IMLebanon

«داعش» يلفظ أنفاسه في سوريا

 

 

خسر «داعش» أمس مدينة الرقة، التي كانت معقله الأبرز في سوريا، بعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك العنيفة التي خاضها ضد «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركية، ليُصاب التنظيم الإرهابي بنكسة كبرى بعد سلسلة هزائم ميدانية في سوريا والعراق المجاور، وليخسر 87 في المئة من أراضي «دولة الخلافة» التي أعلنها عام 2014 في البلدين.

وبخسارة الرقة دخل «داعش» مرحلة لفظ أنفاسه الأخيرة فعلياً، إذ بات وجوده محصوراً في منطقة ذات طابع صحراوي على جانبي حدود سوريا والعراق، مع إصرار كل أعدائه، المتعددي الغايات والأهداف، على الاستمرار في الحملة ضده حتى النهاية، لتزول «الدولة» على الأرض وتبقى حاضرة إعلامياً عبر «خلايا نائمة» وانتحاريين.

وفور إعلان «سوريا الديموقراطية» سيطرتها بالكامل على وسط الرقة، تجمع عدد من مقاتليها عند دوار النعيم الذي شهد عمليات إعدام وحشية نفذها التنظيم خلال سيطرته على المدينة، ما دفع سكان المدينة الى استبدال تسميته بدوار «الجحيم».

ورفع المقاتلون رايات «سوريا الديموقراطية» الصفراء ابتهاجاً، وفي مقدمهم قائدة حملة «غضب الفرات» روجدا فلات التي حملت سلاحها

على كتفها. وسارع مقاتلون إلى التقاط الصور مع ابتسامة عريضة أمام أبنية مدمرة ووسط شوارع مليئة بالركام وهياكل سيارات محترقة، فيما غرق آخرون في دموعهم تأثراً.

وقال المقاتل الشاب شفكر هيمو من دوار النعيم «سترجع الفرحة إن شاء الله إلى المدينة كافة، ذهب اللون الأسود (راية التنظيم) والآن بات دوار النعيم أصفر اللون».

وأعرب عضو مجلس الرقة المدني عمر علوش عن سعادته لطرد التنظيم من المدينة التي كانت تُعد أبرز معاقله. وقال: «بقضائنا على عاصمة داعش، حققنا انتصاراً للشعب السوري وللعالم».

ودفعت المعارك عشرات الآلاف من المدنيين إلى الفرار من المدينة.

ومع انتهاء المعارك، حذرت منظمة إنقاذ الطفل «سايف ذي شيلدرن» في بيان من أن توقف القتال لا يعني انتهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

وقالت مديرة المنظمة في سوريا سونيا خوش: «قد تصل العمليات العسكرية في الرقة إلى نهايتها لكن الأزمة الإنسانية هي أكبر من أي وقت مضى».

وألحقت المعارك منذ اندلاعها في المدينة في حزيران الماضي دماراً كبيراً بالأبنية والبنى التحتية. وتسببت بمقتل 3250 شخصاً بينهم 1130 مدنياً على الأقل، وفق المرصد السوري الذي أفاد عن وجود مئات المفقودين من المدنيين تحت أنقاض الأبنية المدمرة.

وجاءت سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» بشكل كامل على المدينة بعد سيطرتها على دوار النعيم ليل الإثنين – الثلاثاء بعد سيطرتها على المشفى الوطني ثم الملعب البلدي أول من أمس.

وشكلت هذه النقاط الواقعة وسط الرقة، آخر الجيوب التي انكفأ إليها العشرات من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم المتطرف في الأيام الأخيرة.

وأعلن الناطق الرسمي باسم «قوات سوريا الديموقراطية» طلال سلو بعد ظهر الثلاثاء «تم الانتهاء من العمليات العسكرية في الرقة» مؤكداً «سيطرة قواتنا بالكامل على الرقة».

وأضاف «انتهى كل شيء في الرقة» مشيراً إلى «عمليات تمشيط تجري للقضاء على الخلايا النائمة إن وجدت، وتطهير المدينة من الألغام» التي زرعها مقاتلو التنظيم في وسط الرقة.

ومن المقرر بحسب سلو أن تعلن قوات سوريا الديموقراطية «قريباً في بيان رسمي تحرير المدينة».

وبدأت قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي هجوماً واسعاً في محافظة الرقة في تشرين الثاني 2016، لتتمكن بعد سبعة أشهر من دخول المدينة.

وتسارع التقدم العسكري في وسط المدينة بعد خروج نحو ثلاثة آلاف مدني نهاية الأسبوع الماضي، بموجب مفاوضات قادها مجلس الرقة المدني ووجهاء من عشائر محافظة الرقة.

