على وقع المحادثات الاميركية ـ الروسية المتوقعة في جنيف اليوم لتذليل «الفارق البسيط» بين الطرفين على حد ما اعلنت موسكو، وفي ضوء تصاعد الحرب الكلامية بين طهران والرياض التي تنذر بمزيد من التصعيد، ظلت الساحة الداخلية مربكة بفِعل هذه التطورات فضلاً عن ارتباكها السائد بنتيجة تعليق الحوار الوطني الذي لم ينسحب على الحكومة التي ستجتمع اليوم على رغم غياب وزراء «التيار الوطني الحر» وحزب «الطاشناق». وفي هذه الاثناء تستمر ازمة النفايات في كسروان والمتن، وقد ابلغ رؤساء بلديات المتن الشمالي الى وزير الداخلية نهاد المشنوق أثناء اجتماعهم به عدم وجود أماكن في المنطقة لإنشاء معامل تعالج النفايات. كذلك ابلغه رؤساء بلديات كسروان قدرة المنطقة على تأمين أماكن، لكنهم لن يستطيعوا بناء المعامل وتجهيزها قبل سنة ونصف السنة. وفي هذا الإطار، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لـ«الجمهورية»: «لن أسكت طويلاً عن أزمة النفايات في جبل لبنان»، ما يؤشّر إلى انّ جعجع سينتقل إلى المواجهة إذا استمرّت النفايات في الشوارع.
في وقت بقيت الاجواء تصعيدية من جانب «التيار الوطني الحر»، إنصبّت الجهود السياسية في الساعات الماضية على محاولة تبريد المواقف، وترتيب انعقاد جلسة مجلس الوزراء اليوم.
وفيما واصل رئيس الحكومة تمام سلام مشاوراته، وألغى مشاركته في مؤتمر قمة عدم الإنحياز في فنزويلا ليتفرّغ للاتصالات الجارية والبقاء قريباً من كل جديد مُحتمل، علمت «الجمهورية» انّ الجلسة ستعقد اليوم، ولكن في غياب وزراء «التيار» و«الطاشناق» الذين انضم اليهم أيضاً وزيرا «حزب الله» اللذين قررا المقاطعة ليل أمس. واكدت مصادر وزارية انّ الاتفاق تمّ على استبعاد البنود التي تعتبر صدامية مع «التيار» أو هو معني بها مباشرة.
مساعي ابراهيم
وعلى خط المساعي، تحدثت مصادر مشاركة في الاتصالات مع الاطراف السياسية عن شبه اتفاق على تخفيف النبرة التصعيدية، افساحاً في المجال امام المساعي الجارية لتسوية الازمة وإيجاد المخارج الملائمة لها.
وعلمت «الجمهورية» انّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، دخل على خط المساعي الى جانب «حزب الله»، وتولّى إجراء اتصالات استطلاعية بهدف تخفيف حدة التوتر في الوقت الراهن في انتظار التوصّل الى حل.
وفي هذا السياق زار ابراهيم أمس سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق، وعقد لقاءات عدة بعيدة من الاعلام بحثاً عن المخارج المطلوبة، مع الاشارة الى احتمال ان يزور رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون قريباً.
واكدت المصادر انّ «لبنان يواجه مشكلة، وهناك أزمة تتصل بالتمثيل المسيحي يطرحها «التيار الوطني الحر»، إنعكست بإحجامه عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء اعتراضاً على طريقة التعاطي، وهذا الموضوع غير صحي ويجب ان لا يستمر. وانطلاقاً من هنا، هناك مساع لم ترتق بعد الى مستوى المبادرة لإعادة الامور الى ما كانت عليه».
وقالت هذه المصادر: «حتى الآن من المبكر الحديث عن مبادرة، فلا يزال هناك متّسع من الوقت حتى أواخر ايلول، موعد عودة سلام من نيويورك. الّا انّ الاتصالات ستستمر وسط تكتّم على تفاصيل المساعي وما يطرح فيها».
وعلى خط موازٍ، جَدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري تأكيد عدم رضاه على ما تعرّض له الحوار الوطني في عين التينة، مكرراً انه لن يدعو الى استئناف الحوار ما لم يضمن نجاحه مُسبقاً.
