IMLebanon

أحمد ميقاتي يروي سيرة حياته: أنا من أدخل الجيش إلى باب التبانة!

كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف عندما دخل عمر أحمد ميقاتي إلى قاعة المحكمة العسكرية، ثمّ سرعان ما تمّ البدء بإدخال الموقوفين الآخرين. 40 مدعى عليهم بينهم أكثر من 20 شخصاً بين موقوف ومخلى سبيله في دعوى الاشتراك بأحداث باب التبانة وجبل محسن وقتل عسكريين.

بثياب رياضية زرقاء خطّ عليها الرقم 3 باللون الأسود، وقف الشاب إلى جانب قضبان قفص المحكمة يتلفّت يميناً ويساراً، يشبك أصابعه بعضها ببعض ويعضّ على شفتيه. حتى الآن لم يجد الشاب مبتغاه، إذ إن والده ما زال يقبع داخل نظارة المحكمة.

انفرجت أسارير «أبو هريرة» عندما لفظ رئيس المحكمة العسكرية العميد الرّكن الطيار خليل ابراهيم رقم الدعوى: 89. إلا أن القلق عاد ليغزو نظرات الشاب في الوقت الذي قرّر ابراهيم رفع الجلسات لأخذ قسط من الراحة بعد أكثر من 5 ساعات قضاها وهيئة المحكمة على القوس.

انتهت الاستراحة بعد أقلّ من ساعة، ليعود ميقاتي هذه المرّة واقفاً في القفص. لحظات قليلة وترفع الإجراءات الأمنيّة إيذاناً بدخول الرجل ذي الباع الطويل بالعمل مع المجموعات الإرهابيّة منذ أحداث الضنيّة.

اختلفت معالم الرجل مذ تمّ توقيفه العام الماضي. كهل بلباس «غير شرعي».. بنطال جينز وكنزة مقلّمة باللونين الأسود والأبيض وحذاء جلد أسود. اللحية البيضاء التي كانت تكاد تصل إلى صدره، صارت بالكاد نابتة، لتظهر ملامح الرجل الأربعيني بوضوح. اقترب «أبو الهدى» إلى المقلب الآخر من القفص، يحاوطه 4 عسكريين من كلّ جانب، فيما هو بقي يتحسّس بيده اليمنى معصمه الأيسر، فآثار القيد الحديدي ما زالت ثابتة على يده.

وقف الرجل ينظر إلى هيئة المحكمة التي قام رئيسها بتلاوة أسماء المتهمين الـ40، فيما عمر يسترق النظر من خلف العسكريين إلى والده. يعضّ على شفتيه، يبتسم بعينين دامعتين عندما يلتفت والده لينظر إليه.

وسرعان ما لم يعد يكتفي الاثنان بلقاء العينين مفضلين لغة الإشارة، يشير عمر بإصبعه متمتماً «بعد شوي»، فيهزّ الأب برأسه ليسترسل بالإشارات قبل أن ينتبه أحد العسكريين الذي يأتي ليقف حاجزاً بين الأب ووالده، على جاري العادة، لمنع أي مدعى عليه من التكلّم مع آخر. لم يغضب «أبو الهدى»، حاول إفهام العسكري ما كان يريد أن يقوله لابنه قبل أن يقول بصوت منخفض: «بأمرك».

وبرغم ذلك، لم يملّ «أبو هريرة» من النظر إلى والده كلّما سنحت له الفرصة خلال أكثر من ساعة ونصف الساعة من استجواب ابراهيم لـ10 من المدّعى عليهم.

كادت الجلسة، التي انعقدت أمس للمرة الأولى بعد أشهر من التأجيل لغياب محامين، أن تتأجل للسبب نفسه قبل أن يجد رئيس المحكمة ومعه المحامون مخرجاً لمأزق تغيّب محامين (انضمّ أحد المحامين إلى الجلسة ليقتصر الغياب على المحامي محمّد المراد وأحد المحامين من مكتبه). ثمّ عمّ الصمت داخل قاعة المحكمة ليبدأ القاضي المدني محمّد درباس بتلاوة التّهم المسندة إلى المدعى عليهم، قبل أن يقاطعه أحمد ميقاتي قائلاً: «حضرة العميد ما عم نسمع شي».

