IMLebanon

بعد داعش … لِمَن مدينة العراق الثانية؟

تُشارك الأطراف المختلفة في معركة الموصل، ثانية كبريات مدن العراق بعد بغداد، ضمن ما يُعرف بالحرب على دولة داعش، تُحرّكها رغباتها الجامحة في السيطرة على المدينة أو حتى أجزاء منها. وعلى رغم رغبة أميركا في تقرير السُّنّة، وهم غالبية سكان الموصل البالغ عددهم مليوني نسمة، مصير المدينة، إلا أن الأكراد فيها، كما التركمان، يحلمون بالانضمام إلى قومياتهم ضمن أقاليم مستقلّة، فضلاً عن الرغبات الإيرانية في دور أكبر في العراق.

لقد كانت الموصل ولما تزل، “المدينة التي يقيم فيها كلّ شيء، من التجارة إلى الزراعة، وصولاً إلى الاختلاط البشري والعرقي والديني». وقد شكّلت عبر التاريخ نسيجاً حضارياً واقتصادياً وتجارياً مهمّاً في المنطقة، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمدينة حلب، أكبر مدن بلاد الشام. ومن المفارقة بمكان أن تدور رُحى معركتي تقرير مصير أكبر مدينتين تاريخيتين في المنطقة وأكثرهما تأثيراً، الموصل وحلب، في الوقت عينه، كأنّ ارتباطهما سرمدي، في الحياة كما في الموت.

موقع الموصل الجغرافي المميّز وجمال سهل ريفها الخصب المعطاء والذي تغنّى به ابن حوقل، جعلا منها ممرّاً للغزاة الطامعين في خيراتها. وقد توالى على حكمها الآشوريون والفرس والساسانيون (الزرادشتيون) والبيزنطيون، وصولاً إلى حقبة الفتح الإسلامي ثم المغول والتركمان والصفويون، وأخيراً العثمانيون الذين حكموها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة وولاياتها بين فرنسا وبريطانيا وفق اتفاقية سايكس- بيكو. وظلّت تركيا تطالب بأحقيتها في حكم الموصل حتى ١٩٢٥، حين قررت عصبة الأمم عودة الموصل إلى العراق، فانضمّت الموصل رسمياً إلى المملكة العراقية عند إعلانها عام ١٩٣٢.

خوف بغداد من الأطماع التركية المتجذّرة في التاريخ، دفعها اليوم لرفض أيّ مشاركة لأنقرة في معركة تحرير الموصل، على رغم أن هذه الأخيرة دولة أساسية في التحالف الدولي في الحرب على داعش، ومن أراضيها، وتحديداً من قاعدة أنجرليك، تنطلق طائرات التحالف لضرب مواقع الدولة الإسلامية في سورية والعراق. وعلى رغم هذا الرفض، تراهن تركيا على طبيعة معركة الموصل المصيرية ضد أقوى تنظيم عسكري في المنطقة، والتي لا تقبل الفشل، ولا حتى المماطلة. وهو ما قد يجعل من المستحيل على الإدارة الأميركية تهميش الدور التركي في المعركة التي لم تدخل بعد مراحلها الأهمّ، خصوصاً أنها تحتاج نصراً سريعاً ومدويّاً يصبّ على الأرض كما في صناديق الانتخابات الأميركية، ويرجّح كفّة الحزب الديموقراطي الحاكم ومرشحته هيلاري كلينتون.

من جهة أخرى، تشارك قوات الحشد الشعبي، ومعظمها فصائل شيعية مقرّبة من إيران، في المعركة، على رغم تحذيرات السعودية من «كوارث» طائفية بين أبناء العراق، خصوصاً أن غالبية سكان الموصل من السنّة المعارضين أيّ تدخّل إيراني، والرافضين الأطماع الفارسية التاريخية.

وللأكراد حصّة في معركة الموصل، وإن غير معلنة، إذ تشير التقارير إلى مشاركة مقاتلي البيشمركة فيها، بمباركة أميركية. مشاركة لا تخلو من طموح يدغدغ مسعود البارزاني بتوسيع المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في اتجاه شرق الموصل وشماله. وكانت كردستان وضعت يدها قبل عامين على كركوك الغنيّة بالنفط، إثر انهيار الجيش العراقي أمام اجتياح تنظيم داعش شمال العراق. ووسعت سيطرتها الميدانية على مناطق محيطة بالموصل، غرب أربيل.

وقد تردد أن الأكراد اشترطوا على الأميركيين تقسيم الموصل، أو محافظة نينوى، إلى ثلاث محافظات منفصلة مقابل مشاركتهم في تحريرها، على أن تُعطى لهم إدارة المحافظة التي تحدّ إقليم كردستان، في خطوة تمهّد لإعلان الدولة الكردية الموعودة.

سيناريوات عدّة مطروحة لمستقبل الموصل في مرحلة ما بعد سقوط داعش. ويبدو رفض بغداد فكرة التقسيم، وإصرارها على وحدة المحافظة، لا يُغلقان الباب أمام التكهّنات لرسم صورة نينوى الجديدة، خصوصاً أن حكم داعش أوجد شرخاً كبيراً بين مكوّناتها الطائفية والعرقية المختلفة يستوجب عملاً كبيراً من الأطراف لرأبه وتحقيق المصالحات. ولا يمكن مجرد تشريع برلماني عراقي أن يُبلسم الجراح ويمنع التقسيم.