IMLebanon

اميركا وشركاؤها الخليجيون يستعملون ملف النازحين للضغط على محور المقاومة

مضمون اجتماع مجلس الوزراء البارحة هيمن على النقاش السياسيّ واستبدّ بتفاصيله. ليس المضمون في حقيقته معصوماً عن واقع قد غدا خطراً بتوجهاته وأهدافه. فالنازحون باتوا عبئاً كبيراً يهدّد بخلل كبير في بنية لبنان الطوائفيّة، وينذر بنزيف صاعق على مستوى اقتصاده، ويقود إلى اهتزاز السياق الاجتماعيّ وأخذه نحو انفجار لا تحمد عقباه.

مصادر مواكبة لهذا النقاش، وبخاصة للنقاش الدائر في مجلس الوزراء، أضاءت على هذا الواقع بكثير من القلق ومزيد من الحيطة والحذر. لا ينطلق حذرها من جوف الاستقراء الممارَس دوماً في منهجية  القراءات السياسيّة بل من معلومات تكشفت وباحت بأن الأزمة ستبقى مفتوحة ضمن خطوط الاصطفاف السياسيّ الراسخ في النقاش، والمتجاوز أحيانًا كثيرة للتسوية الكبرى القائمة على مجموعة نتائج تحققت هنا وثمّة ومنها رسخ العهد برئاسة العماد ميشال عون وانطلق.

لماذا هذه الأزمة ستبقى مفتوحة بنظر هذه المصادر المواكبة؟

عن هذا السؤال أجابت قائلة، من راقب سياق النقاش في مجلس الوزراء، اكتشف بلا لبس أنّ الوزراء المناقشين عادوا إلى اصطفافين كادا أن يعبرا فاستُولدا من جديد، وهما سياق 14 و 8 آذار بتضادهما وتواجههما. ومن الواضح، وبحسب تلك المصادر أن المناقشين لم يركّزوا في التداعيات المتراكمة على الأرض من جرّاء ازدياد عدد النازحين السوريين على أرض لبنان، ويتبيّن بصورة تدريجيّة أنّ نسبة النزوح بحسب الإحصاءات الأخيرة والدقيقة تفوق العقل والقدرة على الاستيعاب، فالولادات تكثر وتتكثف، وبفعل استمرار هذه الطامة يتبيّن أن إرادة بعضهم أن يستمر لبنان بلد نزوح وليس وطناً للوجود. فعدم التركيز في التداعيات وبحسب ما تبديه تلك المصادر تورّط خطير في حسابات لن تكون نتائجها حميدة على كلّ الصعد، لدرجة أنّ شخصية سياسيّة متطرّفة قالت في مجلس خاصّ، ان انفتاح الحكومة اللبنانيّة على الحكومة السوريّة ينبئ بانكسارنا وهذا ما لم نسمح به البتّة.

تلك المصادر المواكبة اعتبرت أن تكليف رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم مناقشة هذا الملفّ مع الحكومة السوريّة هو حلّ وسطيّ يحدّ من النقاش الحاد. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن مسألة الملفّ بحدّ ذاته باتت تهدّد الكيان اللبنانيّ بنظامه وتركيبته ليس بالخلل بل بالانهيار على غرار اندماج القضيّة الفلسطينيّة بالداخل اللبنانيّ وقد سمح هذا الاندماج بالانفجار السريع في الحقبة الفاصلة ما بين سنة 1969 وصولاً إلى سنة 1975 مروراً بأحداث سنة 1973 بسبب العطب والخلل في التركيبة الطوائفيّة اللبنانيّة. ذلك أن عدداً من الشخصيات الإسلامية السنيّة اعتبر أن منظمّة التحرير الفلسطينيّة جيش المسلمين في لبنان. وتخشى تلك المصادر من تكرار السيناريو عينه مع النازجين السوريين في لحظة متفلّتة تشعّب فيه دور المنظمات التكفيريّة وأثّر في الواقع المشرقيّ بصورة عامّة.

لماذا يخشى بعضهم من انفتاح الحكومة اللبنانيّة على الحكومة السوريّة، ولماذا رئيس الجمهوريّة اللبنانية لا يقوم بزيارة نظيره السوريّ؟

بحسب المصادر نفسها، إن انفتاح الحكومة اللبنانيّة بتقييم ظهر عند عدد من فريق الرابع عشر من آذار يؤدّي إلى تسليم كامل بشرعية الرئيس بشار الأسد. وفي رأي هذه القوى إن معنى التسليم لا يتماهى قطعياً مع السعي الأميركيّ الهادف إلى تقويض النفوذ الإيرانيّ في سوريا وبالتحديد في هذا المدى المنطلق من إيران إلى لبنان مروراً بسوريا. والخوف عند هذه القوى وبحسب التقويم، بأن يخسر لبنان إمكانية تسليح الإدارة الأميركيّة لجيشه، وفي الوقت عينه من أن تشتدّ العقوبات على حزب الله، وقد تتعمّم على حلفائه وشركائه، وهذا وارد. وتشير تلك القوى ان انفتاح الحكومة اللبنانيّة على الحكومة السوريّة وتواصلهما بصورة رسميّة سيؤدّي إلى تلك النتائج غير المحدودة وغير المنضبطة. أمام هذا ترى تلك القوى أنّ معالجة هذا الملفّ يتمّ عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدوليّة التابعة لها، ولا بأس أن يكون اللواء عباس إبراهيم مكلّفً من الرئيس، فهو حلّ وسطيّ معقول ومقبول. وفي رأي هذه القوى إن عدم قيام الرئيس اللبنانيّ بزيارة إلى سوريا أفضل في تلك الظروف.

