IMLebanon

ما يقوله الديبلوماسيون الروس في لقاء بوتين ومحمد بن سلمان

في أسوأ الاوقات، وفي أسوأ العلاقات، وفي اسوأ الاحتمالات، انعقدت جلسة الحوار أمس، النتيجة: الدولة معلقة ولبنان دخل في أزمة نظام «النظام الذي في خطر».

قنبلة الوزير جبران باسيل التي وضعها على الطاولة والتي حملت عنوان «الميثاقية» انفجرت وفجّرت معها الجلسة التي رفعت دون تحديد الجلسة المقبلة، بعدما كان واضحاً ان كل الطرق مقفلة حتى أمام انصاف الحلول…

لا توافق على رئاسة الجمهورية، ولا توافق على قانون الانتخاب، من يضع الخط الأحمر امام  ميشال عون لمنعه من الوصول الى القصر الجمهوري ومن يضع الخط الأحمر امام سعد الحريري لمنعه من الوصول الى السرايا الحكومية؟

«الديار» سألت أمس كيف يتعامل الرئيس بري مع الالغام التي على الطاولة؟ لا شيء  افضل من ان ينفجر اللغم الاول لكي يتناثر المشاركون لعلهم يشعرون بمدى الأزمة التي وضعوا أنفسهم في داخلها.

بري بعث برسالة الى الجنرال «لا تنتحر»، لعل انفجار الأمس قد يحدث الصدمة، ماذا يستطيع رئيس التيار الوطني الحر سوى ان يقاطع الحكومة؟ الرئيس تمام سلام جاهز للاستقالة، اذ أن ترؤس حكومة تصريف اعمال أفضل بكثير من ترؤس حكومة مشلولة او من ترؤس جلسة للمصارعة.

ولكن هل ان باستطاعة وزير الدفاع سمير مقبل اذا ما استقالت الحكومة ان يوقع قراراً بالتمديد لقائد الجيش جان قهوجي، وماذا اذا استمر الفراغ في السلطة التنفيذية لحين انتهاء الولاية الممددة للمجلس في حزيران المقبل؟ هذه مسألة ممكنة جداً اذا ما اخذ بالاعتبار تأكيد أكثر من جهة دولية بأنه اذا ما انطلقت العملية الديبلوماسية في هذه اللحظة فلن تنجز قبل عامين أو ثلاثة…

الأخطر من ذلك، السؤال الذي بدأ يتردد في المحافل الديبلوماسية: أزمة دولة أم أزمة نظام؟ كل شيء يوحي بأن الوضع في لبنان ذاهب باتجاه اعادة النظر في اتفاق الطائف، وفي دستور الجمهورية الثانية، وبالطبع اعادة النظر في بنية النظام نفسه.

ما يحدث الآن مجرد كرنفال سياسي، بري يعلم ذلك، وسلام يعلم ذلك، وسعد الحريري، المجهول الاقامة وربما المجهول المصير في هذه الساعة يعلم ذلك، ويعلم ان عودته الى السرايا الحكومية مستحيلة كما عودة عون الى القصر بلقب صاحب الفخامة، لا باللقب القديم صاحب الدولة، مستحيلة.

لا رئيس للجمهورية ولا رئيس حكومة، ما على سلام سوى ان يحمل لقب «صاحب الفخامة». توماس شانون ابلغه بضرورة البقاء ما دام يسند ذراعه الأيمن الى جان قهوجي وما دام يسند ذراعه الايسر الى رياض سلامة، حاكم المصرف المركزي.

قنبلة باسيل بدأت بمرافعة مطولة حول الميثاقية والتمثيل المسيحي الذي «لحق به الغبن منذ التسعينات من القرن الفائت»، ليكرر القول ان التمثيل المسيحي في الحكومة اليوم هو 6 في المئة ما استدعى رداً صاعقاً من النائب سليمان فرنجية الذي سأله «من تكون انت حتى تحدد نسبة التمثيل المسيحي، وكيف يحق لك ان تتحدث عن التمثيل المسيحي وأنت راسب في الانتخابات النيابية؟».

