IMLebanon

أميركا وإخراج إيران من اللعبة السورية

تدرك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن عملية تفكيك النفوذ الإيراني في المنطقة تحتاج لما هو أكثر من التكتيكات العادية التي جرى العمل بها خلال السنوات الماضية، من قبل الحلفاء، والتي اتخذت في الغالب طابعاً دفاعياً في مواجهة الهجوم الإيراني الشامل على كل المحاور.

ولا يمكن حصر محاربة النفوذ الإيراني عبر إغلاق طريق أو طرق إمداد لوجستية برية بين سورية والعراق، على رغم أهمية مثل هذا الأمر، ذلك أن إيران صنعت على مدار السنوات الست السابقة بنية عسكرية وأمنية متكاملة، واختبرت طرقاً وأساليب كثيرة للتعامل مع التطورات الطارئة، بما فيها إيجاد بدائل لنقل الأسلحة من إيران عبر إنشاء مصانع في أجزاء من الأراضي السورية للصواريخ الإيرانية، في حماة والقلمون، كما أنها أغرقت الساحة السورية بميليشيات أجنبية وميليشيات صنعتها محلياً لدرجة لم تعد معها بحاجة إلى تغذية قواتها بمزيد من العناصر في المدى القريب، مع إدراكها أن طريق بغداد- دمشق لن يبقى مغلقاً إلى آجال بعيدة.

التقدير أن هذه المعطيات لم تفت صناع الإستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران، وبخاصة أن جميعهم تعاطى عن كثب مع الذهنية الإيرانية وأساليب عملها من خلال التجربة العراقية، بالإضافة إلى وجود متغير مهم يتمثل بالعامل الروسي الذي يندمج مع الوجود الإيراني بحكم التنسيق المشترك والضرورة العملانية، وهو ما يستدعي التفكير بطريقة محتلفة وإستراتيجية عملية لتفكيك النفوذ الإيراني وتعطيل مفاعيله في سورية.

وعلى رغم عدم إعلان الإدارة الأميركية عن إستراتيجيتها في هذا الخصوص، إلا أن ملامح هذه الإستراتيجية تكشف احتواءها مكونين أساسيين: الخطوات الصغيرة، وفصل إيران عن روسيا.

وحتى اللحظة، نفذت أميركا العديد من الخطوات الصغيرة، منها قطع الطرق بين العراق وإيران، وضرب ميليشيات إيرانية في البادية السورية، وكان قد سبقهما ضرب إسرائيل مطار دمشق الدولي بصفته خط إمداد لوجستي إضافي، والواضح أن هذه الضربات والإجراءات، بالإضافة إلى مفعولها العسكري، فهي تهدف إلى إدراج الحضور الأميركي في الفضاء السوري، إذ يصبح أحد معطيات المشهد، ومن جهة أخرى يتيح لأميركا استكمال البنية اللازمة لإنفاذ إستراتيجيتها، سواء من خلال بناء المراكز والقواعد، أو تجهيز القوات المحلية الرديفة التي ستلقى على عاتقها مهمات السيطرة على الأرض.

بالإضافة إلى ذلك، تشكّل الخطوات الصغيرة إجراءً واقعياً للطرف الأميركي الغائب سنوات طويلة عن الميدان السوري، وفي الوقت ذاته لا يزال في طور اختبار الأرض والحلفاء المحليين والإقليميين وتفحّص الإمكانات في مواجهة أطراف رسخت وجودها عبر فترة زمنية مديدة.

أما بالنسبة إلى عملية فصل إيران عن روسيا، فالواضح أن الإدارة الأميركية صنعت سياقاً متكاملاً في هذا الاتجاه، من خلال نزع مبررات الوجود الإيراني في سورية عن قضية محاربة الإرهاب، وبخاصة بعد أن تم وضع إيران في الميزان ذاته الذي يتم فيه قياس «داعش» و «النصرة» وحساب نتائج وتداعيات أفعالهما على أمن المنطقة واستقرارها.

والمفارقة أن روسيا، ومن دون قصد، أفسحت المجال للإدارة الأميركية للعبور إلى نقطة المطالبة بإخراج إيران من الساحة السورية، بعد الهدنة التي توصّلت إليها بين قوات الأسد وفصائل المعارضة، ثم اتفاق المناطق الآمنة، وهو ما جعل الوجود الإيراني محل تساؤل وبخاصة أن إيران وميليشياتها لم يسبق لها قتال «داعش» الذي من المفترض، ووفق اتفاقات الهدنة في سورية، أن تتكفل قوات الأسد والمعارضة بقتاله.

أما روسيا فاستنفدت كل مبررات دفاعها عن الوجود الإيراني، وبخاصة أنه يعتمد بدرجة كبيرة على مكونات ميليشياوية يصعب تبرير انخراطها في الحرب السورية في ظل توجّه دولي يدعو إلى استعادة سيادة الدول في الإقليم، بمواجهة الفاعلين الآخرين من ميليشيات وفصائل، بل يعتبر هذه المكونات أحد أهم أسباب استمرار الأزمة، والمنطق ذاته ينطبق على فصائل المعارضة السورية التي سيكون مطلوباً منها التوحّد في إطار هيكلية جديدة لتهيئتها للاندماج ضمن هيكلية أوسع في إطار الحل السياسي المنشود.

لا شك في أن روسيا تواجه تطورات غير محسوبة في سورية، فهي لا تستطيع ولا تريد التخلي عن إيران، لأن ذلك سيرفع أكلاف وجودها في سورية، وهو ما لا تحتمله، على الأقل قبل أن يتم القضاء على كل ممكنات الثورة السورية وإخضاعها وإعادة بناء البنية الأمنية والعسكرية للنظام، وهذا يحتاج لسنوات.

بيد أن أميركا بنت قضية متكاملة لإخراج إيران وعزلها عن سورية وعن المنطقة، وتشتمل عناصر هذه القضية على أمن الحلفاء في الأردن وإسرائيل والخليج، ومستلزمات التوصل إلى حل في سورية، والقضاء على «داعش»، وتقليم أظافر الميليشيات الشيعية، وإنجاز هذه الأهداف لتحقيق حل واقعي لأزمة المنطقة بات يستلزم حكماً إخراج إيران وتوابعها من المنطقة.

يستدعي نجاح الخطة الأميركية توفر عاملين مهمين: الجدية والاستمرارية، ذلك أن روسيا ستحاول قدر استطاعتها إفشال المخطط الأميركي ما لم تظهر إدارة ترامب أنها جادة في قرارها إخراج إيران من اللعبة، كما أن إيران ستراهن على نزق أميركا وتعبها، وهنا يأتي دور حلفاء أميركا في المنطقة الذين عليهم الانخراط ضمن الجهود الأميركية وانتهاز فرصة التخلص من التهديد الإيراني.