IMLebanon

اميركا مسؤولة… واللبنانيون أيضا

 

 

الأكيد ان العقوبات الاميركية الأخيرة التي استهدفت مسؤولا امنيا في «حزب الله» وعضوين في مجلس النوّاب اللبناني ليست موجهة الى لبنان. لا حاجة الى أي تضامن لبناني مع «حزب الله»، الذي لم يعن لبنان له شيئا في يوم من الايّام باستثناء انّه «ساحة»، والذي لديه حساباته الخاصة التي لا علاقة لها بلبنان واللبنانيين. في النهاية ان «حزب الله» يعتبر نفسه حزبا تابعا لـ»الحرس الثوري» الايراني. الأمين العام للحزب حسن نصرالله يعترف بانّه «جندي» في جيش الوليّ الفقيه، أي عند علي خامنئي الذي يشغل موقع «المرشد»، وهي السلطة العليا المطلقة، في «الجمهورية الإسلامية» في ايران.

 

هذا الواقع لا يعني تجاهل الجانب المقلق في العقوبات الاميركية على النائبين المنتميين الى «حزب الله» والمسؤول الأمني في الحزب. فالعقوبات تضع الحكومة اللبنانية امام خيارات صعبة لا تتحمّل وحدها المسؤولية عنها. انّ الإدارات الاميركية المتتالية تتحمّل بدورها جزءا لا بأس به من هذه المسؤولية وفي وصول الحزب الى مرحلة صار فيها يسرح ويمرح في لبنان.

 

المقلق أيضا ان العقوبات الاميركية تشير الى مدى جدّية إدارة دونالد ترامب في الذهاب الى ابعد حدود في عزل ايران. هل هناك وعي لبناني لهذا الواقع الذي لا مفرّ من التعاطي معه على نحو جدّي؟ هناك إدارة مختلفة في واشنطن قد لا يهمّها المحافظة على الاستقرار في لبنان كما كانت عليه الحال في الماضي. على العكس من ذلك، لم يعد يوجد في العاصمة الاميركية من يعتقد ان على اميركا مراعاة الوضع الخاص في لبنان بسبب ضعف مؤسسات الدولة فيه.

 

لدى الحديث عن المسؤولية الاميركية بالنسبة الى صعود «حزب الله»، لا مفرّ من الاعتراف بما فعلته السياسة الاميركية المهادنة لإيران منذ العام 1979، تاريخ سقوط الشاه وعودة آية الله الخميني الى طهران لتأسيس «الجمهورية الإسلامية» ونظام الوليّ الفقيه. ليس لبنان وحده الذي يدفع ثمن ما ارتكبته الولايات المتحدة منذ عهد جيمي كارتر وصولا الى عهد دونالد ترامب. فما مهّد  للهجوم الايراني في كلّ الاتجاهات، خارج الحدود الايرانية، كان السكوت المستمرّ للإدارة الاميركية عن المشروع التوسّعي الايراني.

 

لم تعاقب الولايات المتحدة ايران على احتجاز ديبلوماسيي سفارتها في طهران طوال 444  يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979. على العكس من ذلك، عقد رونالد ريغان قبل ان يخلف جيمي كارتر في البيت الابيض مطلع العام 1981  صفقة سرّية مع ايران. كان استمرار احتجاز الرهائن الى ما بعد موعد الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني – نوفمبر 1980 كفيلا بسقوط كارتر امام ريغان. في ضوء هذه الصفقة يمكن فهم أمور كثيرة، بما في ذلك السكوت عن ارسال «الحرس الثوري» الى لبنان صيف العام 1982 بتسهيل من حافظ الأسد ثم تفجير مقرّ المارينز في بيروت في 23 تشرين الاوّل – أكتوبر 1983 وقبل ذلك تفجير السفارة الاميركية في العاصمة اللبنانية وقتل عدد كبير من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. إي» كانوا يعقدون اجتماعا سرّيا في السفارة. كان على رأس هؤلاء بوب ايمز المسؤول الكبير في الـ»سي. آي. إي» الذي كان اوّل من حذّر ايران من هجوم عراقي واسع قبل اندلاع حرب 1980- 1988 التي ذهب ضحيّتها عشرات آلاف العراقيين والإيرانيين…

 

كافأت الولايات المتحدة ايران على كلّ ما قامت به منذ 1979. يدفع لبنان حاليا ثمن هذه المكافآت الاميركية لإيران التي توّجت بتسليمها العراق على صحن من فضّة في نيسان – ابريل من السنة 2003.

