IMLebanon

تشاور يكرّس سابقة في انتخاب رئيس الجمهورية | السفراء الخمسة: من المواصفات إلى النصاب

 

 

أوحى التحرك المستجد لسفراء «الخماسية» بأن لبنان يسير عكس تيار المنطقة. بينما تذهب هي الى مزيد من التصعيد والتعقيد، يبدو هو كأنه في طريق الاياب من الشغور. ظهرت اخيراً علامات غامضة ملتبسة، مؤداها ان دوافع تعذّر انتخاب الرئيس، قبل حرب غزة ومعها، قد تكون موشكة على النهاية

 

تنطلق جولة سفراء الدول الخمس من المبادرة الجديدة المتفق عليها بين الرئيس نبيه برّي وتكتل الاعتدال الوطني، في محاولة تذليل عراقيل من طريقها وصولاً الى انتخاب رئيس للجمهورية. اعلان عزمهم على التجوال على المراجع والقيادات والكتل كلها، اعطى اشارة الى جدية مختلفة هذه المرة. المختَلِف ايضاً في تحرّك السفراء مضمون المحاولة لا شكلها فحسب. في ما مضى، في اجتماعات بيروت كما قبلها في باريس ونيويورك والدوحة، قاربت لجنة الخمسة انتخاب الرئيس على نحو مقلوب: تحدثت علناً عن المواصفات التي تراها في المرشح وحضت على استعجال انتخابه، وسراً راح كل من اعضائها يسوّق لأحد ما يدعمه. ما أهملته في تحركها السابق هو لبّ المشكلة: تجاهلها أهمية نصاب الثلثين في مجلس النواب وسبل توافره على انه هو – لا المواصفات ولا المرشح – مفتاح انتخاب الرئيس. تحرّك السفراء البارحة بدا كأنه يصوّب مسارهم ما ان تنبهوا الى مواقع الكتل وتأثيرها في اكتمال النصاب.عُزي العامل المستجدّ في جهود السفراء الخمسة الى مسودة اتفاق بين رئيس البرلمان وكتلة الاعتدال الوطني اطّلعوا عليها، وسجّلوا مآخذ أوجدت تبريراً لنشاط مختلف وأوسع. لم يكن السفراء بعيدين من التحرك الذي كانت باشرته كتلة النواب الستة (نواب عكار والمنية والضنية) بعناوين ثلاثة فقط: لقاء، نصاب، انتخاب بجلسات مفتوحة، ما لبثوا ان وافقوا عليه وترقبوا مآل مسعى الكتلة.

رمت العناوين هذه الى التوفيق بين ما رغبت فيه الكتلة وما كان نادى به برّي منذ وقوع الشغور الرئاسي: حوار ليوم واحد عوض سبعة ايام، تشاور لا طاولة حوار يفضي الى النتيجة المتوخاة نفسها وهي انتخاب الرئيس، التوافق على مرشح او اكثر تمهيداً للذهاب الى التصويت، جلسات تفسح في المجال امام دورات اقتراع عدة لا تقتصر على اولى وثانية فقط، التزام حضور الجلسات بنصاب الثلثين وعدم مغادرة القاعة. على ان الصيغة الاولى للمبادرة اصطدمت بعراقيل ابرزها احجام حزب الله عن استقبال النواب مرة تلو اخرى وابداء رأيه فيها.

من ثم تدحرجت عراقيل جديدة لم تكن في متن المسودة الاولى، عزتها كتلة الاعتدال الوطني الى شروط مستجدة طرحها رئيس البرلمان وتمسّك بها، ابرزها اثنان شكليان الا انهما ضعضعا المبادرة برمتها: تولي مجلس النواب توجيه الدعوة الى التشاور رسمياً على انها منبثقة منه، وترؤسه هو او نائب رئيس المجلس التشاور المتفق عليه. نجم عن تداول الشرطين مناوأة كتل المعارضة المسيحية الذهاب الى تشاور برئاسة ما، وخصوصاً برئاسة برّي، وكذلك صدور الدعوة عن مجلس النواب.