غير أن قوى أخرى عرفت بانتمائها إلى فريق الثامن من آذار، قدّمت وبحسب هذه المصادر أيضاً قراءة متناقضة في الجوهر والأسلوب لقراءة عدد من قوى الرابع عشر من آذار. ففي رأيها أنّ ملفّ النازحين يفترض أن يكون حرّاً ومتحرّراً من التجاذبات، ذلك أن التجاذبات من هنا وهناك تسمح بأن يكون ورقة تستهلك ليس على طاولة التفاوض بل في انبثاث عنف متجدّد ومتوثّب ومتفجّر. فقد تبيّن من بعد اقتحام مخيّم النور وتوابعه في عرسال، أنّ ثمّة بيئة حامية ومتأصّلة، كما لاحظت هذه المصادر أن اعتقال الارهابي خالد السيّد او خالد مسعد بعملية جراحية هادئة استأصلته بـ«عملية نظيفة» نفذتها المديرية العامة للامن العام، وهو انجاز كبير يسجّل للمديرية التي نجحت في التحوّل الى رقم صعب في المعادلة الامنية وحازت تنويه واعجاب الاجهزة الأمنية الغربية والعربية، كل ذلك تحت اشراف وقيادة مباشرة من اللواء عباس ابراهيم، والتي سجلت مرة جديدة انجازاً في كشف البيئة الحامية والحاضنة للارهاب ولخطورتها المستديمة في لبنان. وعلى هذا افترضت تلك القوى أن البيئة الدوليّة وبخاصّة الأميركية لا تزال تشجّع في الجوهر على استخدام تلك الأوراق بوجه إيران والنظام السوريّ وبوجه جبهة الممانعة بصورة عامّة. الأخطر أنّ هذه الأوراق تستهلك المخيمات السورية والفلسطينيّة وتتوسّل أرض لبنان من أجل ان تحرقه.

وفي معلومات تلك القوى، أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة وشركاءها الخليجيين غير طموحين لإيجاد حلّ جذريّ لملفّ النازحين في لبنان، فهم عاكفون على استهلاك هؤلاء وقوداً واوراق ضغط في حربهم مع محور أيران روسيا وسوريا والعراق. وتبقى الأرض اللبنانيّة خصبة في هذا التنازع الكبير. وتستشهد تلك القوى بسؤال طرح على العماد عون منذ زمن، وهو لماذا حتى الآن لا تتمّ معالجة ملف النازحين السوريين؟ لتكمل قائلة مع العماد عون لأن الدول المعنية بهذا الصراع غير راغبة في إيجاد حلّ سياسيّ للأزمة السوريّة. لقد قرأت هذه القوى موقف وزراء التيار الوطنيّ الحر، من خلال وزرائه أو من خلال حديث ادلى به الوزير السابق كابي ليون بالملتزم والراسخ والدقيق.

بالنسبة إلى تلك القوى الخيار الوسطيّ الذي اتخذه رئيس الجمهورية بتكليف اللواء إبراهيم عين الصواب،  لكنّها رأت أن ثمّة من هوّل على الحكومة اللبنانيّة بحال قررت التواصل مع الحكومة السوريّة بعقوبات شديدة، وبحرمان الجيش اللبنانيّ السلاح. واستناداً الى ذلك تساءلت تلك القوى، ألم يتبيّن حتى الآن أن تحرير عدد كبير من المواقع السوريّة والعراقيّة مؤشر لانتصار منطق الدولة السوريّة، ألم تظهر النتائج حتى الآن امام أعين الجميع، وبالتالي، ألم يتبيّن أن وصل الحدود العراقية – السوريّة بالحدود اللبنانيّة-السوريّة، والحدود السوريّة – التركيّة خيار استراتيجيّ لا حياد عنه عند الروس وحزب الله وإيران وحتى تركيا في اندراجها في قلب الصراع القطريّ – السعوديّ؟ إن الخطأ الاستراتيجيّ الذي أظهره بعضهم هو بالارتكاز على الاحادية الأميركيّة وعدم ملاحظتهم أنها جوفاء، ولا تملك القدرة على تقويض الدور الإيرانيّ، ذلك أنّ الصراع الخليجيّ سيصبّ حتماً لصالح الدور الإيرانيّ.

من هنا، إن ورقة النازحين جزء من هذا الصراع، وسيبقى هذا الملفّ يقضّ مضاجع اللبنانيين أكثر من أيّ ملف آخر، فالمراجع الدوليّة تتاجر به وتستثمره وتهيئه ليكون مادّة للاحتراق أو الانفجار على أرض لبنان كما حدث مع الفلسطينيين. فأقصر طريق بالنسبة لهذه القوى الاتجاه إلى سوريا والاتفاق معها على حلّ متكامل يقي لبنان مخاطر النزوح وتداعياته ويحميه من أي انفجار وشيك.