IMLebanon

من اميل تيان الى فريد عجيب: ارتقِ فالقاع قد امتلأ ….متى يتدخل الرئيس عون لإنهاء محنة بهيج ابو حمزة؟!

كتب عوني الكعكي

بتاريخ ٠٦-٠٧-١٩٤٩، ألقت السلطات السورية القبض على رئيس ومؤسس الحزب القومي السوري الراحل أنطون سعاده بعدما كانت قد أعطته اللجوء السياسي في أراضيها، وذلك بعد توافق بين رئيس الجمهورية السورية آنذاك الراحل حسني الزعيم ورئيس الحكومة اللبنانية الراحل رياض الصلح.

وفي اليوم ذاته، تم تسليم سعاده إلى الأمن العام اللبناني، حيثُ أحيل إلى المحكمة العسكرية وجرت محاكمته على يومين متتاليين في السابع والثامن من شهر تموز، حيث صدر في ٠٨-٠٧-١٩٤٩ حكم الإعدام المبرم بحق سعاده، بعدما تم حرمانه وحرمان وكيله المحامي الراحل إميل لحود من حق الإطلاع على الملف لإعداد الدفاع الصحيح عن موكله في تهمة التآمر على الدولة الموجّهة ضدّه.

لم يكن أمام المحامين وكلاء سعاده سوى التقدم بطلب العفو، وكان القاضي المقدام إميل تيان بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى هو من يترأس لجنة العفو التي قدم إليها الطلب‪. التتمة ص١٨

في الليلة ذاتها إتصل الرئيس بشارة الخوري بالرئيس إميل تيان وطلب منه الحضور إلى القصر الجمهوري في الصنائع لمقابلته، وحين حضر طلب منه الرئيس الخوري أن يتصل بأعضاء لجنة العفو للحضور فوراً إلى القصر الجمهوري لرد الطلب.

رفض الرئيس تيان هذا الطلب وقال للرئيس الخوري أنه هو الذي يدعو لجنة العفو إلى الإجتماع في الزمان والمكان اللذين يراهما مناسبين، وتحديداً في مكتبه في قصر العدل وليس في أي مكان آخر مهما علا شأنه، ثم غادر معتذراً‪.

وعلى الأثر إستدعى الرئيس الخوري نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى النائب العام التمييزي آنذاك الذي وافق على طلب رئيس الجمهورية وجمع اللجنة في القصر الجمهوري وأعطت قرارها برد الطلب، وما كانت سوى ساعات حتى تمّ تنفيذ حكم الإعدام، واليوم التالي ما كان سوى يومٍ آخر.

قدّم عندئذ الرئيس تيان إستقالته من القضاء رافضاً تدخل السياسة في العمل القضائي، حتى عاد بعد سنوات إلى جناح العدالة وزيراً للعدل متوّجاً بتاريخه النزيه وذلك في حكومة الرئيس رشيد كرامي في عهد الرئيس شارل حلو.

وفي خلاصة هذه المقدّمة نستنتج، أنّ ذكر القاضي الشريف النزيه المستقيم لا يغيب حتى بعد ٦٨ سنة على وقوع الحادثة، ولايزال يوجد حتى اليوم أشخاص يؤرّخون ويكتبون ويذكرون بهذا الموقف النبيل والمشرّف للقضاء، في حين غاب عن ذاكرة التاريخ حتى مجرد إسم النائب العام التمييزي الذي قبل رد طلب العفو في القصر الجمهوري، لا بل رمى إسمه وسنوات عمله في مزبلة التاريخ.

واليوم، بعد ٦٨ سنة على هذه الحادثة، التاريخ يعيد نفسه، مع إختلاف بالأسماء،

فقصر المختارة يلعب اليوم دور قصر الصنائع،

وليد جنبلاط يلعب دور بشارة الخوري،

بهيج ابو حمزة  في دور أنطون سعاده،

وجدي أبو حمزة ووائل أبو فاعور يلعبان دور حسني الزعيم،

الرئيس الأول طنوس مشلب يلعب دور إميل تيان،

قاضي التحقيق فريد عجيب يلعب دور النائب العام التمييزي المنسي إسمه،

النائب العام المالي علي إبراهيم يلعب دور الأمن العام،

تهمة الإفلاس الإحتيالي والتآمر على البيك حلّت مكان تهمة التآمر على الدولة،

والتوقيف الإحتياطي إلى ما لا نهاية والقتل البطيء لأبو حمزة حلّ مكان حكم الإعدام المبرم،

وفي التفاصيل،

بعدما صار إخلاء سبيل بهيج أبو حمزة قاب قوسين أو أدنى في شهر حزيران من العام الماضي، إجتمعت وكيلة النائب جنبلاط لمدّة ٥٥ دقيقة مع النائب العام المالي علي إبراهيم في مكتبه.

في اليوم التالي، قدّم النائب جنبلاط شكوى أمام هذا النائب العام، ليحيلها بعد دقائق إلى إحدى المفارز للتحقيق أبو حمزة، مرسلاً برقية إلى مركز توقيف أبو حمزة في مستشفى الحياة طالباً عدم إخلاء سبيله بنيّة التحقيق معه قريباً، رغم أن القانون ومنذ مئات الأعوام وتحديداً منذ ١٥-٠٦-١٢١٥، تاريخ إصدار الوثيقة العظمي للحريات ‪Magna Carta Libertatum أو The Great Charter of the Liberties في عهد الملك هنري الأول والتي تنصّ على منع توقيف أو معاقبة أي شخص إلا وفقاً لأحكام القانون.

