IMLebanon

بعد لقاء عون وجعجع: أوراق بري والحريري انكشفت

ذهاب تحالف الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري الى تحدي العماد ميشال عون والتمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي، يعيد الى المسيحيين الخشية الاولى من استمرار صياغة تحالفات على حسابهم

هل اعطت الصورة التي التقطت في الرابية رد فعل عكسياً وسرّعت في الوصول الى المأزق الحكومي؟ وهل استفزّ لقاء رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، فالتقيا على الوقوف ضد مطالب عون غير عابئين بتهديداته بشل عمل الحكومة؟

ليس السؤال افتراضياً، وقد طرحته اكثر من شخصية سياسية مسيحية، بعد مجلس الوزراء أمس، لأنه يعبر في واقع الامر عن حقيقة لمستها القوى المسيحية منذ الاتفاق على مشروع اللقاء الارثوذكسي ــــ وإن كان في حد ذاته غير صالح ــــ وصولا الى ما يحصل في واقع الوجود المسيحي في الحكم، لكن ما حصل امس، برغم كل التحذيرات التي سبق لعون ان وجهها، فرض التعاطي مع قرار التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي ابراهيم بصبوص من زاوية مختلفة.

فاصدار وزير الداخلية نهاد المشنوق قراره بتأجيل تسريح بصبوص لمدة سنتين، حتى من دون محاولة امتصاص النقمة بالتمديد لستة اشهر فحسب، يتعدى مفهوم القرار الاداري البحت، بعدما وقف بري والحريري في وجه مطالب الطرف المسيحي الاقوى والأكثر تمثيلا في الحكومة. وبحسب تعبير احد السياسيين، لا يحتسب حجم التمثيل في الحكومة بأصوات الوزراء. فقوة عون في الحكومة وخارجها لا تقارن بصوتين في مجلس الوزراء مقارنة، مثلاً، بثلاثة اصوات يملكها الرئيس السابق ميشال سليمان او اصوات المستقلين في مجلس الوزراء. فكيف اذا أضيف الى هذا التمثيل وقوف الطاشناق والمردة معه، اضافة الى إعلان حزب الله صراحة وقوفه الى جانب جنرال الرابية، فيما حاول النائب وليد جنبلاط الخروج بتسوية لائقة اصطدمت بمواقف رافضي التجاوب مع عون.

من هنا، صار موعد 4 حزيران بالنسبة الى تكتل التغيير والاصلاح، بحسب مصادره، موعداً انكشفت فيه أوراق طرفين اساسيين في الحكومة، بعد اشهر من المماطلة والتساؤلات حول حقيقة خطواتهما وتنسيقهما، وحقيقة موقف الحريري تحديداً.

كان بري اكثر وضوحا وصراحة في خوضه معركة التمديد للقادة الامنيين. وقف منذ اللحظة الاولى في وجه عون، واكد وقوفه الى جانب العماد جان قهوجي والتمديد له، تفاديا للفراغ بحسب تعبيره، كما وقف، منذ اللحظة الاولى، ضد تعطيل عمل الحكومة وصولا الى كلمته الاخيرة قبل ايام عن ان «لا احد اكبر من وطنه». ولطالما مثّلت مواقف بري من عون حالة خاصة في السياسة منذ عام 2005، لكن في الفترة الاخيرة، كثرت انتقادات رئيس المجلس والمقربين منه لأداء عون والوزير جبران باسيل (الذي يرى سياسي ان بري يمتعض منه لانه يحاربه بسلاحه)، ومن شلّ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اعمال مجلس النواب، وتمسكهما بقانون استعادة الجنسية للمغتربين وقانون الانتخاب كشرط اساسي لتشريع الضرورة.

اما الحريري، فكان اكثر صراحة في المجالس الخاصة. قال لعون كلاماً في شباط الماضي عن التمديد وتعيين العميد شامل روكز، لم ينفه رغم ان عون كرره اكثر من مرة، لكنه، في العلن، اتخذ موقفا مناقضا لكل الاتفاقات والكلام الذي نقله الموفدون بينه وبين الرابية. كانت ثمة تأكيدات وصلت من تيار المستقبل بأن التمديد لبصبوص قد يكون آخر الدواء، ولا سيما ان الأخير ابلغ من يعنيهم الامر انه يرفض التمديد، علما ان كلاما نقل عن الحريري نفسه بأنه يحتاج إلى وقت اضافي لمعالجة ملف التعيينات بما يتناسب مع متطلبات الوضع الداخلي، لكن، في المقابل، كانت شخصيات في التكتل تشكك في كلام الحريري وتطمينات موفديه، وتجزم بأن المشنوق سيمدّد حكما لبصبوص وان مساعيه واتصالاته للتهدئة كانت لتمرير الوقت ليس اكثر.

في محصلة الامر، كان بري ووزراؤه على حق منذ ان اكدوا، قبل اشهر، ان التمديد لبصبوص، ولاحقا لقهوجي، امر واقع. فبري اكثر العارفين بكيفية انضاج اتفاق سياسي مع الحريري الابن، كما كان الامر مع الحريري الاب.

إلا أن ظروف المسيحيين اليوم تختلف تماما عن الواقع السابق، وهم يحاولون صياغة مشهد سياسي مختلف، برغم ان هناك من يرى ان ما يجري في سوريا ويقترب من الحدود اللبنانية لا يسمح اليوم بهذا الترف السياسي، وان الوقت اليوم ليس لتحصيل مكاسب في السلطة، لكن ما يعدّه افرقاء مسيحيون استفزازاً مستمراً، يسعى العونيون اليوم بالتكافل والتضامن مع القوات اللبنانية الى تغييره من خلال تعطيل جلسات مجلس النواب الا لتشريع الضرورة. وهم، مع المردة والطاشناق، يفرضون واقعا جديدا في مجلس الوزراء وخارجه، للتوافق على كل المقررات وفرض التعيينات الامنية.

وبحسب مصادر التكتل، فان عنوان المرحلة الحالية، بعدما انتهت مرحلة المهادنة مع تيار المستقبل، «تعطيل جلسات الحكومة، ورفض الاعتراف بقانونية التمديد لبصبوص. اما المرحلة المقبلة فلها عنوان مختلف بحسب مجريات العمل الحكومي والاتصالات السياسية». من دون التخلي عن درس خطوات التصعيد، بسبب خشية التكتل من إقدام وزير الدفاع سمير مقبل على خطوة مماثلة لخطوة المشنوق، في الاسابيع القليلة المقبلة، من دون الانتظار حتى ايلول المقبل. وهذا يعني ان قرار تحدي عون والقوى المسيحية المتحالفة معه في الحكومة سيكون قد بلغ مداه الاقصى، لأن هذه الخطوة، بحسب المصادر نفسها، تعني ان فريقا واحدا يتألف من سليمان وبري والحريري قد «قبض على المفاصل الاساسية في الحكومة وقيادة الجيش وابقاها اسيرة لديه». وهذا ما لن يسكت عنه عون.