IMLebanon

عون يهدد بمقاطعة الحوار ويتريث امام خطورة الشارع

ما دام مسار الازمة في لبنان على التوقيت السوري، اين هي سوريا الآن؟ يعترف ديبلوماسيون اوروبيون في بيروت ان بلادهم باتت جاهزة لاعادة ترتيب علاقاتها مع دمشق، وبعدما تأكد ان النظام الذي تعرّض لكل اشكال الضربات لم يسقط ولن يسقط…

واذا كانت الديبلوماسية الفرنسية قد فقدت صدقيتها، وديناميكيتها، منذ ان حلّ لوران فابيوسا «ملكاً» في الكي دورسيه، لتتحول الى «عصا بلهاء»، بحسب تعبير وزير الخارجية السابق ايرفيه دو شاريت، في يد اكثر من بلاط، فان هناك دولاً اوروبية تعتقد ان خروج سوريا من دوامة الدم لا يمكن ان يتحقق الا بالتفاهم مع النظام، وان كان لا مجال البتة ليعود كما كان…

هذا لا يعني انه لا توجد اصوات داخل الاستخبارات الفرنسية، كما داخل وزارة الدفاع، وتدعو الى اعادة النظر والى حد التنسيق مع السلطات السورية، لان المفهوم الكلاسيكي، كما المفهوم الثوري، للثورة قد سقطا معاً…

كل ما في الامر ان هناك صراعاً بين قوى اقليمية، وبعضها يفتقد الحد الادنى من الحد الادنى من الديموقراطية، وحرية الرأي، إن حول اقتسام سوريا جيوبولتيكياً او حول ابتلاعها جغرافياً ليغدو لبنان في مهب الريح..

ولم يعد سراً ما هو رأي جان – مارك ايرولت في السياسيين اللبنانيين الذين يعتقد ان آخر ما يعنيهم انقاذ بلادهم من براثن الاحتمالات التي ستندفع نحوهم، في لحظة ما، من الاراضي السورية، بل وايضاً من براثن الاحتمالات التي تتربص بهم في الداخل…

وتبعاً لما يتردد في باريس، فان الاستخبارات الفرنسية التي تقدم، دورياً، تقارير للخارجية الفرنسية، تعتبر ان لبنان لم يتحول الى مجرد لوبيات ترتبط بالخارج، بل تحول الى كانتونات، فهناك الكانتون السعودي، والكانتون الايراني، والكانتون التركي، وحتى الكانتون الاسرائيلي…

هذا الوضع يجعل لبنان على حافة الهاوية، بل وداخل الهاوية، اذا لم تكن هناك تسوية وشيكة للازمة السورية، ليشير احد التقارير، وبحسب ما تنقل شخصية لبنانية (افريقية) وعملت سنوات بصفة استشارية في قصر الاليزيه، الى ان المسيحيين في لبنان في اسوأ احوالهم منذ سنوات الحرب الاهلية.

المسألة لا تتعلق بتهديد وجودهم لان لعبة الخرائط لا تزال على تعثرها بسبب تضارب المصالح، وفي هذه الحال فان وجود لبنان نفسه قد يتحول الى مادة للبحث بسبب تشابك القوى الضاغطة والمسألة تتعلق بالانعدام الكامل للرؤية، الرؤية المتشركة بوجه خاص.

وفي ضوء ما ينقل فان المسيحيين الذين كرسوا الاطار العام للديموقراطية، ووفق النموذج الغربي، داخل بلد يقع في منطقة تعتبر معظم انظمتها ان الديموقراطية «خيار قاتل» باتوا ابعد الناس عن ممارسة الديموقراطية حتى في الصراع، او في المنافسة، في ما بينهم..