المردة لـ«الجمهورية»
في هذا الوقت، ظلّ ما أثاره رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على طاولة الحوار محلّ تفاعل لدى تيار «المردة».
وفي هذا السياق، إستغرب القيادي في «المردة» الوزير السابق يوسف سعادة المنحى الذي بلغه «التيار»، وقال لـ«الجمهورية»: «في الحقيقة لا نعرف الى اين سيصلون، واضح انهم ذاهبون للتصعيد الى الآخر، وهم قالوا انهم يريدون ان يقلبوا الطاولة، علماً انّ التجربة دلّت على انهم يدخلون المعارك ولا يعرفون كيف يخرجون منها».
واضاف: «صحيح انّ الشراكة الوطنية يعوزها تعزيز، لكن ما يجب ان يكون معلوماً انه لا يوجد خطر وجودي على المسيحيين». وغمز من قناة باسيل وقال: «سمعنا كلامه (في جلسة الحوار وخارجها)، ومن الجيّد اننا لاحظنا انّ تأثيره أقل ممّا هو مقدّر، لأنّ خطابه هو واحد من خطابات العام 1975، اي خطاب الحرب الاهلية. فهل يريد ان يعيدنا الى الحرب الاهلية؟
ولفت سعادة الى «انّ النائب سليمان فرنجية اكد انّ هناك حقوقاً، وعلينا العمل على استعادتها لكن ليس بهذه الطريقة التي يعتمدها «التيار»، وقال: «خيارنا الاول والاخير هو العيش المشترك، العيش الواحد، ولبنان الواحد. واذا كان هناك بعض الخلل، فلنحاول ان نعالجه لا ان نحاول ان نقلب الطاولة ونذهب الى مغامرات لا نعرف كيف تبدأ ولا الى اين يمكن ان توصلنا».
مصادر مسيحية
وحول الموضوع ذاته، قالت مصادر مسيحية مشاركة في طاولة الحوار لـ«الجمهورية» انّ مآخذ فرنجية على «التيار» ربما تكون مبنية اولاً على عدم التنسيق في ما بين القوى المسيحية، كما فعل في السابق إبّان التعيينات الادارية التي أجرتها هذه الحكومة في بداية عملها، وانّ حقوق المسيحيين ليست موسمية او نكتشفها بين ليلة وضحاها وعندما تدعو الحاجة، علماً انّ «التيار» كان مشاركاً في كل الحكومات منذ سنوات ولم يحصل أن أثار موضوع الحقوق في أي وقت، والغريب انّه استفاق عليها متأخراً، ليس لسبب إلّا لأنّ الجنرال عون لم يتمكّن من الوصول الى رئاسة الجمهورية.
علماً انّ هذه الحقوق مُصانة، ولعلّ أكثر المآخذ التي استفزّت فرنجية تكمن في تعمّد مصادرة التمثيل المسيحي وحَجبه عن كل الآخرين وكأنّ هناك مسيحيين أولاد ست ومسيحيين أولاد جارية».
وروَت المصادر «كيف انبرى فرنجية بعفويته المعهودة وتصدى لكلام باسيل موافقاً على بعض ما طرحه من حقوق، إلّا انه خالفه في الاسلوب وعدم التنسيق مع بقية المسيحيين». واكدت انّ فرنجية «ليس من النوع الذي يُملي عليه احد شيئاً كما انه ليس من النوع الذي يأخذ طائفته الى المهوار».
وتخوّفت المصادر «من تكرار سيناريو 1989 حيث جاء القرار الدولي متجاوزاً طلبات العماد عون الذي رفض النقاش آنذاك، فكان المسيحيون أولى ضحايا انتهاء الحرب. واليوم يجب على عون ان يتفاوض لحلّ المسألة الرئاسية بما يخدم مصالح المسيحيين قبل أن يأتي القرار السياسي من الخارج متجاوزاً هذه المطالب بما يعود بالنفع للسنّة والشيعة فقط».
