IMLebanon

السموم في لقمة الخبز .. مادة اشتباك سياسي!

ساندي الحايك

تستحق الحكومة الحالية أن يُطلَق عليها أي توصيف ما عدا «حكومة المصلحة الوطنية». في كل اختبار لها، سواء أكان صغيرا أم كبيرا، تثبت أن «منازلها كثيرة». خير دليل ما أدلى به وزراء الحكومة قبل دخولهم إلى «السرايا» وأثناء جلسة حكومتهم.. وبعد مغادرتهم مقر الرئاسة الثالثة!

اختلط حابل التعيينات بنابل النفايات.. وحابل أمن الدولة بنابل القمح والمواصفات، حتى الهاوية التي حذر وزير التربية من سقوط مجلس الوزراء فيها، توقع وزير الإعلام أن يذهب إليها وزير التربية وحده!

وعندما استخدم وزير الخارجية خطاب «الذمية» في معرض الاحتجاج على حضور المسيحيين في إدارات ومؤسسات الدولة، كان وزير المال له بالمرصاد، معددا له الوظائف التي «سلبت من موظفين شيعة»، فيما كادت قضية جهاز أمن الدولة و «الحرب العالمية» القائمة بين المدير العام ونائبه، تسبب أزمة وزارية مع تهديد الوزراء الكاثوليك بالانسحاب من الحكومة!

هذه عينة من «صراع الديوك الوزارية»، ولعل الأخطر بين فصولها تحول المواد المسرطنة التي تهدد حياة اللبنانيين في خبزهم اليومي إلى مادة اشتباك سياسي، بينما كان يجب أن يتم الاحتكام الى معايير علمية لا يمكن لأحد التشكيك فيها.. صونا لآخر ما تبقى من صدقية «الدولة العلية».. ومَن يتبرعون للنطق باسمها، خصوصا في مواجهة قلق اللبنانيين المتضاعف جراء المخاطر التي تُهدد أمنهم الغذائي.

بالأمس، استعر الخلاف بين وزارتَي الصحة والاقتصاد على خلفية نتائج فحوصات مخبرية أُجريت من قبل الجهتَين على عينات من القمح موجودة في اهراءات مرفأ بيروت.

وإن كان الهدف من الإعلان عن كشف كميات كبيرة من القمح الفاسد بالسموم الفطرية الخطرة كـ «الأفلاتوكسين» والـ «الأوكراتوكسين»، يندرج في إطار توعية الرأي العام وإطلاع اللبنانيين على نوعية ماذا يأكلون، بالإضافة إلى الضغط على المستورِدين لعدم التجرؤ على مخالفة القانون والاستهتار بصحة الناس، فمن المؤكد أن القضية تكاد تنحرف عن مسارها، مع تعاظم ظاهرة تبادل رمي المسؤوليات بين وزيرَي الصحة وائل أبو فاعور والاقتصاد آلان حكيم.

ورداً على المؤتمر الصحافي الذي عقده أبو فاعور معلناً فيه وجود نسب مرتفعة من السموم الفطرية في القمح (26 ميكروغرام/كغ من الأوكراتوكسين-أ في العينة الواحدة)، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة، أمس، بياناً تؤكد فيه خلو القمح من هذه المادة بناءً على نتائج فحوصات أجرتها في «معهد البحوث الصناعية». فما كان من وزارة الصحة إلا أن ردت عليها ببيان متمنيةً عليها «بدل إنكار الأمر البحث عن آلية لتتبع القمح في الأسواق، إذا كان ذلك ممكناً، وأن تعمل على منع إدخال شحنات قمح جديدة قبل إخضاعها للفحص المطلوب».

وفي اتصال أجرته معه «السفير»، يستغرب أبو فاعور «الموقف الدفاعي الذي اعتمده وزير الاقتصاد في مقاربة الملف»، مؤكداً أن «ما قامت به الوزارة هو لمصلحة الناس، إذ إنه ليس باستطاعتنا كشف فضيحة على هذا المستوى والتكتم عنها».

بحسب نتائج الفحوصات التي قامت بها وزارة الصحة، فإن 9 عينات من أصل 31 تحتوي على مادة «الأوكراتوكسين-أ»، التي تُعد أخطر فئة بين الفئات الثلاث (A, B, C) من هذا النوع، فيما ظهر أن عدداً من العينات الأخرى يحتوي على مادة «الأفلاتوكسين ب1»، وهي أيضاً أخطر فئة من هذا النوع الذي يضم (B1, B2, G1, G2).

وفور صدور النتائج، أبلغت وزارة الصحة كلاً من وزارتَي الاقتصاد والزراعة ومركز المواصفات والمقاييس «ليبنور»، للمباشرة بالعمل على وضع مواصفة محلية لمادة «الأوكراتوكسين»، وجعل إخضاع القمح المستورَد لهذا الفحص إلزاميا.

وعلمت «السفير» أن اجتماعاً تقرر بين الوزراء الثلاثة يوم الإثنين الماضي إلا أن الوزير أكرم شهيب طلب تأجيله إلى يوم الأربعاء الماضي. ولكن احتدام المشاكل بين وزارتَي الاقتصاد والصحة، دفع بأبو فاعور إلى طلب إلغاء الاجتماع، معلناً أنه لن يحضره وسيبقى على تواصل مع وزارة الاقتصاد عبر المراسلات الرسمية عن طريق مجلس الوزراء. إلا أنه بعد مداخلات، تقرر أن يجتمع الوزراء الثلاثة الإثنين المقبل.

من جهته، يؤكد آلان حكيم لـ «السفير» أن «ما من كميات قمح تدخل لبنان من دون أن تكون خاضعة لمراقبة دقيقة في بلد المصدر، تُثبت أنها مطابقة للمعايير الدولية التي تفرضها اتفاقية الـ «غاتس» (GATS) المنصوص عليها في منظمة التجارة العالمية»، مشدداً على أن «فحوصات السموم الفطرية تجري على القمح داخل الاهراءات بشكل دوري من قبل وزارة الزراعة».

وتبين أن مراقبي مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد أخذوا عينات من القمح الموجود في الاهراءات بتاريخ 10-3-2016. وبعد مرور أسبوع صدرت نتيجة الفحوصات وجاء فيها أن القمح «نظيف»، ما دفع «الاقتصاد» إلى «التشكيك» في نتائج الفحوصات التي أجرتها وزارة الصحة، بذريعة أن «آليات الفحص المخبري تختلف بين مختبر وآخر».