والاستخبارات الفرنسية لا تحمّل المسيحيين وزر الشغور الرئاسي ما دام السنّة والشيعة قد ربطوا النظام السياسي، كما صيغة الحكم، وحتى شكل الدولة وصولاً الى رئاسة الدولة، بالتطورات الاقليمية التي ما زالت تتدحرج في كل الاتجاهات…

وبحسب ما ورد في التقرير فان معجزة ما حدثت، وفرضها ترشيح الزعيم السني الاول سعد الحريري، من باريس، لنائب ينتمي الى عائلة مارونية عريقة وتعرف علاقاتها التاريخية مع دمشق (سليمان فرنجية).

هذه المعجزة تمثلت بالتفاهم بين القوتين المسيحيتين الاساسيتين، وهما التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية». ولعل المشكلة ان هذا التفاهم، ولسبب ما، جعلهما اكثر ضعفاً واكثر عجزاً، عن ايصال مرشح لرئاسة الجمهورية ولو الى منتصف الطريق.

هل ثمة «خلل ما» في التفاهم، ام انه الافتقاد الى البعد الاستراتيجي ما دام التيار حليفاً ثابتاً لـ«حزب الله» وما دامت «القوات» عدواً ثابتاً لـ«حزب الله».

ـ وحدة المسار والمصير ـ

في نهاية المطاف، اقرار بان المسار (والمصير) اللبناني يرتبط بالمسار (والمصير) السوري، وان كانت مقولة «وحدة المسار والمصير» ابان الوجود السوري في لبنان تحولت الى مهزلة لان الضابط السوري الذي اختار ان يقيم، بسبب غامض، في تلك البلدة الارمنية في وادي البقاع (عنجر) هو من كان يحدد مصير لبنان، صلاحيات تفوق بكثير صلاحيات المفوض السامي ما ادى الى تقويض اضافي للتجربة السياسية في لبنان.

الديبلوماسيون الاوروبيون يقرون بانه ما من خطوة عملية وعملانية في اتجاه اعادة تطبيع العلاقة مع دمشق قبل ان يستقر الامر للادارة الاميركية العتيدة، وتتبين طبيعة السياسات التي ستنتهجها حيال الازمة السورية، وان كان التصور العام انه اذا ما وصلت هيلاري كلينتون، وهذا هو المرجح في الوقت الحالي، فلن تحيد عن المسار الذي اتخذته ادارة باراك اوباما.

وفي رأيهم ان مسار الادارة الحالية ليست مسار رجل وانما هو مسار الـEstablisment التي طالما اعتبر اركانها ان الحالة السورية هي مزيج من الحالة الفيتنامية والحالة الافغانية وحتى الحالة العراقية، ما يجعل التورط فيها رهانا  كارثياً وبما تعنيه الكلمة.

هذا فيما يعتبر احد هؤلاء الديبلوماسيين ان التطورات الاخيرة التي بدأت مع محاولة الانقلاب في تركيا ستجعل الادارة الجديدة امام واقع لا يمكن تخطيه، الاتراك على الارض، الايرانيون والاهم انهم الروس..

ـ كلينتون والتسوية ـ

وحتى اذا لم تتمكن العملية الديبلوماسية الناشطة بين جون كيري وسيرغي لافروف من تحقيق شيء ما قبل «الثلاثاء الكبير» في تشرين الثاني المقبل، فان كلينتون لن تجد امامها سوى كلمة واحدة وبالخط العريض «التسوية».

والحديث الاوروبي حول «الغضب السعودي» يطول. الرياض لا تثق بالدور الاميركي في سوريا حيث يبدو شكل ما من اشكال التناغم بين موسكو وطهران وانقرة، وفي اليمن حيث سحب الاميركيون معظم مستشاريهم لاسباب اقل ما يقال فيها انها مضحكة، ودون تقديم المساعدة اللازمة للحيلولة دون التهلكة والسقوط في المتاهة اليمنية.

ولم تعد الاتهامات الموجهة الى واشنطن بانها هي من منعت باكستان ومصر من تقديم الدعم العملاني للتحالف ضد «انصار الله» وجماعة علي عبد الله صالح. تتردد همساً في الرياض بل ان مسؤولين كباراً يتداولون الاتهامات علناً…

ولعل المثير هنا، ما يتردد من ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ولدى لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين حمل الرياض مسؤولية قطع الطريق على اي تسوية تتعلق بالوضع في سوريا. عمليا،ً لبنان في قعر الحقيبة  الديبلوماسية.