واذ تردد ان رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة اثنى على موقف فرنجية، تصاعد الوضع بسجال بين هذا الأخير وكل من باسيل والنائب حكمت ديب، وتدخل عدد من السياسيين لفض الاشتباك الذي تخلله تبادل التشاؤم، حتى ان مشاركاً في الحوار قال لـ«الديار» لقد فكرت للحظة بأن ادعو الى الاستعانة بالقوى الامنية في رئاسة المجلس خشية الاشتباك بالايدي وربما ما هو اخطر من ذلك».

واذ عادت الاجواء الى بعض الهدوء طلب رئيس التيار الوطني الحر  أجوبة حول الميثاقية، قائلا انه اذا لم يتلق أجوبة فسيعلق مشاركة التيار في الحوار وانسحب، وهنا رد بري بالقول «اذا علقت المشاركة فسنعلق جلسات الحوار»، وعند ذاك رفعت الجلسة دون تحديد موعد الجلسة المقبلة.

بعض المشاركين اقترحوا اجراء مشاورات جانبية مع سلام، فقال باسيل ان المشكلة ليست معه. واثر انتهاء الجلسة، صرح باسيل، بـ«اننا اليوم طرحنا موضوع الميثاقية في جلسة الحوار كوننا نعتبر ان الميثاق اسمى ما في بلدنا وتكوينه، وعندما يفقد الميثاق وتطبيقه نخسر البلد» مشيراً الى انه في قانون الانتخاب، وفي الممارسة اليومية للسلطة، وفي التعيينات كلها ممارسات غير ميثاقية وآخرها في الحكومة».اضاف كيف ان الحكومة «لا تفقد ميثاقيتها اذا كان بقية الوزراء الموجودين فيها يمثلون 6% من المسيحيين بحسب آخر انتخابات عام 2009».

وسأل باسيل «ما هو مفهوم الشراكة الوطنية اذا عدنا لنعيش الظلم ذاته منذ عام 2005 وحتى اليوم» ونعلم انه سيستمر لعدم وجود ارادة وطنية بأن نكمل مسيرة بناء هذا الوطن سوية بمساواة وعدالة. اذاً وجودنا في الحوار لا فائدة منه».

ـ بري: اخطر جلسة وأخطر كلام ـ

وأكد «اننا لم نعل نتحمل»، في حين قال فرنجية «مشكلتنا معكم انكم لا تعترفون بأحد ولا تقرأون لأحد. وسأل بري «لوين رايحين، انها اخطر جلسة وأخطر كلام؟».

ولدى خروج فرنجية من القاعة، قال «ان لدى باسيل الكثير من الأشياء المحقة لكن خلافنا حول الاسلوب»، مضيفاً «مطلوب مني ان الغي نفسي ولن افعل».

واعتبر «ان ربط الرئاسة بالشخص أو أي طائفة بشخص شيء غير مقبول»، وقال «ساعة يقولون ألا تمثيل لنا وساعة يقولون ان تمثيلنا 6%. نحن موجودون، ولسنا مقطوعين من شجرة، فالآلة الحاسبة لدى التيار الحر غريبة ولهم حساباتهم الخاصة».

وأشار النائب غازي العريضي الى «ان الجلسة انتهت الى غير ما نريد والى غير ما نقبل به ان يستمر، وتعليق جلسة الحوار لفترة زمنية معينة، واركز على كلمة «تعليق» حتى لا يعلق في أذهان الناس ان ثمة نعياً للحوار». وتابع «كل منا يغني على ويلاه في لبنان، وكل منهم يغني على ليلاه في الخارج، ولكل منهم أزماته واولوياته وبازاره المفتوح، البازار في دائرة زنار النار الذي يحيط بنا. اذا لم ندرك ذلك نحن لا نعلق حواراً، ولا نعطل حكومة، ولا نعرقل مجلساً نيابياً نحن نهدم البيت».