أمّا ما حصل بعد ٨٠٢ عامين، وللمصادفة في ١٥-٠٦-٢٠١٧، فكانت الوثيقة العظمى للفساد في عهد الملك علي إبراهيم الأول.

يتمّ توقيف شخص قبل إستجوابه، قبل الإستماع إليه، بل لمجرّد ورود شكوى من قصر الصنائع، عفواً، قصر كليمنصو.

أخذت التحقيقات يومين، ليسا السابع والثامن من تموز، بل السادس عشر والسابع عشر من حزيران، وفي اليوم الثالث صدر إدعاء النيابة العامة المالية على الشيخ بهيج ابو حمزة بتهمة الإفلاس الإحتيالي والتوقف عند دفع ديونه التجارية، والمضحك… أنه ليس تاجراً.

أحيل الملف إلى قاضي التحقيق في بيروت فريد عجيب الذي إتخذ قراراً فريداً عجيباً بتوقيف أبو حمزة وجاهياً دون الإستماع إليه ودون السماح له بتبلغ نسخة عن الشكوى المقامة ضدّه وتقرير الخبير المرفق بها.

إستأنف أبو حمزة القرار أمام الهيئة الإتهامية المنتدبة برئاسة القاضية فريال دلول طالباً منها فسخ هذا القرار لعدم جواز التوقيف قبل الاستجواب، تماماً كما فعلت قبل ١٥ يوماً في قضية مماثلة.

وبسحر ساحر، تحول إجتهاد هذه المحكمة من عدم جواز توقيف المدّعى عليه قبل إستجوابه إلى جواز هذا التوقيف لحماية المدّعى عليه! ممّن أرادت هذه المحكمة حماية أبو حمزة؟ وما هي الرسالة التي وصلتها والتي جعلتها تستشعر الخطر على حياة أبو حمزة في حال إطلاق سراحه؟

وعلى كل حال، مرت سبعة أشهر على التوقيف، فيما القانون ينص على حدّ أقصى هو ستة أشهر، فتقدّم أبو حمزة بطلب لإخلاء سبيله، رفضه الفريد العجيب، أي رفض أن يبت به لا سلباً ولا إيجاباً، لأنّه إن قبله، غضب قصر المختارة، وإن رفضه، قد تفسخ قراره محكمة الإستئناف وتخلي سبيله كما فعلت الأسبوع المنصرم الغرفتان الثامنة والعاشرة اللتان أخلتا سبيل أبو حمزة في قضية إفلاس إحتيالي أخرى مقامة ضدّه من إحدى شركات وليد جنبلاط.

وإن صدق الوزير السابق وئام وهاب في كلمة قالها، فهي أن الشيخ بهيج أبو حمزة معتقلٌ مخطوفٌ مظلومٌ، لا مبرّر لتوقيفه ولا دليل ولا سند قانوني، لا بل إتهامات بجرائم لا تركب على قوس قزح، فكيف يتم توقيف شخص ليس تاجراً في جرم خاص بالتجار؟

وكيف يمنع أبو حمزة من تبلغ الشكوى، في حين يسمح لجنبلاط بتبلغ جميع الأوراق في الملف، في شكل مخالف للقانون؟

وكيف يبقى أبو حمزة موقوفاً ٧ أشهر دون أن يصار إلى التحقيق معه سوى لمدّة ٣٠ دقيقة إنتهت بصراح القاضي عجيب بالقول “ممنوع تتنفس، بدي أنظر بالملف غصب عنك”؟

اتقِ شر من أحسنت إليه

وكيف يسمح القاضي عجيب لنفسه أن ينظر في هذا الملف وهو الذي يجاهر بالولاء السياسي للحزب التقدمي الإشتراكي، وهو الذي يدين للنائب جنبلاط بالكثير من الأمور التي لها حلقة خاصة قريبة، وإنتقل يومها إلى المختارة في سيارة بهيج أبو حمزة الذي تواسط له مع جنبلاط ليستقبله!؟

ابو فاعور يعطي التعليمات

هذا فضلاً عن تجاوزات عديدة وكثيرة أخرى يقوم بها هذا القاضي بشكل فريد وعجيب، بتعليمات من الوزير السابق وائل ابو فاعور، الذي يجاهر بالإتصال بالقاضي لإعطائه التعليمات أمام أصدقائه وزواره والذين نقلوا لنا تفاصيل هذه الإتصالات؟

وهل يجرؤ القاضي فريد عجيب على أن يبرز للرأي العام كشفاً بحركة إتصالاته ويثبت أنّه لم يتلقَ اي إتصال من النائب وليد جنبلاط أو من الوزير وائل أبو فاعور؟

لماذا لا يدخل المدعي العام التاريخ

يبقى السؤال الذي يطرح ذاته: لماذا لا يكون النائب العام التمييزي رجلاً مقداماً وجريئاً تتناول الأجيال الآتية اسمه وتتباهى بانتمائه الى وطن الشرفاء؟

دعوة مفتوحة

وفي الختام، تحيّة إلى روح كل قاضٍ شريف ونبيل حمى عصمة القضاء من غبار الفاسدين القلة، ودعوة إلى مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل الأستاذ سليم جريصاتي إلى وضع حدّ لهذه المهزلة القضائية، كما وضع حدّ لقضاة الديليفيري، كما اسماهم الوزير وهاب، عن حق من جديد.