وفي السياق ذاته، عبّر مصدر مسيحي مستقلّ لـ«الجمهورية» عن تقديره لمواقف فرنجية، وقال: «إنّه عَبّر بكل صدق وشفافية عن رأي ومواقف شريحة مسيحية واسعة ومُغيّبة».
وعلمت «الجمهورية» انّ كل هذه الامور، التي أثيرت في الحوار، اضافة الى ما استجَدّ حولها من مواقف وخطوات، سيثيرها فرنجية خلال إطلالة اعلامية الاسبوع المقبل.
المشنوق
وطمأن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الى انّ «الوضع الأمني تحت السيطرة»، معتبراً انّ «تمسّك جميع الأفرقاء اللبنانيين بضرورة المحافظة على هذا الاستقرار يشكل عاملاً ايجابياً، ومن مصلحة المجتمع الدولي توفير سبل حماية هذا الاستقرار».
قهوجي
من جهته، اكد قائد الجيش العماد جان قهوجي أنّ «ما يحصل من تجاذبات محلية لن يؤثر إطلاقاً على دور الجيش في صون وحدة الوطن ومؤسساته، والحفاظ على الاستقرار الأمني الذي يعتبر ركيزة الاقتصاد الوطني».
قزي
وفي المواقف، قال الوزير سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «اذا كان «التيار الوطني الحر» يشعر فعلاً بأننا نَمرّ كمسيحيين بأزمة وجودية، ولستُ لأخالفه التشخيص، فيجب ان يكون قرار معالجة هذه الأزمة جماعياً وليس إفرادياً، لأنّ أزمة بهذه الخطورة لا يجوز ان ينفرد ايّ طرف، مهما كانت نسبة تمثيله، بتقرير مصير شعب.
وأساساً انّ معالجة هذه الازمة لا تكون بإسقاط المؤسسات الدستورية التي هي تاريخياً مرجعية المسيحيين في لبنان، إذ انّ نضالهم منذ 1500 سنة تجسّد بإنشاء الدولة اللبنانية وليس بأيّ شيء آخر.
وبالتالي، بكل موضوعية، حبّذا لو يلتقي القادة والشخصيات المسيحية في اجتماع موسّع في بكركي، اذا شاء سيّدها، ليطرحوا هذه الهواجس عوض ان يغنّي كلّ على ليلاه خصوصاً انّ التناقضات حيال تقييم الوضع ومعالجة هذه الازمة ظاهرة من خلال مواقف القوى المسيحية.
واكثر من ذلك، انّ العماد ميشال عون يستطيع بما له من حيثية أن يأخذ مبادرات حيال كل القوى المسيحية لخلق حالة تضامنية لأنّ طريقة تحرّك «التيار الوطني الحر» حالياً لا يبدو أنها الطريقة الفضلى لمعالجة قضية صحيحة».
العريضي لـ«الجمهورية»
وقال النائب غازي العريضي لـ«الجمهورية»: «ما يحصل لا يطمئن ابداً، وليس مريحاً، ومع الأسف ما بين الفعل وردّ الفعل وبين السبب والمسبّب، لا يوجد منطق. بل انّ احداً لا يفكر في بلورة حل، وهذا دليل ساطع على اننا نفتقد الى لاعبين جديين ومحترفين».
وأضاف: البلد في حال كارثية، ولم يصل الى مرحلة سيئة كالتي وصل اليها اليوم، هناك انهيار تام على كل المستويات. وهذا ما زاد تشاؤمي، وتبعاً لذلك لا أرى مخارج للأمور، بل مع الأسف الامور تنحو الى ما هو أسوأ، خصوصاً انّ ما يجري يؤدي الى مزيد من التدهور والانهيار والتفكّك على مستوى الدولة. هناك إسقاط كامل لفكرة الدولة وليس فقط إسقاط للدولة كدولة ومؤسسات. فالى أين نحن ذاهبون؟».
وعن الخيارات الموجودة، قال العريضي: «ما هي الخيارات؟ يجب ان نعلم انّ مسألة «الفيتو» في لبنان ليست حقاً حصرياً لأحد، هذه المسألة مُتاحة لكل القوى السياسية بلا استثناء، وكل طرف يملك «الفيتو»، فيتو من هنا وفيتو من هناك، فإلى أين سنصل في هذه الحال؟ ما يجب ان ندركه اننا يجب ان نجلس معاً ونفكر كيف يمكن ان نحفظ البلد ونحميه ونَبنيه ونَبني الشراكة فيه، لا كيف نخربه ونهدم الهيكل».
