IMLebanon

إيران ومفتاح توسيع الحرب

 

 

بغض النظر عن الجدل الدائر بين «حماس» وإيران في شأن حقيقة دور «الجمهوريّة الإسلاميّة» في عملية «طوفان الأقصى»، يبقى أنّ حرب غزّة أدّت إلى إيذاء إسرائيل في العمق. تبدو الحرب انتصارا إيرانيا على إسرائيل، فيما لا يزال غير معروف مدى تأثير هذه الحرب على «حماس» ومستقبلها السياسي.  قبل «طوفان الأقصى»، كان بنيامين نتانياهو (بيبي) يفكّر في توجيه ضربة إلى إيران تستهدف منشآتها النووية. بدل توجيه مثل هذه الضربة، تلقى ضربة غير مباشرة تجعل مستقبله السياسي على المحكّ. الأهمّ من ذلك كلّه، أن إيران صارت الطرف القادر على توسيع الحرب أو حصرها بغزّة.

 

تعكس الحرب الدائرة حاليا بين «حماس» وإسرائيل، وهي حرب مرشّحة للتوسع، التحولات الكبيرة التي شهدها الشرق الأوسط في نصف قرن من جهة وقدرة «الجمهوريّة الإسلاميّة» على أخذ زمام المبادرة من جهة أخرى.

 

في الواقع لا تسيطر طهران على اربع عواصم عربيّة هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء فحسب، بل أثبتت الأحداث سيطرتها على قطاع غزّة عن طريق العلاقة العضويّة التي ربطتها تاريخيا بـ»حماس». تسيطر «حماس» على القطاع منذ منتصف العام 2007. بدأت السيطرة الفعليّة لـ»حماس» على غزّة مع الإنقلاب الذي نفذته على السلطة الوطنية الفلسطينية و «فتح» قبل 16 عاما فيما جلس محمود عبّاس (أبو مازن) يتفرّج. لا يزال «أبو مازن»ل يتفرّج إلى يومنا هذا على صعود «حماس» وأفول نجم السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها بكلّ ما تمثله.

 

كان التبرير الإسرائيلي للإنسحاب الكامل من غزّة في آب – أغسطس 2005 غياب الفائدة من السيطرة على القطاع، بل كل المطلوب التخلّص منه ومن مشاكله ومن كلّ من هو فيه. تحدّث مسؤولون اسرائيليون دائما عن تمنياتهم بأن «يشقّ البحر الأرض ويأخذ معه غزّة بمن فيها».

 

حدث الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في عهد حكومة كان على رأسها ارييل شارون. وقتذاك، قال مدير مكتبه دوف فايسغلاس في حديث نشرته صحيفة «هآرتس» أن هذا الانسحاب سيمكن إسرائيل من الإمساك بطريقة أفضل بالضفّة الغربيّة. لم تدر إسرائيل أنّه سيأتي من يستثمر في قطاع غزّة وفي «حماس» وذلك بغض النظر عمّا يحلّ بالفلسطينيين فيه. عمليا، استطاعت «الجمهوريّة الإسلاميّة» الإستثمار في «حماس» بطريقة ممتازة. استخدمت «حماس» في تشكيل تهديد لإسرائيل، عن طريق صواريخ لم تكن تمتلك فعاليّة كبيرة في البداية. إستطاعت لاحقا استخدام «حماس» في التأثير في الداخل المصري عن طريق دعم الإخوان المسلمين. لعب هؤلاء دورا مهمّا في اسقاط نظام حسني مبارك وما لبثوا أن استولوا على السلطة قبل أن يخلعهم الشعب المصري بدعم من القوات المسلّحة ومن العرب الشرفاء في الثلاثين من حزيران – يونيو 2013.

