IMLebanon

ترامب وبوتين قد يقرّران مصائر الآخرين.. تكرارٌ لصدى مؤتمر يالطا

 

 

ستيفن إرلانغر- نيويورك تايمز

 

في عام 1945، أُعيد رسم خريطة أوروبا في يالطا من دون أي مشاركة من الدول المعنية. أوكرانيا وأوروبا تخشيان تكرار المشهد عينه في ألاسكا.

اجتمعت القوى العظمى في العالم عام 1945 في ميناء يالطا على البحر الأسود لتقسيم أوروبا بعد هزيمة ألمانيا النازية. رسموا خطوطاً على الخريطة مزّقت دولاً، وسلّمت أوروبا الشرقية فعلياً للاحتلال السوفياتي، وقسّمت بولندا، من دون أن تكون أي من هذه الدول ممثَّلة أو صاحبة رأي في ما جرى.

 

ومع استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غداً الجمعة في ألاسكا، يتزايد الحديث – والقلق – بين الأوكرانيِّين والأوروبيِّين بشأن «يالطا ثانية». فهم ليسوا مدعوّين، وأعلن ترامب أنّه يعتزم التفاوض مع بوتين حول «تبادل أراضٍ» تخصّ الأراضي الأوكرانية.

 

واعتبر بيتر شنايدر، الروائي الألماني ومؤلف كتاب «قفّاز القفز فوق الجدار» عن انقسام برلين: «يالطا هي رمز لكل ما نخافه». في يالطا، انقسم العالم نفسه و»سُلّمت دول إلى ستالين. الآن نرى أنّ بوتين يُريد إعادة بناء العالم كما كان في يالطا. بالنسبة له، البداية من أوكرانيا، لكنّها ليست نهايته».

 

أصبحت يالطا، الواقعة نفسها في القرم التي ضمّتها روسيا، رمزاً لكيفية اتخاذ القوى العظمى قرارات بشأن مصائر أمم وشعوب أخرى. ويعتقد إيفان فييفودا، الباحث السياسي الصربي في معهد العلوم الإنسانية في فيينا: «إنّها لحظة مفصلية، يُقسَّم العالم الأوروبي إلى نصفَين، ويُحسم مصير الأوروبيِّين في الشرق من دون أي فرصة للتعبير عن رأيهم. بالطبع، العالم اليوم مختلف، لكن تُتَّخذ قرارات باسم دول ثالثة تعتبر هذه المسألة قضية وجودية».

 

وأوضحت كادري ليك، الخبيرة الإستونية في الشأن الروسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنّ احتمال أن تحسم القوى الكبرى مصير دولة ثالثة غائبة عن الطاولة «يمثل صدمة وطنية في معظم دول أوروبا الشرقية، بما فيها إستونيا. هذا الخوف دائماً قريب من السطح، الخوف من أن يبيعنا أحد أو يبيع أوكرانيا، وأن تكون تلك بداية عملية أكبر».

 

لا تتوقف أهداف بوتين المعلنة عند أوكرانيا. فهو، بصفته مراجِعاً للنظام الدولي الحالي، أوضح أنّه يُريد أن توقف الناتو أي توسع، وأن تسحب قواتها من أي دولة انضمّت بعد عام 1997 – بما في ذلك جميع الدول التي كانت تحت الاحتلال السوفياتي وأصبحت أعضاء منذ 1999 – وأن يُعاد التفاوض حول «بنية أمنية» جديدة في أوروبا تعترف بمجال النفوذ السوفياتي القديم. كما يسعى، إن استطاع، إلى فصل الولايات المتحدة عن أوروبا، لإضعاف أو تدمير العلاقة الأطلسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية.

 

انعقد اجتماع يالطا بين «القوى العظمى الثلاث» (بريطانيا، الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة) في شباط 1945، بعد تحرير فرنسا وبلجيكا، وحين أصبح انتصار الحلفاء على ألمانيا حتمياً. وتبعه مؤتمر بوتسدام في ألمانيا في تموز، الذي أكّد تقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ غربية وسوفياتية.

 

كان فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل مريضَين ومنهكَين، واعتقد كثيرون في أوروبا الشرقية أنّهما انخدعا بوعود جوزيف ستالين بالسماح بإجراء انتخابات حرّة في الدول التي احتلّها الجيش الأحمر.

