IMLebanon

طريق الشام سالكة.. للزيارات «غير الشرعية»

لا يكاد «موّال» التنسيق مع حكومة النظام السوري يغيب عن ألسنة وحناجر «حلفاء سوريا في لبنان»، حتى تعود تلك الحناجر فتصدح به؛ ساعة تحت حجة إعادة النازحين السوريين الذين، وللمفارقة، هجرّوا من قراهم وبلداتهم هرباً من قصف وبطش النظام نفسه، وساعة أخرى بدعوى تطلّب معارك السلسلة الشرقية تنسيقاً بين الجيش اللبناني وجيش النظام، مع العلم أنّ المؤسسة العسكرية أعلنت أنها لن تقيم تنسيقاً من هذا النوع.. وها هو «الموّال» نفسه يتغنى به من جديد «حلفاء سوريا في لبنان»، وهذه المرّة لمواكبة زيارات بعض الوزارء إلى سوريا للمشاركة في مؤتمر لـ «إعادة إعمار سوريا»، في وقت لا تزال غير منطقة في سوريا تتعرض لقصف من جانب النظام منظّم المؤتمر، ومنها مناطق على تخوم دمشق، إلى حدّ أن الوزراء اللبنانيين الذي يزورون العاصمة السورية قد يسمعون صوت القذائف على حيّ جوبر وغيره من أحياء العاصمة. ثمّ يأتي من يتّهم قوى في الحكومة بأنها «لا تريد عودة العلاقات مع سوريا إلى سابق عهدها».. وكأنّ سوريا عادت إلى سابق عهدها وقد انتهت الحرب فيها! هذا إذا تناسينا عهود العلاقة بين لبنان والنظام السوري التي لا داعي لوصفها وهي معروفة للقاصي والداني.

إذاً كلّ هذه «المواويل» لا تغنّى إلّا لغاية في «نفس يعقوب»، و«يعقوب الممانعة» غايته تعويم النظام السوري ودفع الحكومة اللبنانية إلى «التطبيع» معه على الرغم من الإنقسام العمودي حول هذه المسألة في لبنان، شعبياً وسياسياً، وهو ما جعل سياسة «الابتعاد عن الصراعات الخارجية» شرطاً شارطاً للإستقرار السياسي والأمني في لبنان. إلّا أنّ حزب الله وقوى أخرى حليفة للنظام السوري لا تني تكرّر «معزوفة التنسيق» نفسها ضاربة عرض الحائط بكل ركائز النأي بالنفس عن «سياسة المحاور» وأهمّها ما ورد في خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الفقرة القائلة إنّ «لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة. ويبقى في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة اليه. من هنا ضرورة إبتعاده عن الصراعات الخارجية، ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي، حفاظاً على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاقٍ». وهي فقرة التزمت بها حكومة الرئيس سعد الحريري في بيانها الوزاري. ومن نافل القول أنّ «حزب الله» ومعظم حلفائه وافقوا على البيان الوزاري، كما أنهم أيّدوا خطاب القسم كما هو معلوم. وهنا يمكن طرح سؤال على دعاة «التطبيع» مع النظام السوري من وحي هذه الفقرة بالذات، إذ كيف يمكن للبنان العضو المؤسس في الجامعة العربية والذي يخضع لمقتضيات «الإجماع العربي» أن يعترف بالنظام السوري في وقت الجامعة العربية على موقفها من عدم الاعتراف به؟

وكما بات معلوماً فإنّ هذه الفقرة بالذات كانت الأداة الفاعلة بيد الرئيس سعد الحريري لوقف السجال بشأن الزيارات إلى سوريا ووضعِها في إطارها الشخصي الذي لا يلزم الحكومة بما لا تريد أن تلتزم به. وذلك بتأكيده «إلتزام النأي بالنفس كسياسة عامة للحكومة، وعدم توريط لبنان في صراع المحاور».

إذاً حسم الأمر في مجلس الوزراء، أمس الأول، ولا زيارات بصفة رسمية لوزراء لبنانيين إلى سوريا، على ما أكدّه وزير الإعلام محلم الرياشي عقب الجلسة بقوله إنّه «إذا أراد الوزير زيارة سوريا فيذهب بنفسه وليس بقرار من مجلس الوزراء»، مضيفاً: «أي زيارة ستتم لن تكون بقرار من مجلس الوزراء». إنما، وبالرغم من هذا الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية، إلا أنّ ثمة من يستمرّ بتصوير هذه الزيارات على أنّها «رسمية»! وهو ما يضع اللبنانيين، مجدداً، أمام منطقين سياسيين في البلد: منطق يستند إلى سياسة تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، ومنطق آخر يقوم على زجّ لبنان أكثر فأكثر في أتون هذه الصراعات الخطيرة، ومن البديهي القول إنّ الحس الوطني السليم لا يمكن أن يخطئ الاختيار بين هذين المنطقين.

وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة يشير إلى أنّه «من الطبيعي ألّا توافق الحكومة اللبنانية على التنسيق مع النظام السوري وهي التي تحمّلت أوزار الحرب السورية وتصرّف النظام السوري وتهجيره لملايين السوريين إلى الدول المجاورة وفي طليعتها لبنان، وهذه أسباب كافية لكي لا توافق الحكومة اللبنانية على التنسيق مع هكذا نظام».

ويعود حمادة إلى الماضي القريب ليؤكّد في حديث إلى «المستقبل» أنّ «موقفه من التنسيق مع النظام السوري ثابت ويعود إلى ما قبل انتفاضة الشعب السوري، ولأسباب لبنانية في الدرجة الأولى، منها ضلوع نظام بشار الأسد في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وجميع قادة ثورة الأرز».

بدوره، يؤكد وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي لـ «المستقبل» أنّ «محاولات استجداء الشرعية للنظام السوري من قبل حكومة الرئيس سعد الحريري مصيرها الفشل»، مشيراً إلى أنّ «الوزراء الذين سيزورون سوريا يقومون بذلك بصفة شخصية إذ لا قرار في مجلس الوزراء للقيام بهذه الزيارات، وبالتالي أي سجال في هذا الموضوع لا طائل منه طالما موقف الحكومة حاسم في هذه المسألة».

أمّا وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني فيحيّي موقف الرئيس الحريري في جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، ويلفت لـ «المستقبل» إلى أن «الرئيس الحريري تصرف بمنطق جيّد، إذ قال إنه لدينا خلافات حول السياسة الخارجية ولا داعي لإقحام مجلس الوزراء فيها».

ويتابع: «لكل رأيه في هذا البلد، ولا أحد يستطيع فرض رأيه على الآخرين»، مشيراً إلى أنّ منطق تحييد الحكومة عن الصراعات الخارجية اثبت قدرته على حماية البلد، فلماذا تجريب منطق آخر، كي يعيدنا إلى حال عدم الاستقرار السياسي».

الوزير الرياشي من جهته، يشدّد على ما ورد في المؤتمر الصحافي لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، لجهة إشارته إلى أنّ «أي وزير لا يمكنه زيارة سوريا بصفة شرعية إنطلاقاً مما حصل داخل مجلس الوزراء»، ودعوته الأفرقاء السياسيين إلى «تجنّب الخلافات الاستراتيجية والالتزام بخطاب القسم الداعي إلى النأي بلبنان عن الصراعات الخارجية».