IMLebanon

كلّ ما هو آتٍ.. آت

 

مُزرٍ ومبكٍ ومفجعٌ حال لبنان وسياساته التي لا تجيد إلا فنّ الانتحار ونحر البلد والشعب، وبعيداً عن لبنان كأنّ هذا العالم لا تكفيه حروبه وتوتراته حتى أضيفت على لائحتها «كشمير» والتوتّر بين الهند وباكستان، وكأننا ينقصنا المزيد من الدماء في هذا العالم التعيس!

 

المتفرّج بالأمس على «جرعة» التفاؤل التي تمّ حقنُ الشاشات اللبنانيّة بها سروراً وابتهاجاً باحتمال انعقاد جلسة مجلس وزراء ـ على عيون العالم ـ أصابه غمٌّ شديد من رؤساء لا يحترموا الشعب الذي أوصلهم إلى مناصبهم وكراسيهم ورئاساتهم، بمنتهى الخفّة لم يفكّر أحد أن يوجّه اعتذاراً للشعب اللبناني عن تعطيل البلاد لأكثر من شهر، «آخر همّن»، وهذا الشعب من شدّة استيائه بات هو أيضاً «آخر همه» أيضاً!!

 

ما أحوج لبنان المبتلى بقلة حكمة سياسيّه وتعنتّهم وجفاصتهم ووقاحتهم في التهاون بشؤون البلد والنّاس إلى الموعظة البليغة لأشهر قساوسة مكّة قبل الإسلام، قس بن ساعدة الأيادي، ما أحوجهم إلى حفظ كلماتها وتلاوتها كفعل ندامة عن ظهر قلب «بركي بيحسّوا عدمّن»، ما أحوجهم إلى كتابة خطبته الشهيرة «قصاص» ألف مرّة علّهم يتوبون من الفجور الذي يصرون على التمادي في غيّه،    ليت لبنان يتراءى لدقائق وكأنّه سوق عكاظ وشعبه يقف مصغياً لكلمات قس بن ساعدة يتردد صداها في آذان هؤلاء الذين لا يقيمون أي اعتبار لهذا الشعب وعذاباته: «أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئاً فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعِبَراً(…) ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرَضَوْا بالمقام فأقاموا أم تُرِكوا هناك فناموا؟ تباً لأربابِ الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية (…) يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟ وأين المريض والعوّاد؟ وأين الفراعنة الشداد؟ أين من بنى وشيّد، وزخرف ونجّد؟ أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً، وأطول منكم آجالاً؟ طحنهم الثرى بكَلْكَلِه، ومزّقهم الدهر بتطاوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية(…)، ثم أنشد قس بن ساعده بحكمته ما سيبقى سارياً علينا في كلّ آن وزمان، ولكن.. هيهات أن ننتفع أو نعتبر: «في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر/ لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر/ ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر/ لا يرجع الماضي إليّ ولا من الباقين غابر/ أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر».

 

لقد تعب اللبنانيون من هذه المهازل التي تقام كلّ فترة ويشدّون فيها وتر جنونهم كأنّ الحرب ستقم غداً، والناس غارقة في جريها خلف المعايش وهموم تأمين اللقمة لأطفالها والدواء والكساء في مواجهة طبقة سياسيّة لا ترحم ولا تريد لرحمة ربّنا أن تنزل على هذا الشّعب، مُعذَّبٌ ومُعَذِّبٌ هذا الوطن الذي قُدرت لنا الولادة والعيش فيه، هل قدرنا أن نصارع حتى الرمق الأخير لنعيش ويعيش أبناؤنا أقل من كفاف أيامهم، وفي أيامنا وأيامهم ما يكفي من الذلّ والفقر والتآمر عليهم وعلى لبنان، هل ستبقى هذه الطبقة الحاكمة الوقحة قضاء وقدر لبنان وشعبه وهل سيبقى البلد يتجاذبه القيل والقال وتبادل التهم والادّعاءات والهرج والمرج والتباس الصور واختلاطها وإحساسنا المخيف بالعجز التام والاستسلام؟!