IMLebanon

مراعاة المطالب الأميركية ولا للخضوع للأجندة الإسرائيلية

 

 

ينتظر لبنان استحقاقات كبيرة في شهر آب، لا سيما تلك المتعلقة بالمطالب الأميركية وليس آخرها ضرورة وضع جدول زمني لتطبيق حصرية السلاح من قبل الدولة اللبنانية، فالولايات المتحدة تضع شروطاً لا بد ان تتحقق وذلك قبل الشروع في أي شيء آخر. هكذا فكل شيء معلق في البلد، من التزام إسرائيل الفعلي بوقف إطلاق النار وعدم تكرار اعتداءاتها الشبه يومية، إلى إطلاق العجلة الاقتصادية ورفع الحظر عن المساعدات وقروض التمويل الميسرة في شتى المجالات، إلى السماح باستجرار الغاز الضروري لتشغيل معامل الطاقة، ناهيك عن استجرار الكهرباء من البلدان المجاورة، وصولاً إلى تسهيل وصول التحويلات المالية من وإلى لبنان، ورفع تصنيف لبنان وانتشاله من اللائحة السوداء والرمادية إلى البدء بإعادة الإعمار لا سيما في قرى الجنوب المدمرة، والتي من دونها لا عودة فعلية للأهالي المدنيين الذين نزحوا عن الجنوب ولا سيما مناطق الشريط الحدودي المحاذي للكيان الصهيوني. فلبنان وشعبه بات يعيش في منطقة من انعدام الوزن، فلا هو يسقط إلى القاع وإلى الاضمحلال ولا هو يرتفع إلى مستوى البلدان الطبيعية التي يعيش شعبها الازدهار، وهذه الحالة أصبح اللبنانيون معتادون عليها منذ أمد بعيد وتحديداً منذ الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان منذ العام 1975، والتي تبيّن لاحقاً أنها حدثت تحت عنوان التوطين الفلسطيني وتحت شعار «لبنان الوطن البديل»، و«طريق القدس تمرّ بجونيه»، وإذا كان صحيحاً أن الطائفية لعبت دورها، وشكّلت الانقسامات الطائفية بين اللبنانيين الوقود المثالي للحرب، واعتبرت «قمة عرمون» والحركة الوطنية في حينه برئاسة كمال جنبلاط ومقررها الخفي ياسر عرفات أن الفلسطينيين هم جيش السنّة، وهكذا كان لا بد من إنشاء الميليشيات المسيحية المدعومة من الغرب لتكتمل الرواية، فالحرب بحاجة لفريقين مسلحين لا بل مدججين بالسلاح، لتنطلي حيلة الحرب الأهلية على اللبنانيين الذين كانوا يرون بالآخر أي المسلم مصدراً للخطر عليهم. وفي هذا الجو انطلقت خطوات التوطين بالفعل لا بالقول، ومنذ ذلك الحين بدأ العالم باستعمال الوطن الصغير كورقة للتبادل أي ما اتفق على تسميته «Monnaie d’échange». واليوم وفي كل مرة يُوضع العالم بالزاوية ينظر إلى وطن الأرز كمصدر لحل مشاكله، وإذا كان صحيحاً أن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على حزب الله كانت بسبب مشاركة الأخير في حرب الإسناد، وهذا ما شكّل ذريعة مجانية للعدو الصهيوني الذي كان متحضراً اللهجوم على لبنان، إذ إن الحرب على حزب الله تحولت إلى حرب شاملة على لبنان وذلك بحجة مهاجمة أهداف أو أشخاص منتمين للحزب.

 

تهديد لبنان بحجّة القضاء على الحزب

 

كان لافتاً التصريحات الأميركية والإسرائيلية عن إلحاق لبنان بالشام وكانت سريعة خطوات التقارب بين إسرائيل ونظام الشرع، وذلك بغض النظر عن مهاجمة إسرائيل واحتلالها مناطق جديدة في الجولان السوري متخطية قوات الفصل التابعة للأمم UNDOF وضربها قواعد تابعة لجيش النظام، وكأن المقصود من هذه المفاوضات بين عدوي الأمس حلفاء اليوم هو إعطاء جائزة ترضية للشرع، فإعادة بسط سلطة سوريا على لبنان هو إعادة للحلم السوري القديم غير المعلن والذي تحقق للمرة الأولى إبان اتفاق الـ س-س بين السعودية وسوريا، والذي تم بعد وضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ وكُلف في حينه نظام حافظ الأسد برعايته والسهر على تطبيقه. واليوم كل هذه المخاوف أصبحت ماثلة في أذهان اللبنانيين، وكل المطالب التعجيزية والتي أصبحت معروفة ما هي إلّا وسائل ضغط جديدة قديمة على لبنان، فبالأمس كان الوجود العسكري الفلسطيني سبباً لحروب إسرائيل على لبنان، واليوم أصبح وجود حزب الله وآلته العسكرية سبباً للتهديدات والاعتداءات الإسرائيلية المتجددة بشكل يومي. فمن المعلوم أن كل اللبنانيين هم مع حصرية السلاح وضرورة احتكار الدولة وحدها للسلاح، إنما ذلك لا يمكن أن يتم إلّا من ضمن استراتيجية دفاعية قد تصل إلى وضع السلاح في يد الدولة، إنما بعد تطبيق الوقف الفعلي لإطلاق النار وإعادة الأراضي المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي وتسليم الأسرى، وهذا كله سهل التنفيذ إذا ما صدقت النوايا وكان المطلوب هو وقف الحرب وإعادة الإعمار وليس غير ذلك من أهداف غير معلنة، ووحدها الولايات المتحدة يمكن أن تشكّل الضامن لذلك. فلبنان لا يمكن أن يخضع للأجندة الإسرائيلية إنما وفي الوقت نفسه لا يمكنه إلّا مراعاة المطالب الأميركية.

 

* كاتب سياسي