الدولة فوق الأرض… و “حزب الله” تحتها
على مدى سنوات، اعتلى كاهن السياسة الإيرانية، علي خامنئي، برجًا شاهق الارتفاع، بُنيت درجاته من طاعة الأذرع ـ الأتباع. كلّ ولاء كان درجة. وكلّ فصيل مسلّح حجر زاوية. حتى بدا البرج أشبه بمحراب يتلو فيه الولي تراتيل النفوذ، فيما الخرائط العربية تحت ناظريه عارية، مكشوفة، بلا سقف.
كاهن السياسة الإيرانية، ما كان له أن ينجح في ممارسة طقوس التمدّد، لولا هدية السماء له: السيّد حسن نصراللّه. “فقّس” المريد الأوفى الفصائل كما “تُفقّس” البيوض، وزرع الولاءات في بيروت وبغداد وصنعاء وغزّة ودمشق. وعندما اغتيل القارئ الوفي في كتاب الولي، “ناصت” قناديل النفوذ التي أشعلها بيديه.
باغتيال السيّد حسن نصراللّه، انفرط الحزام الجيوسياسي الذي شدّه الملالي حول خاصرتهم، ومن عليائه، هبط خامنئي فجأة إلى أسفل المشهد، محاطًا بخرائط تتمرّد عليه. فهل تُذعن طهران لواقع إقليمي جديد وتُسلّم، أم أنّ أذرع الملالي لحماية رأس النظام؟
يؤكّد مصدر سياسي رفيع، أنّ إيران تبذل جهدًا يائسًا لإعادة وهج “حزب اللّه”، رغم انكماش الأمل بإمكان بقائه فصيلًا مسلّحًا خارجًا عن سلطة الدولة اللبنانية لفترة طويلة، وسط ضغوط تتصاعد في الداخل والخارج
يرى المصدر أنّ رفض “حزب اللّه” تسليم السلاح، لا يُقرأ من باب العقيدة القتالية فقط، بل من نافذة القرار الإيراني، الذي يتعامل مع أذرعه كوسائد استراتيجية تُلقى عليها أعباء الداخل، كلّما مادت الأرض تحت أرجل الملالي، أو تصدّع السقف فوق رؤوسهم.
يربط المصدر تمسّك إيران ببقاء سلاح “حزب اللّه” بنظرية “الدفاع إلى الأمام”، ويشرح أنه منذ ولادة الجمهورية الإسلامية عام 1979، أدرك النظام الإيراني باكرًا، أن بقاءه لا يُؤمّن بالقبضة الأمنية وحدها، وأن درع الحماية الحقيقية لا يُبنى داخل الحدود، بل خارجها. من هنا ولدت نظرية “الدفاع إلى الأمام”، حيث تخاض المعارك خارج الحدود، قبل أن تطرق أبواب الداخل. لم تكن هذه النظرية شعارًا عابرًا بل ممارسة ثابتة.
ويضيف: لم ترسل إيران جيوشها يومًا للحرب، بل أرسلت وكلاءها، تحارب بهم، وعبرهم، على أراضٍ بعيدة ليست أراضيها. وحين وصلت الموسى الإسرائيلية إلى ذقنها، ردّت بما يحفظ ماء وجهها، دون أن توسّع المواجهة.
يضيف المصدر: انطلاقًا من نظرية “الدفاع إلى الأمام”، تتكشف الحاجة الوجودية للملالي إلى سلاح “حزب اللّه” كدرع يحمي النظام. فإذا ما سقطت الأذرع وأطولها “حزب اللّه”، انفتح الباب واسعًا أمام اهتزاز الداخل، وربما انهياره، إذ لطالما كانت قوة النظام تقاس بقدرته على إبعاد الخطر عن أسواره، لا بصلابة هذه الأسوار.
يربط المصدر تمسّك إيران بنظرية “الدفاع إلى الأمام”، بمخرجات جلسة 5 أيلول، معتبرًا أن التسوية التي تمّ إخراجها في “جلسة الترحيب”، تلخصت في قاعدة واضحة: “كلّ سلاح فوق التراب اللبناني من حق الدولة اللبنانية، وكلّ سلاح تحت التراب اللبناني يبقى لـ “حزب اللّه” حتى إشعار آخر”. وهذا ما يفسّر إبقاء خطة الجيش لحصر السلاح مفتوحة المدّة الزمنية، إضافة إلى ربط تنفيذ خطوات الخطة، بخطوات لا بدّ أن تقوم بها إسرائيل.
يميّز المصدر بين جنوب الليطاني وجنوب الأولي، ويقول إن الجيش سيواصل تنفيذ خطّة حصر السلاح في جنوب الليطاني حتى آخر رصاصة في آخر مخزن، أمّا جنوب الأولي فحكاية مختلفة. يشرح أنّ الجيش اللبناني استنفد مخزونه من المواد المتفجّرة، واستعان بمتفجرات من “اليونيفيل”، قبل أن تدعمه واشنطن بحزمة مساعدات أمنية بقيمة 14 مليون دولار، تسهم في تفكيك ما تبقى من مخابئ أسلحة وبنية تحتية جنوب الليطاني.
لكن، المصدر الذي تحدّث عن “ربط نزاع” مع إيران و “حزب اللّه” في جلسة 5 أيلول منعًا لانفجار داخلي، يربط بين ضربة الدوحة وجلسة 5 أيلول بخيط أمني واحد، ويقول إذا كانت يد نتنياهو قادرة على أن تضرب في دولة بعيدة من دول الطوق، فلن تتردّد في الوصول إلى جنوب الأولي، ما لم تحسم الدولة أمر سيادتها، وتبسطها بلا التباس على كامل أراضيها.