هذه مجموعة ميقاتي

وبعد استجواب اثنين من الموقوفين، تقدّم «أبو الهدى» نحو المنصة المخصّصة للمستجوبين ما إن سمع اسمه. لم ينكر الموقوف التّهم المنسوبة إليه وإن قال: «في شغلات أنا بريء منها». ويشير إلى أنّ «سيرة حياتي مشهورة ومكتوبة بالصّحف»، ومضيفاً باستهزاء: «عندما تمّ توقيفي اجتمعت الوزارة (الدفاع) كلّها في غرفة التحقيق للتحقيق معي، كلّهم كانوا موجودين في الغرفة».

وبدمٍ بارد، عدّد ميقاتي التّهم التي وجّهت إليه منذ العام 2000 والتي قضى اثنان منها بأحكام الإعدام، مستذكراً أحداث الضنيّة والاعتداءات على سفارات ومطعم «ماكدونالدز».. وليكمل سرد تفاصيل حياته بعد خروجه من السّجن والعمل في مجال الموبيليا في طرابلس، رافضاً ما قيل بأنّه كان يجمع المال أو يفرض على البعض إعطاءه المال بغية شراء الأسلحة، لافتاً النظر إلى أنّ «كلّ واحد كان يشتري بارودته (بندقيته) من ماله الخاص».

وفق ميقاتي، فإنّه لم يشارك إلّا في جولة واحدة من معارك طرابلس برفقة مجموعته المؤلّفة من: ابنه بكر (الذي قتل خلال اشتباكات طرابلس في العام 2013)، وشقيقه محمّد الملقّب بـ «أبو عبدالله»، وأحمد غازي كسحة الملقّب بـ «أبو عمر» (تمّ توقيفه الشهر الماضي)، فايز فواز عثمان الملقّب بـ «أبو مصعب» (تمّ توقيفه في أيّار الماضي)، قاسم خضير الملقّب بـ «أبو زيد» (قتل في العام 2013)، محمّد العتر الملقّب بـ «أبو عمر» (يتردّد أنّه في جرود عرسال)، عبد الرحمن بازرباشي الملقّب بـ «حفيد البغدادي» (تمّ توقيفه في أيار الماضي).

إلا أن ميقاتي أنكر أن يكون هؤلاء هم أعضاء في مجموعته التي تقتصر على البعض منهم، إذ إنّه اضطر خلال التحقيق معه في وزارة الدّفاع الى الزجّ بكلّ هذه الأسماء على اعتبار أنّ «تاريخي حافل واسمي كبير، وعددتهم كي أشيل عن نفسي. ولكنني لم أكن أملك مجموعة بل أنا كان منزلي في مكان تمرّ إلى جانبه المجموعات، إذ يوجد بسطة قهوة».

أمّا أبرز ما أدلى به ميقاتي فكان بما يتعلّق باستهداف الجيش، وكاد البعض أن يضحك عندما ردّ الموقوف على سؤال: «لماذا هذا العداء للمؤسسة العسكرية»، قائلاً إنّ «العداء من عندها (المؤسسة) وليس من عندي، فأنا لم أحرّض على الجيش، بل على العكس أنا من أدخل الجيش إلى المنطقة (باب التبانة) وأنا مشيت أمامهم»، مشدداً على «أنني لم أقتل العسكريين ولا أتحمّل مسؤولية ما قام به بعض المقرّبين مني (كفايز عثمان) إذا ما كانوا قد تعرّضوا للجيش».

دليل البراءة دائماً ما يكون جاهزاً في كلام ميقاتي، إذ قال إنّه لو أراد استهداف الجيش لكان فعل «قدّ ما بدّك»، لأن منزله كان يقع في منطقة يمرّ فيها العسكريون بلباسهم المدني أو العسكري وبسياراتهم وآلياتهم، مضيفاً: «إذا عسكري أطلق النّار باتجاهي فأنا أطلق النار عليه. إذا اعتدى عليّ أحدهم فلا مشكلة لديّ بإطلاق النار عليه»، متسائلاً: «هل أتركهم يقتلونني؟».

قصّة «خلية عاصون»

ثمّ أكمل «أبو الهدى» تفاصيل حياته بين مدّة خروجه من سجن رومية وعودته إليه في أواخر العام 2014. بالنسبة له، فإنّ «راية لا إله إلا الله» كانت مرفوعة في منزله في طرابلس منذ أكثر من ثلاث سنوات وقبل أن تقوم قيامة «الدولة الإسلاميّة»، ليبدو واضحاً أنّ الموقوف الذي أتى على ذكر «داعش» أكثر من مرة خلال استجوابه تقصّد عدم تسمية التنظيم إلا «الدولة» أو «الدولة الإسلاميّة».

