IMLebanon

ما بعد هبوط الحريري: ريفي أم بهاء؟

لم يسبق لزعامة سنّية يفترض انها راسخة الاقدام ان شهدت هبوطاً كالذي يمر فيه الرئيس سعد الحريري في هذه الآونة. بالكاد انقضى عقد من الزمن على اضطلاعه بهذا الدور، فإذا هو محاط بأعداء الداخل، يحتاج إلى خصوم الخارج ينقذونه

ليس عصيان وزير العدل «المستقيل» اللواء اشرف ريفي اولى محن الرئيس سعد الحريري، واكثرها ايلاماً. الا انه اضحى اليوم رأس جبل تقويض هيبة البيت. لم يتحدث ريفي عن خلاف وتباين مع الحريري، بل قال ــــ مرة تلو اخرى جهراً كي لا يختبىء وراء الايحاء ــــ ان الرجل انتهى وهو يجزم بأنه هو الوارث الفعلي للرئيس رفيق الحريري.

لم يخرج ريفي من بيت الحريري الأب كالرئيس فؤاد السنيورة والوزير نهاد المشنوق واللواء وسام الحسن وسياسيين وزراء ونواب وموظفين كثيرين آخرين، على ان اياً من هؤلاء لم يسعه يوماً سوى ان يتهيّب المكان وإن من دون صاحبه. قد يكون ريفي وحده من خرج من بيت الحريري الابن. وقد يكون الرئيس نجيب ميقاتي اول مَن خبر التجربة معه: عندما عيّنه مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي عام 2005، وعندما اعلن استقالة حكومته بعدما اخفق في تمديد وجود ريفي في منصبه عام 2013.

إذ ذاك يصح السؤال: أيهما أخطأ بينهما، الرئيس السابق للحكومة أم وزير العدل؟

اختبر الحريري الابن اولى محنه في 12 كانون الثاني 2011 عندما اسقطت استقالة الثلث +1 حكومته وهو في زيارة الرئيس الاميركي في البيت الابيض. كانت المرة الاولى منذ اتفاق الطائف يُسقِط وزراء رئيس حكومتهم في حجم ما بدا انه يمثله، والمرة الاولى يُستخدم الثلث +1 ــــ الصلاحية المستعصية ــــ لاطاحة حكومة برمتها على رأسها زعيم السنّة والغالبية النيابية. محنته الثانية ليست اقل اهمية. للمفارقة ايضاً في الشهر نفسه من السنة نفسها، 25 كانون الثاني، عندما ترشح الحريري لرئاسة الحكومة ضد ميقاتي وخسر امامه بفارق ثمانية اصوات، ففقد فرصة اعادة تكليفه ترؤسها. كانت ايضاً المرة الاولى يُهزم حريري بتخلي الغالبية النيابية عنه كي تشعره بالهزيمة، والمرة الاولى منذ اتفاق الطائف يتنافس فيها زعيمان سنّيان على رئاسة حكومة من غير ان يتنحى أحدهما للآخر بل يكسره. اذ ذاك فعل ما لم يخطر مرة في بال والده ــــ وهو خارج الحكم ــــ ان يقدم عليه: مغادرة البلاد وإقفال البيت سنتين. في كل مرة أُرغم الأب على الخروج من السلطة تحضّر للعودة إليها بقوة: إنتخابات 2000 التي تلت إقصاءه عام 1998، وانتخابات 2005 التي توقع امساكه بالغالبية النيابية بعد اقصائه عام 2004.

تتصرّف الرياض بتضييق مالي وتخلّ سياسي أتاح نشوء مراكز قوى في تيار المستقبل

لعل مرارة تجربة الحريري الابن في عقد من الزمن هو عمر زعامته، انه لم يمكث في رئاسة الحكومة سوى 14 شهراً قبل ان يُطاح. لا يتذكر منها تياره، كما خصومه، سوى مصالحته الرئيس السوري بشار الاسد وزيارته إياه مراراً، والمبيت عند مَن عدّه قاتل والده. إبّان ذلك الوقت طلب من ريفي ايضاً الذهاب الى سوريا والاجتماع بالأسد. ففعل. مذ ذاك أخفى وسام الحسن في جارور مكتبه في فرع المعلومات صورة له وضعها قرب مقعده، يحمل بندقية اصطاد بها أسداً مقتولاً بين قدميه.