 

ويشرح سيرهي بلوخي، أستاذ التاريخ الأوكراني في جامعة هارفارد ومؤلف العديد من الكتب عن الحرب الباردة بينها «يالطا: ثمن السلام»: «دخلت يالطا التاريخ بمعانٍ عدة، لكنّها أصبحت كلمة قذرة في أوروبا الشرقية، وخصوصاً في بولندا»، إذ كان موضوع حدودها الجديدة أحد أبرز القضايا المطروحة.

 

وأضاف، أنّ شارل ديغول لم يُدعَ أيضاً إلى يالطا: «نرى هنا تشابهاً واضحاً بين وضع ديغول وأوروبا، ووضع بولندا وأوكرانيا». وأشار إلى أنّ القوى الكبرى في أوروبا مستبعَدة أيضاً من قمة ألاسكا.

 

لكنّ بلوخي أشار إلى فروق واضحة: «كان ستالين مزعجاً لكنّه كان حليفاً، ولعب دوراً أساسياً في هزيمة النازيين». وكان روزفلت وتشرشل يحاولان «تحسين وضع الأراضي التي كانت محتلة من قِبل الجيش الأحمر»، ولم يكونا يتخلّيان عن أراضٍ يُسيطر عليها الحلفاء أو يتفاوضان حول حكومة فرنسا كما أراد ستالين. وأضاف: «لم تكن هناك تنازلات فعلية بشأن أراضٍ لا يُسَيطر عليها الاتحاد السوفياتي». ولم تكن واشنطن أو لندن ترغبان في توسيع الحرب لطرد السوفيات، على رغم من أنّ تشرشل أمرَ لاحقاً بوضع خطط طارئة لمثل هذا الصراع.

 

أمّا المؤرخ تيموثي د. سنايدر، المتخصّص في تاريخ أوكرانيا والحرب الباردة، فيرى أنّ قمة ألاسكا «أقل قابلية للتبرير أخلاقياً» من يالطا، لأنّ بوتين ليس حليفاً كما كان ستالين: «على رغم من أنّه كان يحكم نظاماً فظيعاً ويقمع فيما يُحرّر، فإنّ السوفيات تحمّلوا العبء الأكبر من الحرب في أوروبا، لذا كان من الحتمي التفاوض معهم على تسوية في نهاية الحرب».

 

لكنّ سنايدر، أستاذ في كلية مونك للشؤون العالمية والسياسة العامة في جامعة تورونتو، يرى فارقاً جوهرياً مع يالطا، وهو أنّ روسيا اليوم، وليست ألمانيا النازية، هي التي «تشنّ حرباً غير مبرّرة بكل فظائعها. وليست شريكاً غامضاً ساعد في إنهاء الحرب، بل هي التي بدأت الحرب».

 

ويرى المنتقدون أنّه من الممكن تبرير تفاوض ترامب مع بوتين، باعتبار أنّ روسيا طرف مقاتِل، لكنّ أوكرانيا أيضاً طرف مقاتِل، وينبغي أن يكون الرئيس فولوديمير زيلينسكي حاضراً، حتى لو ادّعى بوتين أنّه يعتبره غير شرعي وأنّ أوكرانيا دولة مصطنعة.

 

وأضاف بلوخي أنّ بوتين يُريد اليوم من أوكرانيا أن تتخلّى عن أراضٍ لا تحتلّها روسيا، وهو ما يُعيد إلى الأذهان لحظة تاريخية مثيرة للجدل في ميونيخ عام 1938، حين وافق نيفيل تشامبرلين على اتفاق مع أدولف هتلر لتفكيك تشيكوسلوفاكيا، التي لم تكن ممثلة في تلك المحادثات، في محاولة يائسة وفاشلة للحفاظ على السلام.

 

وأضاف بلوخي: «نعلم أنّ تشرشل وروزفلت تعرّضا إلى بعض الانتقادات بسبب يالطا، لكنّ تشامبرلين هو الذي صار سيّئ السمعة».

 

ويرى سنايدر أنّ مطالبة بوتين بأراضٍ أوكرانية غير محتلة تشبه مطالبة هتلر بـ»السوديت» من تشيكوسلوفاكيا عام 1938: «إذا أُجبِرَت أوكرانيا على التنازل عن بقية دونباس، فإنّها ستتنازل عن خطوط دفاع وحصون حاسمة لأمنها، ما اضطر التشيك لفعله آنذاك. كان هدف هتلر: تدمير تشيكوسلوفاكيا. والهدف النهائي لبوتين: تدمير أوكرانيا».