IMLebanon

لتعديل الدستور مسلك واحد

 

عقد مجلس الوزراء جلسة حكومية في القصر الجمهوري، يوم الجمعة الفائت، ناقش خلالها جدول أعمال مؤلفًا من واحد وثلاثين بندًا، تضمّن عددًا من الاقتراحات والطلبات والتعيينات.

 

وما لَفَتَ الانتباه، البند الخامس من جدول الأعمال، المتعلّق باقتراح دستوري يرمي إلى تعديل المادة/70/ من الدستور، المتعلّقة بمُلاحقة واتّهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العُظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم…كذا…. .

 

وبالاطّلاع على التعديل المُقترح، يتبيّن جليّاً أنّه يفصل بين الاتّهام بالخيانة العُظمى، الذي بقي ضمن صلاحيات المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وبين الإخلال بالواجبات المُترتّبة على رئيس مجلس الوزراء أو الوزير والأفعال التي يقترفها أثناء تولّيه وزارته، حيث بات القضاء العدلي هو المولج بالمُلاحقة والمحاكمة.

 

بالمضمون لا شكّ أنّ هذا الاقتراح جاء في محلّه الصحيح، ويقتضي على كافة مَن يُنادون بالدولة والمؤسسات تأييده. لأنّه وبحال إقراره يكون قد جرّد كلّ مَن تُسوّل له نفسه ارتكاب الفساد، من أيّ حماية أم ضمانة، ولكلّ مَن يؤمن أنّ تولّيه الوزارة هو رسالة وواجب وطني لن يُزعجه هذا التعديل على الإطلاق.

 

أمّا المُلاحظة التي دفعتنا إلى كتابة هذه السطور، فهي شكلّية وإجرائية لا غير.

 

 

 

ثابتٌ أنّ الاقتراح الدستوري المذكور موقّع من عشرة نوّاب ومُقدّم ضمن عقد عادي، وبالتالي ينطبق عليه نصّ المادة/77/ من الدستور المتعلّقة بآلية إعادة النظر بالدستور بطلب من مجلس النواب.

 

 

 

بالتالي، كان يُفترض على رئيس المجلس النيابي أن يطرح هذا الاقتراح (وقبل إرساله إلى الحكومة) على الهيئة العامة للتصويت عليه بأكثرية الثلثين. فإذا نال التأييد، أحاله إلى الحكومة لوضع مشروع قانون بالتعديل… كذا.

 

 

 

أمّا ما جرى، أنّ رئيس المجلس النيابي تعامل مع هذا الاقتراح كأي اقتراح عادي مُقدّم من نائبٍ أم أكثر، وأحاله إلى الحكومة لإبداء الرأي. مُخالفاً بذلك نصّ المادة/77/ من الدستور بشكلٍ صريحٍ وواضح.

 

 

 

مما يُفيد، أنّ مخالفات رئيس المجلس تمثّلت:

 

أوّلاً، أنّه تعامل مع هذا الاقتراح الدستوري، كأي اقتراح عادي، إذ أحاله إلى الحكومة لإبداء الرأي. فيما الاقتراح الدستوري لا يُحال إلى الحكومة إلاّ بعد نَيْله موافقة ثُلثيّ أعضاء المجلس النيابي من جهة، ولوضع مشروع التعديل من جهةٍ أُخرى وليس لإبداء الرأي.

 

 

 

ثانياً، كان على رئيس المجلس وقبل إحالته إلى الحكومة، دعوة مجلس النواب للانعقاد ومُناقشة اقتراح التعديل الدستوري، والتصويت عليه بأكثرية الثُلثين، فإذا نال هذه الأكثرية الموصوفة، يُحال إلى الحكومة لوضع مشروع قانون في شأنه. عندها على الحكومة أن تلتئم وتُناقش طلب إعادة النظر المشفوع بموافقة ثُلثيّ عدد أعضاء المجلس النيابي، وتُصوّت عليه بدورها بأكثرية الثُلثين أيضاً، بعدها تضع مشروع التعديل وتطرحه على المجلس النيابي خلال أربعة أشهُر.

 

 

 

وبالخُلاصة، إحالة اقتراح التعديل الدستوري إلى الحكومة قبل إتمام هذه الإجراءات وإنجازها، يُعتبر مُخالفة دستورية، تحديدًا للمادة/77/ من الدستور.

 

 

 

على أمل أن لا تكون هذه الإحالة الباطلة إلى مجلس الوزراء من باب التسويف والمماطلة، سيما وأنه يقتضي على مجلس الوزراء إعادة الاقتراح إلى مرجعه لعدم دستورية الإحالة. وأن تكون هذه الإحالة قد تمّت عن طريق الخطأ المادي الذي لا يعكس نوايا أو أهداف خفية.

 

 

 

مع التأكيد، أنّه وفي الأساس فإنّ هذا الاقتراح يجب تأييده وإقراره. لأنه يهدف إلى تسهيل مُلاحقة المُرتكبين من الوزراء في حال الارتكاب. فلا يجوز أن نسمح لأي وزير أن يتلطّى خلف الدستور لحماية نفسه، ومنع المُلاحقة عنه. فالدولة لا تقوم بالفساد، وما شهدناه وما زلنا من فصول وزراء استغلّوا الوظيفة ونهبوا المال العام، يجعلنا أكثر تأييدًا لهذا الاقتراح. التعديل مهّم لكن شرط أن يسلك المسار الدستوري السليم وألاّ نكون كَمَن يُراوح مكانه، لا حول له ولا قوّة.