قد يكون الحريري الابن، من بين آخرين بين الزعماء السياسيين، ممن عرفوا القليل عن تجربة الآباء، ولم يسألوا عنها او تعلّموها او امتحنوا الذات من خلالها. لم يسقط الحريري الاب مرة في امتحان السلطة، ونظر باستمرار الى اتفاق الطائف على انه مرآته، وحسب صلاحيات رئيس مجلس الوزراء البزة التي يستحق ارتداءها. فإذا الاتفاق والصلاحيات يخذلان الابن.

في اول دخوله الى الحكم عام 1992 حاول انتزاع الصلاحيات الاشتراعية من مجلس النواب المنتخب. مُنِع فامتثل. اعتكف في ايار 1994 فنُصح فتلقف. عندما اشتبك مع الرئيس اميل لحود على تكليفه ترؤس الحكومة عام 1998 فضّل ان ينحني للعاصفة وينسحب. كذلك فعل بعد تمديد 2004 رغم انه اقترع له، مثلما فاخر بأنه صنع تمديد 1995. قبل ذلك، عام 1993، تغطّى بعباءة الرئيس صائب سلام في تدشين اعمال «سوليدير» في وسط بيروت حينما حضر الرئيس الراحل من جنيف كي يمنح الحريري الاب شرعية الدور في الطائفة. رد الحريري الجميل لسلام الاب في انتخابات 1996 حينما ترك مقعداً شاغراً في لائحته في بيروت للابن تمام سلام، قبل ان ينقلب عليه ويغامر في انتخابات 2000 بتقويض زعامتي سلام الابن والرئيس سليم الحص، والإستئثار بزعامة الطائفة والعاصمة.

حتى اغتياله عام 2005 لم يعبر بهبوط، بما في ذلك خروجه من الحكم، موحياً انه آثر ان لا ينهزم.

مع ان كثيرين من رجال الحريري الاب لزموا الحريري الابن تدريجاً مذ انتقلت اليه في 20 نيسان 2005 زعامة البيت، الا انهم حرصوا على حفظ ادوارهم الى جانبه اكثر منهم استكمال تجربة الاب. على نحو وفّر له الكثير من الطمأنينة والرخاء، اعتقد الابن انه يبدأ من حيث انتهى اليه والده الراحل. كان ذلك اول اخطائه.

سواء بالغ ريفي في قراءة نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس وصعوده في المدينة، او بالغ في توقع انهيار وشيك لرئيس تيار المستقبل، إلا أن العالمين بأسرار البيت يتحدثون عن خيارات مختلفة في ضوء تقاطع معلومات بعضها يشير الى:

ــــ عودة بهاء الحريري الى الواجهة السياسية على انه هو البديل المحتمل من شقيقه، لا وزير العدل.

ــــ لا يزال بهاء ينظر بريبة الى الطريقة التي اتاحت لشقيقه الاصغر تزعّم البيت خلفاً للأب عام 2005. فبهاء ــــ الذي يحمل الرئيس الراحل كنيته ــــ يحمّل كلاً من عمته بهية وأرملة والده نازك مسؤولية مفاضلة شقيقه عليه آنذاك، من دون اخفاء كلمة سرّ سعودية.

ــــ على نحو مماثل يواجه بهاء ــــ بكثير من التنسيق غير المعلن مع ريفي ــــ في آن معاً التركيبة الحاضنة لشقيقه: نازك، بهية وإبناها أحمد ونادر. ذلك ما يعنيه مغزى توقيت المواجهة الضارية التي يقودها ريفي مع الرئيس السابق للحكومة: معركة حقيقية لخلافة جدّية.

ــــ تتصرّف الرياض حيال ما يجبهه سعد بلامبالاة معلنة وسط تضييق مالي وتخلّ سياسي، اتاح نشوء مراكز قوى في تيار المستقبل، من دون ان ترغب في حسم الواقع والادوار. لأشهر خلت لم يكن في الامكان توقعها. ذلك على الاقل ما أبرز دعم سعد النائب سليمان فرنجيه للرئاسة. تحفظ عنه بعض نواب التيار قبل ان يطلق احمد الحريري عبارة أن الأمر لإبن خاله الرئيس السابق، فإذا هؤلاء ينادون بفرنجيه مرشحاً.

في واقع، كهذا يمسي الرئيس السابق للحكومة في حاجة الى خصوم اليوم كحزب الله والرئيس ميشال عون.