التطورات السورية اعادت خلط الاوراق. هذا كان له انعكاسه على الوضع في لبنان، فيما تعترف جهات مطلعة داخل قوى 14 آذار بأن الازمة الراهنة «تختزل بشخص يدعى… سعد الحريري»، اين هو الان، وهل حقاً انه ابدل المظلة السعودية بالمظلة التركية بعدما تبين له ان الرياض حافظت على خطوط ساخنة مع شخصيات تنافسه على رئاسة الحكومة، ومن فؤاد السنيورة الى اشرف ريفي مروراً باسماء اخرى.

ـ ريفي الزعيم ـ

الآن بدأت جماعات في طرابلس تقول علناً ان الحريري انتهى. هذه الجماعات تعلق صور وزير العدل المستقيل وترى فيه الزعيم المقبل للسنة. وقد فاجأ الكثيرين بحملته على مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار والذي يبدو الى حد بعيد، انه بات من دون اي تغطية سياسية تؤمن له البقاء في منصبه وسط تلك الاجواء المعقدة.

لا بل ان هذه الجماعات واثقة من ان شعبية ريفي في تزايد وشعبية الحريري في تناقص، والى حد القول انه ليس باليوم البعيد ذلك اليوم الذي يستطيع فيه ريفي منع رئيس تيار المستقبل من زيارة عاصمة الشمال.

وتشير الجهات اياها الى ان الحريري مستعد في اي لحظة لعقد صفقة مع العماد ميشال عون، ولكن هناك من يحذره بأن اقدامه على مثل هذه الخطوة، في ضوء اوضاعه المالية والسياسية السيئة، قد تحرمه من شعبيته، كما من رئاسة الحكومة…

الحريري صامت، السنيورة صامت، وزير الداخلية نهاد المشنوق صامت. الكلام للنائب احمد فتفت وحده الذي يكرر المواقف نفسها،وصولاً الى النائب عاصم عراجي الاقل حدة، وقد يكون الاقل معرفة بما يتردد داخل جدران بيت الوسط…

هل ازمة رئاسة الجمهورية باتت مرتبطة بازمة سعد الحريري؟ ما يقال في الكواليس حول «ازمات» الرجل خطير بكل المعايير، والى حد القول ان السعوديين ربما تخلوا عنه، وهناك من يحرض ضده في الرياض على انه يستميت للعودة الى السرايا الحكومية، وهو مستعد لعقد اي صفقة حتى ولو كانت هذه الصفقة مع «حزب الله».

يتردد ايضاً ان وضع «الشيخ سعد» صدم الحلفاء من النائب وليد جنبلاط الذي يعرف الكثير، ويتخوف من الكثير، الى الدكتور سمير جعجع الذي لا بد انه وضع المتخوف من انتقال الزعامة السنية الى شخصية اخرى، وان استقبل ريفي في معراب بالكثير من الحفاوة، ودون ان يكون بالامكان التأكد من صحة المعلومات التي ترددت آنذاك حول عرض جعجع التوسط لرأب الصدع بين الحريري وريفي…

اوساط بيت الوسط تقول ان هناك مبالغة في تصوير الازمة المالية لدى الحريري (!!). وتؤكد ان علاقاته مع الرياض ممتازة، وكتلة المستقبل لا تزال على مواقفها دون ان تشير امس الى موعد عودة الحريري بعدما كانت المعلومات قد اشارت الى امكانية عودته بين يوم وآخر.

الكتلة اكدت ان مرشحها الوحيد لرئاسة الحكومة هو سعد الحريري، لتشير الى ان «حزب الله» يحاول ان يفرض تعيين هذا المرشح على اللبنانيين حيث يخيرهم بين انتخاب العماد عون او يحل عليهم وعلى لبنان استمرار الشغور والخراب واللعن».