حمادة لـ«الجمهورية»
وقال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «لا يستطيع احد ان يجزم بأنّ الحوار قد انتهى، لقد عُلّق لكي لا يتباهى الوزير جبران باسيل بأنه هو من يَتحكّم بوتيرة الحوارات اللبنانية وبتوقيتها وجداول أعمالها، ذلك انّ الميثاقية التي يستعملها اليوم قميص عثمان باتت محسومة وموثّقة في اتفاق الطائف، ومن يدّعي انه سيدمّر مرحلة ما بين الـ90 والـ2005 يتمادى في تقدير قوته ونفوذه، ذلك ان لا عودة لا عن الدستور الذي أُقرّ عام 90 ولا عن اعادة الاعمار التي تحققت بين الـ90 والـ2005 ولا عن تحرير الجنوب الذي تحقق في 25 ايار 2000 ولا عن المصالحة الوطنية التي عقدها اللبنانيون عام 2001 ولا عن ثورة الأرز التي انفجرت في شباط 2005».
وتوقّع حمادة «ان يعود الحوار بعد حين، بعد ان تهدأ الاعصاب ويكتشف الأفرقاء انهم يلعبون بأمور اكبر منهم بكثير». وحذّر من «انّ ايّ خطط وايّ تحرك وأيّ نزعة او دفع في اتجاه صدام بين اللبنانيين ستحبطه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، والمسيحيون في طليعتهم»، وقال: «كفى تجارب على غرار حروب «الإلغاء» و»التحرير» المزيّفة، وكفى الخَلط بين طمع الاشخاص ومصلحة لبنان».
رحمة
وأكّد راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر للموارنة المطران حنا رحمة لـ«الجمهورية» أنّ «الاوضاع في البلد ليست على ما يرام، فانتخاب رئيس جمهورية غير متوافر حالياً لأنّ القرار موجود في الخارج».
ولفت الى انّ «مؤسسات الدولة لا تعمل، على رغم وجود بعضها وهو يقوم بواجباته مثل الجيش، وهذا واقع لا يمكن إخفاؤه ويتطلب معالجة جذريّة»، واكد انّ «الموارنة والمسيحيين صامدون في أرضهم ولا يستطيع أحد اقتلاعنا منها، ووجودنا عمره 2000 سنة، ولقد تعرّضنا للنكبات والتهجير طوال فترات الزمن، وكان آخرها تهجير 5 قرى مسيحية في البقاع قبل حرب 1975 وفي عزّ حكم «المارونية السياسية».
«الحزب» و«الاشتراكي»
من جهة ثانية وزعت مفوضية الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي البيان الآتي :
«في سياق التواصل الدائم بين حزب الله والحزب التقدمي الإشتراكي عقد إجتماع مساء الأربعاء بين قيادتي الحزبين وحضر عن حزب الله وزيرا الدولة لشؤون مجلس النواب والصناعة محمد فنيش وحسين الحاج حسن والنائبان علي عمار وحسن فضل الله ورئيس لجنة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا. وعن الاشتراكي حضر وزيرا الزراعة والصحة اكرم شهيب ووائل أبو فاعور وأمين السر العام ومفوض الداخلية ظافر ناصر وهادي أبو الحسن.
وكان اللقاء مناسبة لتأكيد متانة العلاقة الثنائية بين الطرفين وأهمية استمرار التواصل والتعاون القائم في مختلف الأمور والقضايا. وإلى ذلك تم خلال اللقاء التداول في الوضع الراهن وأكد الطرفان على الضرورة القصوى لبذل أقصى الجهود والمساعي وتكثيف الاتصالات في هذه المرحلة الدقيقة لتفادي المزيد من الأزمات التي تتراكم وتطاول مختلف المستويات السياسية والإقتصادية والمعيشية. كذلك تم التأكيد على ضرورة حماية الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي وإستمرار الحوار بين مختلف الافرقاء».