أما النائب طلال ارسلان فاعتبر «اننا فشلنا في لبننة الاستحقاق الرئاسي، ونحن في أزمة نظام حقيقية».

هذه أفضل نهاية لأسوأ جلسة، والأمر متروك للمشاورات اللاحقة التي تعتقد اكثر من جهة سياسية انها ستستمر في الدوران في حلقة مقفلة.

على المستوى العام، رهان على ما حدث في الصين لدى انعقاد قمة العشرين، لعل اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان (الذي يتردد في بلاده انه سيتوج ملكاً بمجرد ما تضع الحرب في اليمن اوزارها) كان من أكثر اللقاءات أهمية على هامش المؤتمر.

من المبكر معرفة اي حديث دار بين الاثنين، وان كان مؤكداً ان الملفين الرئيسيين، والوحيدين، هما اليمن وسوريا، لكن اجواء الديبلوماسية الروسية قبل اللقاء وبعده تؤكد على ان المحادثات بالغة الأهمية، وان «القيصر» سيقول الكلام الذي يفترض ان يقال لمساعدة الرياض على الخروج من المتاهة اليمنية، وقد تحولت الى اختبار كارثي للمملكة، ومن المتاهة السورية التي لا بد ان تدخل في مرحلة جديدة بعد «التحولات التركية الاخيرة».

علاقة موسكو بصنعاء قديمة، وهي تدرك ان التضاريس القبلية او السياسية او الطبيعية في اليمن لاتعالج من قبل طرف واحد. لا بد من تفاهم اوسع، هذا ما يقوله ديبلوماسيون روس حول نظرة بوتين الى اليمن، وحول ما يمكن ان يكون قد نقله الى الأمير محمد.

لا ينفي الروس ان للايرانيين طموحاتهم في المنطقة، كانوا سيئين حين دخلوا استراتيجيا، وبتلك الطريقة الفظة، الى المنطقة إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وكانوا سيئين وبارعين حين دخلوا ايديولوجياً الى المنطقة، ومن الباب الفلسطيني المشرّع امام كل الرياح باستثناء الرياح الفلسطينية.

ـ روحاني جاهز ـ

الرئيس حسن روحاني صارح أكثر من مرة نظيره الروسي بأن طهران مستعدة للذهاب مع الرياض الى أبعد الحدود، والى درجة القبول باقامة منظومة امنية اقليمية تشارك فيها تركيا ومصر…

الكرملين يستغرب خوف المملكة من خطر خارجي يتهددها. السعودية احدى الثوابت الاساسية في الخارطة الحالية، كما في الخارطة المستقبلية للمنطقة، ولكن على غرار ما قاله الرئيس باراك اوباما فإن السعودية تحتاج الى تحديث داخلي، وبنيوي، ان في المؤسسة السياسية او في المؤسسة الاقتصادية.

ضمناً تدعو موسكو الى الامتناع عن استخدام السلاح الايديولوجي في صياغة السياسات لان هذا السلاح غالباً ما يرتد الى الداخل، مع اشادة الروس بـ«رؤية 2030» التي اطلقها الامير محمد، وان كانوا يعتقدون ان هذا لا يمكن ان يتحقق، والسعودية ضالعة في حروب المنطقة وبصورة تستنزف امكاناتها الاستراتيجية والمالية على السواء.

نصيحة بوتين التفاهم مع ايران التي هي، بدورها، ضالعة في حروب المنطقة وتستنزف على كل الجهات، وهذا ما يؤخر، واحياناً يجمد، نظرتها الى «اقتصاد ضارب» بعدما عانى الشعب الايراني الامرّين من العقوبات الطويلة والبالغة القسوة.

الدولتان شريكتان في الخسارة لا في الربح، ويفترض ان تتعظا مما حدث في تركيا، واي تداعيات كانت للاحداث السورية فيها، وحين تطور تركيا، وهي دولة المؤسسات، علاقتها مع ايران، والى حدود يمكن وصفها بـ«البعيدة» جداً، لماذا يفترض بأن تبقى العلاقات السعودية – الايرانية علاقات حرب.