وسرعان ما انتقل ميقاتي إلى حكاية عاصون، حيث قرّر الاختباء هناك بعدما صار مطلوباً، فيما اعترف بأن ابنه (عمر) كان في جرود عرسال. بكلّ بساطة، قالها الرجل: «كنتُ أؤوي نفسي وأؤوي المطلوبين». ثم بدأ بتسليح نفسه والمطلوبين واستنفارهم بعدما أتته معلومات أنّ جماعة «حزب الله» توجهوا إلى الجرود لإقامة الحواجز، وفق ميقاتي الذي أشار إلى أنّه كان يؤمن السلاح بنفسه وكان كسحة يساعده في ذلك.

فيما نفض «أبو الهدى» يديه سريعاً من عدد من المطلوبين الذين تمّ القبض عليهم أو قتلوا أثناء مداهمة منزله في عاصون (ومن بينهم الجندي المنشق عبد القادر الأكومي)، ليشير إلى أنّه لا يعرفهم وإنّما أرسلهم أبو الشيخ نبيل سكاف الملقّب بـ «أبو مصعب» (المنتمي إلى داعش).

حاول الموقوف تبرئة نفسه من هذه التهمة، وشدّد على «أنني لم أكن راضيا على مجيئهم إلى منزلي، إذ إنني حينما أكون مطلوباً أفضّل أن أكون وحدي، لا أرتاح لأحد عندما أكون مطلوباً»، نافياً معرفة من حرّض الأكومي على الانشقاق عن الجيش.

وسأل ميقاتي غاضباً العميد ابراهيم «هل تريدني أن أقول لك كيف دخل الجيش لإلقاء القبض علي؟»، ليستذكر في معرض دفاعه عن نفسه من تهمة استهداف الجيش، مشيراً إلى أنّ توقيفه جرى بعد إلقاء قنبلة أصابته في رجله، ثم إطلاق الرصاص من دون إيعاز بتسليم أنفسهم، لافتاً الانتباه إلى أنّه مع ذلك لم يطلق النّار على الجيش. فتدخّل ابراهيم قائلاً: «لم تسنح لك الفرصة لفعل ذلك»، ليردّ: «بلى سنحت، فجميع الموجودين في الشقة عندي كانوا بكامل سلاحهم، إلا أنني لم أفعل».

كذلك أنكر ميقاتي نيته تهريب عدد من الموقوفين من سجن رومية، لافتاً الانتباه إلى أن اتصاله الدائم بالموقوفين غسان صليبي وعثمان كان بقصد الاطمئنان عليهما وإرسال الدولارات إلى هواتفهما وليس بقصد تهريبهما.

يكاد المتهم بالتخطيط لإعلان الإمارة الإسلاميّة في الشمال من عاصون، أن يكون من أذكى الموقوفين العارفين في أمور المحكمة العسكرية. إذ رفض أن يجيب عن أسئلة مرتبطة بالقضيّة الأساسيّة المتعلّقة بشبكة عاصون، قائلاً مرّة «هذه القضيّة الأساسية نتكلّم بها في حينه»، أو «كلّ زمان ومكان وله مكانه»، أو رداً على سؤال عن لقائه بوالي الشام التابع لـ «داعش» أبو أيّوب العراقي: «هذه بعدين»… فيما تمسّك العميد ابراهيم بسؤاله عن بعض التفاصيل لأنّ «هناك أموراً متداخلة بين هذه القضيّة المتعلّقة بأحداث طرابلس وقضيّة عاصون، وما يختصّ باستهداف عسكريين».

مصالحة التبانة وجبل محسن

واستجوب العميد ابراهيم 9 آخرين في التّهمة نفسها نافين علاقتهم بالأمر، على أن يتمّ استجواب سعد المصري وزياد صالح الملقّب بـ «علوكي» في الجلسة المقبلة في 21 كانون الأوّل المقبل. فيما كان لافتاً الوئام الذي ساد خلف قضبان قفص المحكمة حيث وقف المدعى عليهم من باب التبانة وجبل محسن لحوالي الساعتين. هؤلاء أنفسهم الذين كانوا يتقاتلون بالأمس القريب.

المفارقة هذه سرعان ما قالها العميد ابراهيم، ليهزّ جميع الموقوفين رؤوسهم وبينهم «علوكي»، إذ تمنى أحدهم على «الجنرال» أن يتدخّل لإقامة مصالحة، فيما قال آخر: «المصالحة تّمت ولكن السياسيين لا يريدونها».