عُدت إلى المنزل مساء يوم السبت، فوجدت أم زهير متّشحة بالبياض وتحضّر شنطة صغيرة فيها قارورة ماء و “زوّادة” صغيرة مؤلّفة من “سناكات” بسيطة. ظننت للوهلة الأولى أنّها ذاهبة لأداء مناسك العُمرة. لكنّني اكتشفت أنّها تتحضّر مع بعض صديقاتها في الحيّ للذهاب إلى وسط بيروت، من أجل حضور حفل عمرو دياب.
دياب “الهضبة” يطلب من جمهوره في كلّ مرة يقيم فيها حفلة بـ “أم الشرائع” بيروت، أن يلبسوا اللون الأبيض لسبب ما زلت لا أفهمه، والمفارقة أنّ الجماهير تلبّي طلبه بلا أيّ تردّد فتبدو كالحجّاج والمعتمرين.
قبل أن تهمّ بالرحيل، اقتربت منّي أم زهير لوداعي، فظننت أنها ستغيب أسبوعًا. لكن تبيّن أنّها تودّعني من باب “المقاهرة” و “الكيد”، ظنًّا منها أنني سأشعر بالغيرة لأنّها ستذهب إلى الحفل وأنا لا. (لا تعرف أنني من جماهير “السوبر ستار” راغب علامة).
قالت لي: “أبو زهير… عبالك جبلك معي شي أنا وراجعة؟”. فأجبت بتهكّم: “شي مسبحة وقنينة مي زمزم”.
صاحت مجدّدًا: “ليش لوين مفكّرني رايحة؟” أردفت: “مش على العُمرة؟ شايفك لابسة أبيض”… فقلبت “بوزها” وخرجت وأقفلت الباب خلفها بعد أن عرفت أنني أتهكّم.
في الليلة نفسها، فتحت التلفاز لمشاهدة نشرة الأخبار، لعلّي أعرف آخر مستجدّات ملف سلاح “حزب اللّه” وتطوّرات خطة الجيش اللبناني لتسلّمه، عشيّة جلسة الحكومة المنتظرة، وإذ بي أتفاجأ في نهاية النشرة بعرض صور لعمرو دياب يزور رئيس الحكومة نواف سلام.
سلام استقبل “الهضبة” في منزله، وأجلسه على الكنبة الجلدية نفسها، التي حضنت كبار الدبلوماسيين والمبعوثين. بعضهم حضر بربطات العنق والبزّات الرسمية، وبعضهم الآخر بالثوب بالشماغ والغُترة… إلّا دياب أبى إلّا أن يحضر بثياب “الطرش”: سروال غير معروف إن كان منقّطًا أو مرقّطًا، يبدو كمن ترك “رول الطرش” توًّا من يده، وحضر على عَجَل!
المشهد عرّض “الهضبة” من اللحظات الأولى على نشر الصور، لانتقادات لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي من الرأي العام اللبناني وكذلك المصري (وهي محقّة بالمناسبة)، بينما ذهب البعض للوم نواف سلام على استقباله بهذا الشكل.
فات المنتقدين أنّ نواف سلام من يوم دخوله إلى السراي الحكومي، يتصرّف على سجيّته وبلا تكلّف. يقود الدولة بتواضع، مركّزًا على الجذور غير آبه بالقشور.
وضعت نفسي، وأنا أقرأ التعليقات والانتقادات على منصّة “إكس”، مكان سلام، وقلت في سرّي: لو كنت رئيسَ حكومة لبنان (كش برا وبعيد) وزارتني هَضَبة ما، بهذا الهندام، ماذا أفعل؟
فكّرت مليًا، ثمّ أجبت نفسي: تاللّه لاستقبلته ولو كان بالـ robe de chambre، أوّلًا لأنّه يزورني في منزلي وليس في مكان رسميّ. وثانيًا لأنّ مظاهر الفرح والبهجة هي ما نصبو إليه اليوم في بلدنا بعد مرارة الحروب وجوّ “النكد والغمّ” الذي يغرق فيه البعض. لكنّ الفارق البسيط الذي أفعله، أنني كنت خلعت عني الجاكيت وربطة العنق كي أبدو a la mode وحتى يكون “رمشي خطّاف”، وخصوصًا أنّ “السحر أصناف.. وأنا قلبي يتخاف عليه يا بابا”.