في نظر بوتين ان التسوية في اليمن ينبغي ان تحدث الآن، الخيار العسكري الذي أخذ شكل الدوامة وسط تلك التضاريس لا يمكن ان يأتي بنتيجة، سوى النتيجة الكارثية، الرئيس الروسي مستعد للتدخل شخصياً، كما انه مع تقديره الشديد للدور الذي اضطلع، ويضطلع به، أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح، فان الوزير سيرغي لافروف جاهز لأي مهمة مكوكية.

موسكو مع تسوية «ترضي» الرياض في اليمن. اما سوريا فمسألة أخرى. هذا ما يردده ديبلوماسيون روس في اكثر من عاصمة عربية، وهذا ما يردده المعلقون والمحللون.

لا اغفال لدور ايران في الاقليم. هذه لعبة بدأت مع التاريخ وتنتهي مع التاريخ، لكن سوريا، بحكم تركيبتها، وبحكم مزاجها، وبحكم موقعها، لن تكون لا دمية ايرانية، ولا محظية ايرانية، ولا مستعمرة ايرانية، ولم تسمع موسكو من الايرانيين انهم يسعون لذلك.

تأكيد روسي بـ«اننا لن نترك سوريا، لأميركا مصالحها الاستراتيجية في الشرق الاوسط والتي تعترف بها حكومات المنطقة وبـ«شرعيتها»، وموسكو «لم تمس يوماً بالمملكة ومصالحها وأدوارها» و«نحن لنا مصالحنا، الامنية بالدرجة الاولى، والتي يفترض ان يتفهمها الجميع ويقروا بشرعيتها».

افضل العلاقات مع دمشق، وافضل العلاقات مع الرياض، مع الاستعداد للوقوف الى جانب السعودية ازاء اي خطر يتهددها، وهذا ما بدا واضحاً في الموقف الروسي في مجلس الامن حيال الملف اليمني الذي لا شك انه يشكل هاجساً وجودياً بالنسبة الى السعودية.

وتأكيد على «اننا لا نقاتل في سوريا لنحاصر المملكة او للاضرار بمصالحها، السعودية لم تكن الوحيدة التي تحارب على الارض السورية. هناك قوى ايديولوجية معادية جداً للنظام السعودي وتعتبر ان الطريق الى دمشق يقود الى مكة، تحارب النظام في سوريا».

وفي نظر الروس «لا أحد الا وأخطأ في سوريا، واعتبروا ان القضاء على النظام، بالأحرى على الدولة السورية، مسألة أسابيع أو أشهر، الآن بعد انقضاء اكثر من خمس سنوات يفترض ان تؤخذ العبر وتستخلص النتائج».

ـ البلقنة المستحيلة ـ

بلقنة سوريا اقليمياً او دولياً مستحيلة، «قواتنا ستبقى هناك لا لحماية النظام وانما لحماية سوريا وروسيا في آن»، ومع الاقرار بأن بنية النظام ينبغي ان تتعدل ليتسع حجم التمثيل في السلطة، ولكن ليس على اساس المحاصصة الاقليمية. النظام تغير، والمعارضة تغيرت، حتى تركيا تغيرت، وهذا ما يقتضي من السعودية الاتجاه الفوري الى الخيار البراغماتي».

حين توجه بوتين الى الصين، كان يجول في رأسه هذا السؤال «ها ان بن علي يلدريم يعلن صراحة ان بلاده تتجه الى التطبيع الجدي مع سوريا، متى نسمع هذا الكلام منكم؟».

وسؤال آخر للامير محمد «ألم يكن رجب طيب اردوغان، وهو الذي تمتد حدوده لنحو الف كيلومتر مع سوريا، أكثر اصراراً منكم لازالة النظام في دمشق، ماذا تنتظرون؟!».

الديبلوماسيون الروس يلخصون موقف بلادهم وموقف رئيس بلادهم، لمصلحة من تعمل مطحنة الدم؟