الإملاءات الأميركية الخطيرة قد تُفجّر وضعه الداخلي
بات الحديث عن مطالب أميركية جديدة من الحكم والحكومة في لبنان لا يقتصر فقط على ما تريده الإدارة الأميركية الجديدة – الشديدة التحالف والتنسيق مع الكيان الإسرائيلي – لإدارة لبنان واختيار من يناسب سياساتها في الوظائف الإدارية من رتبة وزير ونزولاً الى الأجهزة العسكرية والأمنية، بل تعدّاه الى إملاءات أوسع وأعمق وأخطر بكثير من الأمور الإجرائية الداخلية، تتعلق بترتيب وضع المنطقة ككل ودور لبنان المستقبلي فيها وفق ما تريده الإدارة الأميركية لا وفق ما يراعي مصلحة لبنان وتوازناته الدقيقة والحسّاسة والتي لا يعيرها الأميركي أي اهتمام، وصولاً الى ضم لبنان الى «الاتفاقيات الابراهيمة» لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، بعد الرهان الأميركي – الإسرائيلي على انضمام السعودية ومن ثم سوريا وغيرهما.
وبغض النظر عن دقّة هذا الحديث وتفاصيله الكثيرة المتشعبة، فإن ما تسرّب من اتصالات وضغوط تحضيراً لإنتخاب الرئيس جوزاف عون لرئاسة الجمهورية ومن ثم تكليف الرئيس نواف سلام تشكيل الحكومة، يشي بأن الترتيبات الأميركية والهدف الأميركي في لبنان تصبّ كلها في هدف بعيد المدى هو عقد اتفاق أو معاهدة سلام مع إسرائيل، مع ان لبنان سبق وأعلن منذ سنوات طويلة انه سيكون آخر دولة عربية يمكن أن تقيم سلاماً أو تسوية مع إسرائيل، وان السعودية أعلنت أكثر من مرة ان لا تطبيع قبل حل عادل للقضية الفلسطينية يقوم على دولة مستقلة وفق مبادرة السلام العربية التي أعلنت من بيروت برعاية الملك الراحل عبد ااااالله يوم كان ولياً للعهد. وهي ما زالت أولوية لدى المملكة ولدى معظم الدول العربية وأولها لبنان. ويمكن للبنان أن يقبل اتفاق سلام مبني على اتفاق الهدنة وعلى وقف الصراع مع إسرائيل في حال تمّت تسوية القضية الفلسطينية بحل عادل.
لكن مع الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس ترامب والضغوط الكبيرة والتهديدات الخطيرة التي يطلقها، تراهن الإدارة انها ستفرض متغيّرات إقليمية تدفع نحو قبول التسويات السلمية مع كيان الاحتلال، لكن ثمة من يرى في لبنان انها قد تؤدي الى أحد أمرين: إما إستجابة دول عربية للضغوط والمطالب الاميركية وهذا أمر صعب ومستبعد أن يشمل كل الدول العربية، وإما تفجير وضع المنطقة نتيجة رفض الإملاءات الأميركية ما لم تراعِ السياسة الأميركية مصالح الشعب الفلسطيني ومصالح لبنان وسوريا اللذين تحتل إسرائيل أراضٍ فيهما.
يبقى السؤال: هل يحاول الحكم والحكومة في لبنان إقناع الإدارة الأميركية ان مثل هذه الحلول لا يمكن أن تفرض فرضاً على لبنان المتنوّع الاتجاهات، وان أي املاءات أميركية ستفجّر بوجه الحكم غضب قوى سياسية وطائفية أساسية، لا سيما في ظل الامتعاض من التدخّل الأميركي في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية والذي عبّرت عنه أكثر من جهة سياسية، ما قد يعرقل انطلاقة العهد الجديد والحكومة الجديدة، والتي وإن لم تضم تحالف المتضررين والمعترضين في مجلس الوزراء، فإن تركيبة المجلس النيابي قد تخلق اعتراضات وتحالفات قوى سياسية ممثلة في المجلس ولها وزن سياسي يمكن أن تعرقل مشاريع الحكومة وتوجهاتها، لا سيما في ما يتعلق بمستقبل ودور لبنان في المنطقة والمشاريع الأميركية – الإسرائيلية القائمة لها، عدا ما يمكن أن يمسّ تركيبة لبنان الهشّة والدقيقة.
وثمة من يراهن في لبنان على استيعاب الحكم والحكومة لكل هذه التوجهات الأميركية وتدوير زواياها الحادّة الخطيرة، بالاعتماد على الأشقاء العرب وعلى دول غربية صديقة لا سيما فرنسا العارفة أكثر من غيرها بتفاصيل وحساسية الوضع اللبناني، والتي يمكن أن تشكّل درع حماية للبنان من إمكانية الانهيار مجدداً نظراً لما يمكن أن تشكّله الضغوط والإملاءات الأميركية غير المنطقية من مخاطر تزايد الانقسام الداخلي، وعندها أي هدف يمكن أن تحققه الإدارة الأميركية غير عودة انتشار الفوضى في لبنان والتي يمكن بسحر ساحر أن تنتقل الى بعض دول المنطقة الرافضة للدوران في الفلك الأميركي؟