IMLebanon

عون يجدّد زعامته المسيحية.. وفرنجية يعيد حساباته

الحريري في باريس لبلورة «صيغة السنتين».. و«المؤتمر الدولي»!

عون يجدّد زعامته المسيحية.. وفرنجية يعيد حساباته

كل قراءات الأحزاب المسيحية للانتخابات البلدية في جبل لبنان تتقاطع عند نقطة واحدة: حققنا انتصارات بالجملة والمفرّق في الجبل.

حرام هذا الجبل، إذ إنه يكاد يصبح جمهورية قائمة بذاتها، اذا تم اعتماد عداد الأحزاب للقرى والبلدات التي حققت «انتصارات» فيها، وهي تفيض عن الجبل وكل لبنان!

وحرام هذا الجبل عندما يتبين أن تضاريس ساحله الممتد من الرميلة جنوبا حتى فغال شمالا، أصعب بكثير من بعض المرتفعات والجرود. تضاريس الأحزاب والعائلات السياسية والزعامة المارونية ورئاسة الجمهورية.

فجأة تختفي الشعارات الكبرى و «الحقوق» وتحل محلها حسابات الزواريب والعائلات والأجباب.. وبلوغ السلطة بكل مستوياتها.

كان يمكن لانتخابات بلدية أن تكتسب طابعاً محلياً بحتاً لولا أنها تحصل في سياق أزمة رئاسية مفتوحة على فراغ سيكمل عامه الثاني بعد أسبوع، ولا شيء يشي باختراق جدي، برغم المحاولات الفرنسية المتكررة، في اتجاهات إقليمية ودولية لإيجاد مخرج دستوري وسياسي.

في هذا السياق تحديدا، يستقبل رئيس فرنسا فرنسوا هولاند، اليوم، في قصر الأليزيه، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، في موعد تقرر مباشرة بعد زيارة بطريرك الموارنة بشارة الراعي للعاصمة الفرنسية، وما تخللها من مباحثات تطرقت الى رزمة الأفكار اللبنانية التي يتداولها الفرنسيون في هذه الأيام، وأبرزها إمكان التوافق على رئيس للجمهورية لمرحلة انتقالية، والمقصود هنا تحديداً العماد ميشال عون، بعدما باتت الأبواب موصدة حاليا أمام إمكان تسويق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.

ومن الواضح أن ثمة من يحاول بلورة هذا المخرج أو غيره، كالرئيس نبيه بري الذي لم يأت كلامه الأخير عن تقصير ولاية المجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، من الفراغ، بل بدا متناغماً الى حد كبير مع طروحات كنسية لبنانية ورسمية فرنسية، لكن رئيس المجلس النيابي كان واضحا بقوله لمن سألوه عن جدية اقتراحه بأنه يريد ضمانة أن يلتزم الجميع بتأمين النصاب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية فور إنجاز الاستحقاق النيابي.

يعني ذلك في مكان ما أن بري صار متيقناً من صعوبة تمرير صفقة انتخاب فرنجية، وهو لا يريد أن يتحمل بعد سنة وزر أي محاولة للتمديد النيابي اذا استمر الواقع الحالي، خصوصا أنه لا شيء يشي بإمكان التوصل الى مخرج لا لرئاسة الجمهورية ولا للقانون الانتخابي، مع ميل واضح لتكريس قانون الستين كأمر واقع، ولو أن رئيس المجلس تلمّس للمرة الأولى، مؤخرا، «نقزة» واضحة من «تيار المستقبل» إزاء «الستين» واستعداداً جدياً للبحث بقانون انتخابي آخر (اقتراح بري معدلا)، خصوصا في ضوء استعداد كل من معراب والرابية للقبول بقانون الستين، استنادا الى دراسات أظهرت أنه يمكن أن يؤمن لهما كتلة نيابية لا تقل عن 42 نائبا.

وبينما يحاول بري جس نبض القوى السياسية إزاء فكرة تقصير ولاية المجلس، كان لافتا للانتباه، عشية لقاء الأليزيه بين الحريري وهولاند، مبادرة السفير الفرنسي في لبنان ايمانويل بون الى الإعلان عن أن وزير خارجية بلاده جان مارك ايرولت سيناقش في زيارته المرتقبة لبيروت في 27 الجاري، «مع كل الأحزاب والسلطات اللبنانية موضوع التحضير لمؤتمر دولي يساعد على حل الأزمتين الدستورية والسياسية» في لبنان.

الى جونيه مجدداً..

