IMLebanon

معارك جبل لبنان تهز «تفاهم معراب»

نسبة مشاركة مرتفعة.. والتحالفات «ضم وفرز»

معارك جبل لبنان تهز «تفاهم معراب»

 

لم يحل ارتفاع درجات الحرارة، أمس، دون المشاركة الحيوية في الانتخابات البلدية في جبل لبنان، والتي بلغ معدلها الإجمالي 56 بالمئة، بل لعل سخونة المعارك الانتخابية في أكثر من منطقة تفوقت على حرارة المناخ، ليشكل الإقبال الشعبي إحدى أبرز العلامات الفارقة ليوم الاحد الطويل.

ويمكن القول إن الشهية المفتوحة على الاقتراع في جبل لبنان هي نتاج التفاعل بين عوامل عدة، أبرزها «المنشطات» العائلية، والحوافز السياسية، وتوق الناس الى الديموقراطية بعد «تقنين» قاس خلال السنوات الماضية.

وهكذا، بلغت نسبة الاقتراع 65 بالمئة في قضاء جبيل، و62.80 في قضاء كسروان و58.24 بالمئة في قضاء المتن، و53.50 بالمئة في قضاء الشوف، و52 بالمئة في قضاء عاليه، و50.20 بالمئة في قضاء بعبدا.

ولعل من أهم الرسائل التي خطتها أقلام الاقتراع، أن حضور الناخب المسيحي يصبح قوياً، حيث يملك حرية تقرير المصير، وحيث يكتسب صوته قدرة على التأثير، فلا يكون مجرد «زينة» أو «تابع» كما شعر البعض في بيروت.

وأتى سياق العملية الانتخابية البارحة، ليثبت أن النجاح الإجمالي للمرحلة الاولى في بيروت والبقاع، على المستويين الإجرائي والأمني، لم يكن مجرد مصادفة أو استثناء، وبالتالي فإن المسار العام لانتخابات جبل لبنان أكد مرة أخرى، وبمزيد من الأدلة الحسية، سقوط كل مبررات التمديد لمجلس النواب، وجهوزية اللبنانيين كما الأجهزة المختصة للاستحقاق النيابي الذي لم يعد ينقصه سوى القرار السياسي.

ويُسجل لوزارة الداخلية نجاحها في الإحاطة بمتطلبات الجولة الثانية من الانتخابات، والسيطرة على الثغرات ومكامن الخلل التي رُصدت خلال النهار الطويل، سواء على صعيد بعض الحوادث الفردية أو على صعيد المخالفات الإدارية، فيما أفادت «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات» أنه تم ضبط 6 حالات رشى.

«التيار» ـ «القوات»

تفاوتت عناوين المعارك الانتخابية في مرحلتها الثانية، لكن أهمها وأكثرها حساسية سُجل في عاصمة كسروان التي كانت مسرحاً لمواجهة سياسية ـ رئاسية مغلّفة بقشرة بلدية، بعدما أصبحت طريق بعبدا تمر في جونية.

والأرجح، أن العماد ميشال عون وسمير جعجع، وكذلك فريد هيكل الخازن ونعمت افرام ومنصور البون، سهروا الى ما بعد منتصف الليل وهم يتسقّطون أخبار النتائج التي كانت متقاربة في بداية الفرز.

لم يبق مكان للقفازات والأقنعة في هذه المعركة التي استُخدمت فيها كل أنواع الأسلحة السياسية والنفسية والعائلية والإعلامية والمالية، لدرجة أن العماد ميشال عون وجد نفسه مضطراً لأن يبارز خصومه وجهاً لوجه، متعاملاً مع هذه «الموقعة» على قاعدة أنها مفصلية وأن الفوز فيها هو جزء من شروط النصاب السياسي والشعبي المطلوب لانتخابه رئيساً.

وفي المقابل، وجد معارضو الجنرال في اختبار جونية فرصة لإحراجه في عرينه الكسرواني والنيابي، سعياً الى تحجيم نفوذه في لعبة الأوزان المسيحية، وبالتالي تقويض شرعية ترشيحه الرئاسي، وإضعاف حظوظ انتخابه.

أما «القوات اللبنانية»، فارتأت الوقوف على مسافة نسبية من اللائحتين المتنافستين (كرامة جونية – جونية التجدد)، فإذا انتصرت الاولى تكون شريكة في النصر انطلاقاً من التحالف مع «التيار الوطني الحر»، وإذا انتصرت الثانية تكون لها حصة في الفوز من خلال وجود مرشحين قواتيين على لائحة فؤاد البواري.

لم تشأ «القوات» أن تدخل في مواجهة حادة مع «التيار»، وفي الوقت ذاته لم تتمكن من التخلي عن «صداقة قديمة ومتينة» مع آل افرام، فتركت حرية الانتخاب لمقترعيها مع ميل الى لائحة «جونية التجدد».