 

1 Banner El Shark 728×90

 

ليس لبنان من سلّم العراق الى ايران في عهد جورج بوش الابن الذي سمح لإيران بالانتقام من كلّ وطني عراقي دافع عن بلده بين 1980 و 1988 وذلك بغض النظر عن غباء صدّام حسين وحماقاته.

 

كان تسليم العراق لإيران الانطلاقة الثانية والاكبر للمشروع التوسّعي الايراني الذي كان لبنان وسوريا بين الذين دفعوا ثمنه. دفع لبنان ثمنا كبيرا باغتيال رفيق الحريري ورفاقه. ليس سرّا من نفّذ عملية الاغتيال التي غطّاها نظام بشّار الأسد. لم يعد بعيدا يوم الاول من تشرين الاوّل – أكتوبر 2019 الذي سيصدر فيه حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي ستسمّي الأشخاص الذين اغتالوا رفيق الحريري ورفاقه. ليس سرّا أيضا ان الولايات المتحدة رفضت دعم ثورة الشعب السوري الذي انتفض في العام 2011. ما الذي فعلته الولايات المتحدة للسوريين الذين عليهم مقاومة نظام اقلّوي شرس و»الحرس الثوري» الايراني والميليشيات المذهبية التابعة له على رأسها «حزب الله»؟

 

اذا كان من كلمة حق تقال، قاوم اللبنانيون طويلا ثقافة الموت التي ينشرها «حزب الله» وما زالوا يقاومونها. ساهم تقاعس الولايات المتحدة الذي بلغ ذروته في عهد باراك أوباما والسياسة الخبيثة لإسرائيل في بلوغ «حزب الله» مرحلة بات مسموحا له فيها مطالبة الدولة اللبنانية، التي لا يؤمن بها، بالوقوف معه.

 

الأكيد ان على اللبنانيين عدم القاء كلّ المسؤولية على السياسة الاميركية وعلى التواطؤ الإسرائيلي مع كلّ من أراد في الماضي بقاء جنوب لبنان «ساحة» لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية.

 

يفترض في اللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم أيضا بعيدا عن كلّ انواع الانتهازية والغباء باشكالهما المختلفة. بكلام أوضح، ان ايّ مسيحي لبناني يعتقد ان في استطاعته استعادة حقوقه بسلاح «حزب الله»، انّما يرتكب جريمة في حقّ المسيحيين وفي حق لبنان. اكثر من ذلك، ان من يعتقد ان اميركا في عهد دونالد ترامب لم تتغيّر، انّما لا يعرف شيئا لا في السياسة ولا في الاقتصاد. هناك ما هو ابعد من عقوبات على نائبين لبنانيين من «حزب الله» ومسؤول امني من الحزب. هناك سياسة أميركية مختلفة تجاه لبنان من جهة وهناك قرار أميركي بمتابعة الحرب على ايران عن طريق العقوبات من جهة اخرى. لا تشمل هذه الحرب «الحرس الثوري» والاقتصاد الايراني فحسب، بل تشمل ايضا كلّ أدوات ايران في المنطقة…

 

من هنا ثمّة حاجة الى تسمية الأشياء باسمائها والعودة الى طرح الأسئلة البديهية. يعني تسمية الأشياء باسمائها توصيف «حزب الله» بشكل دقيق كلواء في «الحرس الثوري» الايراني بعناصر لبنانية. يؤدي هذا اللواء خدمات لإيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن وحيث تدعو الحاجة في هذه الدولة العربية او تلك وحتّى في افريقيا وأميركا وأوستراليا وأوروبا. اما الأسئلة البديهية، فعلى رأسها كيف يمكن للبنان الوقوف مع من ينشر فيه ثقافة الموت من جهة وكيف على حكومة برئاسة سعد الحريري التضامن مع «حزب الله» الذي ينتمي اليه جميع المتهمين بقتل رفيق الحريري من جهة اخرى؟ يا لها من صدفة عجيبة غريبة صار مطلوبا فيها من الضحية التضامن مع القاتل…