هل يمكن فصل الطابع السياسي الذي اتخذته الانتخابات البلدية الحالية، عن هذا «المسار الدولي»؟

رب قائل إن مجرد طرح سؤال كهذا يأخذ الانتخابات المحلية الى مطارح دولية لا تحتملها. بالنسبة الى العماد ميشال عون، لم يكن استحقاق انتخابات جونية، وقبله زحلة ولو بدرجة أقل، بعيدا عن مناخات دولية معينة. الرجل مقتنع بأن مبادرة المتمول جيلبير شاغوري الى شحن ملايين الدولارات الى عاصمة الموارنة، بتشجيع سياسي واضح من سليمان فرنجية، كان الهدف منها دفنه سياسياً وقطع الطريق على أية فرصة خارجية أو محلية لوصوله الى رئاسة الجمهورية، ولذلك، قرر التشمير عن ساعديه والنزول الى جونية، عشية المعركة الانتخابية.

الأخطر، لا بل ما لم ولن يفصح عنه «الجنرال» هو موقف «القوات» الحمّال لأوجه كثيرة. هم يضفون على الانتخابات طابعاً محلياً، فإذا ربحت «لائحة الكرامة» المدعومة من «التيار» ينسب «الانتصار» الى رئيسها جوان حبيش، أما اذا خسرت، فيكون الخاسر الأول هو ميشال عون.

وعندما أطل سمير جعجع فور انتهاء العملية الانتخابية، كان يتحدث بلغة الواثق من فوز «لائحة التجدد» المدعومة منه، ومن العائلات السياسية الكسروانية التقليدية (أفرام والبون والخازن)، ونزع عنها أي طابع سياسي وأي صلة بتبنيه لـ «الجنرال» لرئاسة الجمهورية، وهو خيار «لن تهزه لا بلدية جونية ولا غيرها»، وأكمل ـ وهذه النقطة الأهم التي التقطتها الرابية ـ «لست مع التلاعب بالمهل من جديد (تقصير ولاية المجلس النيابي)، وأنا مع إجراء الانتخابات النيابية في وقتها (ايار 2017)، ومع إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً».

هو «الشيك» ذاته، وطبعا بلا أي رصيد، «يصرفه» جعجع يوميا ويحمّل «حزب الله» مسؤولية عدم اكتمال النصاب الدستوري، وعندما يأتي موعد أول «اختبار ميداني» لـ «تفاهم معراب»، يحاول كل طرف شدّه صوبه.. وصولا الى إثارة مخزون «الحساسيات التاريخية القديمة» («حرب الإلغاء») كما حصل في انتخابات الحدت في قضاء بعبدا، المعقل التاريخي للعونيين، لكأن المطلوب سقوط مزدوج لـ «الجنرال» في عرينه الكسرواني وعند عتبة «قصر الشعب» في بعبدا.. على يد «القوات»!

واذا كانت الإدارة العونية في هاتين المعركتين وأيضا في معركة دير القمر، قد أعطت نتائج «يبنى عليها سياسيا.. في المستقبل»، فإن «الجنرال» يواجه مهمة مزدوجة في المرحلة المقبلة، الأولى تتمثل في تشخيص أسباب الفشل الذريع في إدارة «التيار» لمعظم المعارك البلدية في الجبل وخصوصا في المتن، والثانية، الذهاب الى مصارحة قيادية قريبة مع «القوات» لإعادة ترميم «تفاهم معراب»، في ضوء استمرار حاجة الطرفين اليه، فضلا عن مردوده الإيجابي على الجمهور المسيحي وصولا الى طرح الأسئلة المحرجة على الحليف المستجد (هل يعقل أن تخاض بينهما «حروب إلغاء» جديدة؟).

وثمة مهمة عاجلة تقتضي إجراء مصارحة سياسية مع الحلفاء، وخصوصا سليمان فرنجية الذي فعل تدخله في انتخابات جونية مفعولاً عكسياً (نظرية «الغْريب»)، برغم استناده الى مدرسة «المال الانتخابي» والى عائلات متجذرة في كسروان منذ ما قبل زمن الاستقلال.. والى «القوات»، وهذه من مفارقات الانتخابات.

ومثلما لا يمكن للمزاج الزغرتاوي أن يقبل بهزيمة سليمان فرنجية في بلدته، فإن كسروان أعطت «درساً» جديداً برفضها محاولات كسر «الجنرال» وترحيله مجدداً خارج معقل الزعامة المارونية، وهذه المرة ليس عبر السفارة الفرنسية، بل عبر مرفأ جونية!

صحيح أن الأرقام العونية تراجعت في كسروان عن تلك التي تحققت قبل 11 عاما، لكن العصب الأساس في هذا القضاء ما زال عونيا، خصوصا أن البدائل (أحزاب وعائلات سياسية) مجربة سابقا ولا تغري غالبية الجمهور الكسرواني، من دون إغفال الدور الإيجابي الذي لعبه العميد المتقاعد شامل روكز في انتخابات بلديات هذا القضاء، على طريق تحضيره لقيادة المعركة الانتخابية المقبلة، فيما سجل غياب كامل لرئيس «التيار» عن مجريات كسروان الانتخابية.

بكل الأحوال، لننتظر قراءة «الجنرال» هذا المساء عبر شاشة «او تي في» مع الزميل جان عزيز.