ولئن نجح «التيار» و «القوات» في تنظيم «فراقهما» في جونية، سعياً الى حصر الخسائر قدر الإمكان، إلا أنهما فشلا في ذلك على مستوى مناطق أخرى، كسن الفيل في قضاء المتن والحدث في قضاء بعبدا، حيث خاض الطرفان مواجهة انتخابية حادة، بدت غير منسجمة مع مقتضيات تفاهم معراب الذي اهتز، من دون أن يسقط، في العديد من الساحات الساخنة في جبل لبنان.

ولعل النائب آلان عون أعطى إشارة واضحة في هذا الاتجاه، عندما اعتبر صراحة أن موقف «القوات» في انتخابات الحدث يشكل نقطة سلبية في خانة التفاهم، لتكشف صناديق الاقتراع ليلا عن هزيمة قوية تلقتها معراب في تلك المنطقة.

المر – الجميّل

وأبعد من ثنائية «التيار» – «القوات»، أثبت النائب ميشال المر أنه لا يزال الرقم الصعب، غير القابل للطرح أو القسمة في المتن، وأنه بخدماته وقدراته الشخصية يعادل حجم أحزاب. وهكذا، بدأ المر نهاره الانتخابي مترسملا بعشرين بلدية فازت، بالتزكية أو شبه التزكية، قبل فتح صناديق الاقتراع، محسّناً ومحصّناً مواقعه في معركة الاتحاد.

وارتسمت في العديد من بلدات المتن معالم تفاهم أبرمه رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل مع المر، ردّاً على «تفاهم معراب»، وما أثاره من خشية من اكتساح «الثنائي الماروني» للبلديات المتنية، فيما سعى «الطاشناق» الى دعم المر حيث اقتضى الأمر، علماً أن بلدية برج حمود فازت بالتزكية.

وكما حصل في الأشرفية، أصيب جسم «التيار الحر» في جلّ الديب بالتفسخ البلدي، حيث دعم النائب نبيل نقولا لائحة ريمون عطية بالتفاهم مع ميشال المر، فيما انضمّ رئيس هيئة قضاء المتن في «التيار» هشام كنج الى لائحة اندره زرد، مدعوماً من ابراهيم كنعان!

أما «الكتائب»، فحاول تغليب العامل الإنمائي على البعد السياسي في الانتخابات، منطلقاً في تحالفاته من هذا المعيار، بالدرجة الأولى. وقد تمكن الحزب بفضل هذه الاستراتيجية من الفوز بالعديد من البلديات والاستحواذ على مقاعد في أخرى.

الضاحية

وفي الضاحية الجنوبية، أعاد تحالف «حزب الله» – «حركة أمل» تأكيد المؤكد، من خلال الفوز على لائحتين غير مكتملتين في بلديتي برج البراجنة والغبيري. وإذا كانت النتيجة متوقعة أصلا، فإن ذلك لا ينفي أنها تحمل غداة اغتيال الشهيد مصطفى بدر الدين دلالة تتجاوز الإطار البلدي المحض، لجهة تثبيت الاحتضان الشعبي للمقاومة، في مواجهة كل الضغوط والاستهدافات التي تتعرض لها، مع الإشارة الى أن مجرد حصول تنافس انتخابي في الضاحية انطوى على قيمة مضافة، بعدما كانت الانتخابات البلدية في السابق تنتهي قبل أن تبدأ، لغياب أي لوائح مضادة.

الإقليم

وفي إقليم الخروب، تمكنت العوامل المحلية من تكبيل يد الأحزاب وتقليص دورها، لتتخذ المعارك الانتخابية الطابع العائلي الذي فرض إيقاعه على «تيار المستقبل» و «الحزب التقدمي الاشتراكي» و «الجماعة الإسلامية»، فيما ظهر واضحاً أنّ أزمة النّفايات الأخيرة ساهمت في تخفيض أسهم بعض القوى الأساسية، وتجويف مصداقيتها.

الشوف وعاليه

ومن المفارقات الانتخابية التي سُجلت في الشوف، اصطفاف «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» جنباً الى جنب في مواجهة دوري وترايسي شمعون وناجي البستاني، في عقر دار رئيس «حزب الوطنيين الأحرار» في دير القمر، وذلك برغم أن دوري هو أقرب الى «القوات» وترايسي أقرب الى «التيار»، ما انعكس تشطيباً واسعاً على الأرض.

وللمرّة الأولى منذ 52 عاماً تمّت في بلدة بريح، وهي من قرى العودة، انتخابات بلدية سليمة وهادئة، بينما حققت اللائحة المدعومة من وليد جنبلاط ومروان حمادة في بعقلين فوزاً مريحاً.

وبرغم أن جنبلاط والوزير طلال ارسلان تمكّنا من التوافق في مدينة عاليه والعديد من بلدات القضاء، إلا أنهما تواجها في الشويفات من خلال تموضع كل منهما في لائحة مضادة للأخرى.