عندما حملت كتلة الاعتدال الوطني الشرطين الجديدين الى السفراء الخمسة رفضوهما، واصروا على تشاور بلا دعوة وبلا رئيس له، على ان يصير الى ايلاء الاولوية لانتخاب الرئيس فحسب في دورات مفتوحة متتالية.

استعيد الحوار بين برّي والكتلة مجدداً وانتهى قبل اسبوعين الى تعديل المبادرة الاولى بجعلها في بنود عشرة ادمجت ما كانت اقترحته الكتلة في ما طلب رئيس المجلس ادخاله فيها.

في ابرز ما تناولته:

– دعوة رؤساء الكتل وتمثيلها كلها تبعاً لأحجامها دونما استبعاد احد.

– تولي الامانة العامة لمجلس النواب توجيه الدعوة ما دامت ستعقد في مقر البرلمان.

– يترأس التشاور رئيس المجلس ما لم يمانع فريق او يناط عندئذ بنائب رئيس المجلس.

– تشاور ليوم واحد فقط الى طاولة مستديرة يصير خلاله الى الاتفاق على مرشح او اثنين او ثلاثة او اكثر حتى، والتوجه بعدذاك الى جلسة الانتخاب.

– تعهّد الكتل جميعاً بلا استثناء اخلاقياً بالتزام نصاب الثلثين وعدم تطييره بعد الدورة الاولى من الاقتراع على غرار الجلسات الاثنتي عشرة الماضية.

– جلسات بدورات متتالية تصل الى اربع في اليوم فسحاً في المجال أمام التوافق على انتخاب رئيس. بانقضاء الدورات الاربع دونما انتخابه يقفل المحضر ويلتئم المجلس في اليوم التالي. تتيح الدورات الاربع منح اوسع حظوظ للفوز بالأكثرية المطلقة بين الدورة الثانية والرابعة في حال اخفق الفوز من الدورة الاولى بالثلثين. راعى هذا البند بين اصرار رئيس المجلس على اقفال الجلسة التي يتعذر فيها انتخاب الرئيس وبين ما يطالب به السفراء الخمسة ورامته كتلة الاعتدال الوطني مراعية بدورها المنادين بجلسة مفتوحة حتى انتخاب الرئيس. اذا المعادلة الجديدة: جلسات مفتوحة بدورات متتالية، لا دورات متتالية لجلسة مفتوحة.

مبادرة من عشر نقاط وافق السفراء الخمسة على ثمان منها

 

ما خلا بنديْ توجيه الدعوة وترؤس التشاور رحب السفراء الخمسة بالمبادرة ودخلوا للتو على خطها. اولى علامات تدخّلهم مقابلتهم امس رئيس المجلس والبطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي على ان يستكملوا التحرك في الايام اللاحقة. وصلت النقاط العشر الى كتل بعضها ايدها كالتيار الوطني الحر ونواب مستقلين، وبعض تحفظ او عارض كالمعارضة المسيحية على رأسها حزبا القوات اللبنانية والكتائب. فريقان احجما عن ابداء رأييهما حتى الآن وهما معنيان اساسيان: حزب الله وتيار المردة.

بعض ما ورد في مبادرة النقاط العشر مثار جدل بدوره. حسنتاها الاثنتان: اولاهما ان لا مواصفات ولا فيتوات ولا اسماء قبل الجلوس الى طاولة التشاور على ان ينبثق من هذه المرشحون، وثانيتهما التزام نصاب الثلثين وعدم اطاحته في كل دورات الاقتراع. اما السيئة – وهي طامتها – فتكريس سابقة فرض طاولة حوار او تشاور قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وتحوّلها لاحقاً الى قاعدة تبرر الشغور وتربط اي انتخاب للرئيس بالتوافق عليه قبل الذهاب الى البرلمان، على نحو يناقض تماماً ما نصت عليه المادة 49 في الدستور. يضاعف التخوّف من السابقة التفويض الى مجلس النواب توجيه الدعوة واقرانها بمحضر جلسة التشاور يجعل منها وثيقة رسمية. بذلك تمسي للبرلمان صلاحيتان: دستورية ملزمة هي انتخاب الرئيس، وواقعية هي التسليم باستباق الانتخاب بطاولة تشاور او حوار تدعى الكتل اليها ما يجعل من التوافق فيها شرط انتخاب الرئيس.