى رجل الأعمال الكبير إمبراطورية مالية وتجارية إنتشرت عملياتها في العديد من دول العالم، من تأسيس وتمثيل العديد من الشركات العاملة في العديد من القطاعات الحيوية، م،تجارة المواد الغذائية الإستراتيجية،القمح والسكر والأرز، إلى تمثيل شركات طيران أوروبية، إلى جانب تحويله “بنك صباغ” الصغير إلى أحد أكبر البنوك اللبنانية، حاملاً إسم “فرنسبنك”، حيث إنتشرت فروعه في عواصم عربية وأوروبية، وتكلمت ميزانيته بلغة المليارات.

 

لم يكن عدنان القصار رجل أعمال تقليدي، بل كان صاحب رؤية في الحركة التجارية والمالية، ويتمتع بموهبة نادرة في نسج علاقات العمل والصداقة مع الأطراف المعنية. وكان رجل الأعمال الأول بين أقرانه العرب الذي “إكتشف” أهمية العلاقة التحارية مع الصين الشعبية، حيث بدأ إستيراد البضائع الصينية إلى لبنان والدول العربية منذ الخمسينات من القرن الماضي، يوم كانت بكين معزولة عن العالم الغربي، الذي إعترف بنظام تشي كاي تشيك في “الصين الوطنية”، وعاصمتها تايوان، التي إشتهرت بتقليد الصناعات الغربية.

 

ترأس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان على مدى أربعين عاماً، تحولت خلالها من مكتب متواضع لإنجاز معاملات المنتسبين، إلى مؤسسة رائدة في تنظيم عمليات التصدير وإصدار شهادات المنشأ، وإقامة العلاقات التجارية المباشرة مع العديد من الدول العربية والغربية، وتوفير المريد من الفرص أمام المنتجين اللبنانيين لتصدير بضائعهم، من خلال المعارض الدولية التي كان ينظمها لعرض المنتجات اللبنانية . وحافظ على وحدة الجسم الإقتصادي طوال فترة الحرب البغيضة، رافضاً كل أشكال التقسيم المباشر وغير المباشر، متمسكاً بحقوق كل المنتسبين للإستفادة من خدمات المؤسسة في الداخل والخارج.

 

وكان عدنان القصار أول عربي يتولى منصب رئيس غرفة التجارة الدولية، حيث ساهم في تعزيز الوجود العربي في هذه المؤسسة الدولية، وفتح الأبواب أمام أقرانه العرب للوصول إلى مرتبة العالمية، في إثبات وجودهم الإقتصادي والتجاري.

 

لم تشغل ضغوط العمل اليومية الراحل الكبير عن التفكير بمستقبل الأجيال الصاعدة، فقام بعدة مبادرات لتعزيز التعليم الجامعي، بتمويل إنشاء كليات ومكتبات في جامعة بيروت الأميركية، والجامعة اللبنانية الأميركية. إلى جانب إهتمامه الدائم بمساعدة الجمعيات والمؤسسات الخيرية، وفي مقدمتها دار الإيتام الإسلامية ومؤسسات الدكتور محمد خالد، حيث أقام منشآت حديثة عززت تقديمات المؤسستين لأصحاب الحاجات الملحة من المحتاجين وذوي الدخل المحدود.

 

غاب عدنان القصار عن ساحات العمل والإنتاج قبل خمس سنوات، وغابت معه شمس الإزدهار التي طالما كانت مصدر عز ورفاهية لكل اللبنانيين.

 

يودعك الوطن غداً بالحزن والأسى..، ولكن تجربتك الفذة في الإبداع والنجاح ستبقى مدرسة في العمل والطموح لأجيال الشباب.