IMLebanon

الحجيري من «الفرشة» الى اليرزة!

 

عندما وعد قائد الجيش العماد جوزاف عون اهالي العسكريين في اجتماع اليرزة عشية انتصار فجر الجرود بان «دماء العسكريين امانة برقبتي والحق رح رجعلكم»، خرج الكثيرون مشككين بما سمعوا، خصوصا ان المدير العام للامن العام كان قد تحدث امام شاشات التلفزيون عن «اننا ما زلنا بحاجة للشيخ مصطفى ومهمته لم تنتهِ». كلام كذلك لم يفهمه يومها الكثيرون، «فابو طاقية» ارتبط اسمه منذ اليوم لوصول النار السورية الى لبنان بالمجموعات الارهابية وبالتحديد «النصرة».

ينقل مقربون عن الشيخ الحجيري ان الاخير كان على يقين بان «النصرة» قد باعته يوم غادرت لبنان وان العد العكسي لبداية النهاية كانت بدأت، زاد من اعتقاده شريط الفيديو الذي نشره تلفزيون الجديد والذي ظهر فيه دوره التحريضي في حضور ابو مالك التلي، يضاف الى ذلك تمكن الجيش اللبناني من اعتقال ولديه، ليزداد الطوق اشتدادا حول عنقه مع توقيف رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري.

عندها ادرك «ابو طاقية» ان الخطوط الحمر التي طالما رسمت حوله اقليميا قد سقطت، وباتت مسألة وقوعه في قبضة الاجهزة الامنية اللبنانية، وكذلك فشله في تأمين غطاء سياسي كاف يسمح له بالتسلل نحو الخارج، عمد الى التخفي داخل «المربع الامني» لعرسال، مع استحالة الخروج نتيجة اجراءات الجيش المشددة، فعمد الى التنقل ليلا بين اكثر من مكان من بينها مخيمات للاجئين وبعض المناطق الجردية.

غير ان حسابات بيدره لم تتوافق حسابات الحقل، فرغم كل عمليات التضليل التي اعتمدها من خلال تسريب معلومات واخبار مغلوطة عن مغادرته لبنان، لتحويل الانظار وتخفيف الاجراءات عن عرسال ما قد يسمح بتأمين منفذ له للخروج من البلدة، الا ان المعنيين في مديرية المخابرات كانوا على يقين من انه ما زال في البلدة ،رغم انقطاعه عن اجراء اي اتصال واتخاذه اجراءات مشددة على صعيد امنه الشخصي وتنقلاته،صعبت من عمليات التعقب بما فيها التقني.

اختفاء لم يدم كثيرا قبل ان يرتكب «غلطة الشاطر» التي اعادته الى دائرة الرصد اللصيق من قبل مجموعة خاصة من المديرية، استطاعت تحديد حركته بدقة، في الوقت الذي كانت اكتملت فيه كل الاستعدادات والترتيبات لانجاز مهمة التوقيف وفقا لما رسم لها. وفعلا تبلغت غرفة العمليات بآخر المعطيات المتوافرة وتم تحديد ساعة الصفر للتنفيذ، حيث تحركت مجموعات من القسم الخاص في فرع مكافحة الارهاب والتجسس باتجاه منطقة الهدف، فيما كان مدير المخابرات على اتصال مباشر بقائد الجيش لحظة بلحظة ليطلعه على التفاصيل، ليصدر الامر بالتنفيذ عبر اغارة سريعة على مكان تواجد الشيخ الحجيري داخل «المجمع» الذي يضم منزله ومسجد، حيث تواجد العسكريون الاسرى عشية نقلهم الى الجرود.

العملية التي وصفت بالدقيقة والجريئة، والحرفية نتيجة الخبرة الكبيرة التي اكتسبها جنود القوة المنفذة سمحت بانجاز المهمة «بشكل نظيف» اذ جاءت النتيجة صفر اصابات في الجانبين مع النجاح في توقيف ابو طاقية بعدما تسللت القوة المداهمة الى منزله ودخلت غرفة نومه في الطابق الثاني التي تقع الى جانب مكتبته واقتادته لوحده دون توقيف اي من افراد اسرته الموجودين داخل المنزل، ليجد نفسه في احدى السيارات العسكرية، وهو في طريقه نحو اليرزة على ان تبدأ التحقيقات معه في غضون ساعات مع اكتمال ملفه عند المحققين تحت اشراف القضاء المختص.

يشار الى ان العملية التي بدأت الساعة الثانية فجرا واستغرقت 30 دقيقة انتهت دون ان يشعر اهالي عرسال باي حركة وليستيقظوا على بيان مديرية التوجيه وسط دهشة كاملة لما حدث وكيفية التنفيذ، علما ان اكثر من عملية كانت اعدت سابقا لتوقيفه، حتى اثناء معركة «فجر الجرود» الا ان امكانية وقوع اصابات في صفوف المدنيين، دفع بقيادة الجيش الى الغائها في اللحظات الاخيرة.

مع اكتمال التحقيقات يؤمل ان تتكشف تفاصيل كثيرة عن حقبة سوداء من تاريخ لبنان، في ظل المتعارف عليه عن دور اساسي للشيخ مصطفى الحجيري في الازمة السورية وكل ما احاط بها، وعن تداعياتها على المستوى اللبناني، خصوصا انه كان من اكبر محركي «جبهة فتح الشام ـ النصرة» سابقا وعلى دراية تفصيلية بتمويلها وعملياتها وارتباطاتها الاقليمية الدولية والمحلية.

مرة جديدة اثبتت عملية الامس ان الجيش ان وعد وفى مهما طال الزمن او قصر،وان احدا ليس فوق «رأسه طاقية»، وان المؤسسة العسكرية تعرف كيف ومتى تعيد الاعتبار لشهدائها وجرحاها، فهي انجزت مهمتها واصبح الملف في عهدة القضاء الذي تعود له الكلمة الفصل في تحديد ما ارتكبه والعقوبة المترتبة على ذلك.