ولفتت الى «المفتاح الحقيقي للخروج من هذه الازمة الطاحنة التي يفتعلها ويفاقمها «حزب الله» والتيار الوطني الحر هو في العودة الى الالتزام بالاولويات الصحيحة، وهي اولوية انتخاب رئيس الجمهورية حسب القواعد الديموقراطية المنصوص عنها في الدستور، وهذا الامر هو الكفيل باستعادة الميثاقية وتعزيز الاستقرار والنهوض الوطني».

ـ بو صعب عند بري ـ

وكما في الثلاثاء الفائت، وقبيل اجتماع تكتل التغيير والاصلاح، حط وزير التربية الياس بو صعب (الذي يتردد ان له  مكانة خاصة عند رئيس المجلس النيابي) في عين التينة، ليصرح بان بري اكد له «ان الموضوعين الاساسيين في السياسة وفي الاقتصاد هما قانون الانتخابات وملف النفط.

وقد جرى الاتفاق بشأنهما مع رئيس التيار جبران باسيل، اما في ما يتعلق بملف الرئاسة، التفاهم يجب ان يشمل سلة، وهو ما لم يعجب البعض، وموضوع الرئاسة يشق طريقه الى الحل اذا ما حصل تفاهم مع الافرقاء الاخرين على قانون الانتخابات». اضاف «ان الايام باتت معدودة امام التفاهم الذي يمكن ان يحدث، واذا كانت النوايا جيدة، يحصل خرق في جلسة الحوار في 5 ايلول، واذا لم يتم ذلك، تفعيل عمل الحكومة».

واكد بو صعب جدية التعامل مع القرارات التي يمكن ان تتخذ في حال لم تحل المواضيع المطروحة من قبل التيار والتي حملته على مقاطعة جلسة الحكومة، ناقلاً عن بري حرصه على ان يشارك الجميع في الحكومة لضمان فاعليتها.

وخلا بيان تكتل التغيير والاصلاح، بعد جلسته الاسبوعية، من العبارات التصعيدية، لكنه اشار الى ان التكتل سيطعن في كل القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة امام مجلس الشورى، مطالباً باعطاء الاولوية في جلسة الحوار لتفسير الميثاقية.

ـ الميثاقية على الطاولة ـ

ورأى التكتل «ضرورة توحيد المفاهيم الميثاقية وقواعد تطبيقها بين كل المكونات اللبنانية، وهذه مفتاح الحل لكل البنود الاخرى التي على طاولة الحوار، والا ستكون امام خطر فقدان الحوار قيمته، وبالتالي عدم حضور جلساته.

التهديد بالشارع لم يرد في اي من تصريحات امس، بعدما ذكرت معلومات ان هناك من نصح عون بالتخلي عن هذا الخيار الذي قد تكون له مفاعيله الخطيرة على التيار، كما على الوضع العام في البلاد.

واذ تشير مصادر مسؤولة في قوى 8 آذار ان كل من هذه القوى تعارض لعبة الشارع ومفاعيلها الخطيرة، كان لافتاً الكلام الصريح جداً لمستشار رئيس «القوات اللبنانية» العميد وهبي قاطشيا الذي لاحظ مراقبون انه انما يتكلم بلسان جعجع شخصياً.

قال «ان القوات ضد النزول الى الشارع الذي لا يمكن اللجوء اليه الا بعد استنفاد جميع الحلول، ونحن مع التيار للضغط من اجل رئاسة الجمهورية، ولكن ليس بالنزول الى الشارع اذ في حال نزلنا لا تعود هناك من عودة الى الوراء، ونحن نعلم كم كلف ذلك اللبنانيين من شهداء».

وفي اطار التمايز، اكد قاطيشا «اننا مع تعيين قائد جديد للجيش، لكنا ضد الفراغ في المنصب اذا ما تعذر التعيين، كما اننا ضد اسقاط الحكومة لانها آخر ملاذ دستوري».