 

تطرح الحرب التي شنتها «حماس»، التي استطاعت قتل عشرات الإسرائيليين واسر عدد كبير من الجنود والمدنيين بعدما تمكنت من التوغل في العمق الإسرائيلي، أسئلة عدّة. بين الأسئلة مصير حكومة بنيامين نتانياهو. لا شكّ أن المؤسسة العسكريّة والأمنية تتحمّل مسؤولية مباشرة عن الهزيمة التي لحقت بإسرائيل، لكنّ الأكيد أن ثمة حاجة إلى جهة تدفع الثمن السياسي لما حصل. هنا يأتي «بيبي» وحكومته. هناك كارثة حقيقيّة حلّت بإسرائيل التي سيكون عليها إيجاد حكومة جديدة لا علاقة لها بالحكومة الحالية وما تمثله. أخذت هذه الحكومة إسرائيل إلى حيث هي الآن. كان الهدف من قيامها انقاذ رأس بنيامين نتانياهو وليس البحث عن تسوية مع الفلسطينيين الموجودين في الداخل الإسرائيلي وفي الضفّة الغربيّة وغزة. عدد هؤلاء بين سبعة وثمانية ملايين. ما الذي ستفعل إسرائيل بشعب كامل محروم من ابسط حقوقه ما زال يقيم على أرض فلسطين؟

 

سيسهل ما قامت به «حماس»  ارتكاب إسرائيل محرقة في حق الشعب الفلسطيني، محرقة تشبه إلى حد كبير ما تعرّض له اليهود أيام هتلر في اربعينات القرن الماضي. لن يحلّ ذلك أي مشكلة من المشاكل التي تواجه الدولة العبريّة التي بات يسيطر عليها يمين متطرف يتبع سياسة لا أفق لها.

 

على الرغم من مرور نحو ثلاثة أشهر على حرب غزّة، لا يزال الحدث في بداياته. لا تزال نتائج الحرب، التي كشفت مدى نجاح ايران في إستثمارها في «حماس»، غير معروفة. ليس معروفا هل تتوسع الحرب إلى الضفّة الغربيّة وهل يفتح «حزب الله» جبهة جنوب لبنان. الأمر الوحيد الأكيد أنّ لا مستقبل سياسيا لحكومة «بيبي» مهما ارتكب من مجازر في حق الفلسطينيين. لا يمكن الإستخفاف بوجود هذا العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» وما سيترتب على نقل هؤلاء إلى داخل غزّة.

 

يبقى  أنّ الحرب التي شنتها «حماس» تحت تسمية «طوفان الأقصى» لا تحرج معظم الجهات العربيّة فقط. ستلي هذه الحرب نتائج خطيرة، على صعيد الشرق الأوسط كلّه، خصوصا أنّها الأولى من نوعها التي تخوضها ايران مع إسرائيل بواسطة فلسطينيين اثبتوا قدرة على استخدام صواريخ متطورة وشنّ هجمات انطلاقا من غزّة.

 

ما الذي ستفعله الولايات المتحدة التي تدرك الإدارة فيها أن على إسرائيل التخلص من حكومتها الحالية في حال كانت تريد بالفعل الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه. في أساس هذا المأزق الإصرار على تجاهل وجود الفلسطينيين كشعب. مثل هذا التجاهل مكّن ايران من التوغل في عمق الدولة العبريّة وردّ الصاع صاعين على كلّ العمليات التي نفذها الموساد (جهاز الإستخبارات الإسرائيلي) في الداخل الإيراني…

 

مثل هذا التجاهل للشعب الفلسطيني يفرض وجود «عقلاء» في الجانب العربي أيضا يفكرون منذ الآن في كيفية الإستفادة من الحرب التي شنتها «حماس»… بدل ترك ايران تستفيد من «حماس» وتستخدمها على طريقتها. كيف ذلك؟ تستخدم «الجمهوريّة الإسلاميّة» كل ادواتها في المنطقة، بمن في ذلك الحوثيون في اليمن لتقول أنّها تمتلك مفتاح توسيع الحرب!