وبموجب الاتفاق أيضاً، خرج 275 شخصاً بين مقاتلين سوريين في صفوف التنظيم وأفراد من عائلاتهم من دون أن تُعرف وجهتهم حتى الآن.

وتضاربت المعلومات حول خروج مقاتلين أجانب أيضاً، لكن مسؤولين محليين أكدوا عدم مغادرة أي منهم.

ومع السيطرة على المدينة «يكون وجود تنظيم داعش في كامل محافظة الرقة قد انتهى» وفق المرصد السوري.

ومني «داعش» بسلسلة خسائر ميدانية في سوريا والعراق المجاور. وقال المتحدث باسم التحالف الدولي ريان ديلون في تغريدات على موقع تويتر أمس الثلاثاء تزامنت مع الذكرى الثالثة لتأسيس التحالف: «طرد شركاؤنا تنظيم داعش من 87 في المئة من الأراضي التي سيطر عليها وحرروا أكثر من 6,5 ملايين شخص».

وأضاف «يخسر التنظيم على مختلف الصعد. لقد دمرنا شبكاته وقضينا على قادة من كافة المستويات».

ويقدر التحالف أن عدد مقاتلي التنظيم الذين ما زالوا ينشطون في العراق وسوريا يراوح بين ثلاثة آلاف وسبعة آلاف مقاتل.

في سوريا، يحتفظ التنظيم حالياً بسيطرته على بعض الجيوب المحدودة في محافظة حمص وحماة (وسط) وقرب دمشق وفي جنوب البلاد. ويشكل الجزء المتبقي تحت سيطرته في محافظة دير الزور (شرق) «مركز ثقله»، على رغم أنه خسر خلال أقل من شهرين سيطرته على أكثر من نصف المساحة التي كان يحتلها.

وفي العراق المجاور، ما زال التنظيم يسيطر على مدينتين في منطقة صحراوية في غرب البلاد.

جوازات سفر وأموال

وكانت الرقة أول مدينة كبيرة يسيطر عليها «داعش» في أوائل عام 2014 قبل أن تجعل سلسلة انتصاراته السريعة في العراق وسوريا الملايين من الناس تحت حكم «الخلافة» التي أعلنها من جانبه، والتي سنت قوانين وأصدرت جوازات سفر وعملات.

واستخدم التنظيم المدينة مركزاً للتخطيط والعمليات لمعاركه في الشرق الأوسط وهجماته في الخارج واتخذها أيضاً مركزاً لاحتجاز رهائن غربيين قبل قتلهم وتصوير القتل ونشر التسجيلات على الانترنت.

والرقة التي سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية الثلاثاء مدينة عمرها آلاف السنين. وكانت بلغت أوج ازدهارها في عهد الخلافة العباسية. في العام 722، أمر الخليفة المنصور ببناء مدينة الرافقة على مقربة من مدينة الرقة. واندمجت المدينتان في وقت لاحق.

بين عامي 796 و809، استخدم الخليفة هارون الرشيد الرقة عاصمة ثانية الى جانب بغداد، لوقوعها على مفترق طرق بين بيزنطية ودمشق وبلاد ما بين النهرين. وبنى فيها قصوراً ومساجد.

وفي عام 1258، دمر المغول مدينتي الرافقة والرقة على غرار ما فعلوا ببغداد.

وتتمتع الرقة بموقع استراتيجي في وادي الفرات عند مفترق طرق مهم. وهي قريبة من الحدود مع تركيا وتقع على بعد 160 كيلومتراً شرق حلب وعلى بعد أقل من مئتي كلم من الحدود العراقية.

وأسهم بناء سد الفرات على مستوى مدينة الطبقة الواقعة الى الغرب منها في ازدهار مدينة الرقة التي لعبت دوراً مهماً في الاقتصاد السوري بسبب النشاط الزراعي.

وكانت أول مدينة كبيرة تسقط بيد المعارضة السورية في الرابع من آذار 2013، وبعد عامين من بدء الثورة ضد النظام السوري، تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على مدينة الرقة لتكون أول مركز محافظة في سوريا يخرج عن سلطة النظام.

واعتقل مقاتلو المعارضة المحافظ وسيطروا على مقر المخابرات العسكرية في المدينة، أحد أسوأ مراكز الاعتقال في المحافظة، بحسب المرصد السوري.

كما تم تدمير تمثال في المدينة للرئيس السابق حافظ الأسد.

واندلعت معارك عنيفة بين «داعش» ومقاتلي المعارضة وبينهم جبهة النصرة في بداية كانون الثاني 2014 وانتهت بسيطرة التنظيم على كامل مدينة الرقة في الرابع عشر من الشهر ذاته.(أ ف ب، رويترز)