IMLebanon

محكمة دولية في اغتيال جمهورية

 

اليوم، لا حديث عن عبقرية الغباء. حديث عن عبقرية الاستغباء. لا نتخيل أن ثمة نظاماً في الكون يستغبي الرعايا الى ذلك الحد. الكل يحملون على الفساد، وعلى أهل الفساد. ليقولوا لنا، ولو باللغة الهيروغليفية، من هو المسؤول عن استشراء هذه الآفة في كل مفاصل الدولة، وفي كل مفاصل المجتمع؟الآخرون هم أهل الفساد. قد نكون بحاجة الى مصباح ديوجين، وفي وضح النهار، اذا كان هناك من يرى في وضح النهار، لنلقي القبض على ذلك الـ«راجح»، الهارب من القبيلة الرحبانية والذي عاث فساداً في أرجاء هذه الجمهورية. ذروة المهزلة حين تتناهى الينا ببغائيات وزراء، من كل الأطياف، وهم يشتكون من هيستيريا الفساد.أحدهم قد يكون دخل الى السياسة وهو حافي القدمين. الآن قدمان من ذهب.لا يترك منبراً الا ويطلق للسانه العنان في القتال ضد الفساد والفاسدين. ربما كنا المخلوقات البشرية الأكثر غباء في التاريخ، والا كيف نهلل (بهلهلتنا الشهيرة) حين تناط مهمة مكافحة الفساد بالوالغين في كل أشكال الفساد، ان بالودائع في الصناديق السويسرية، أو بالعقارات، أو بالفضائح التي قال مسؤول في احدى المؤسسات المالية الدولية انها تتعدى، بأهوالها، الخيال. أحدهم تحدث عن الفساد السياسي. أليس الكل شركاء في صياغة قوانين الانتخاب التي هي أحد القواعد الفلسفية في اللعبة الديموقراطية؟ متى كانت هذه القوانين، وآخرها الأكثر غرابة (والأكثر همجية) بالصوت التفضيلي، تفضي الى الحد الأدنى من العدالة السياسية، لا الى تكريس كل أنواع البشاعات السياسية، والطائفية، والقبلية؟

 

على مدى سنوات، أعدنا كل مصائبنا الى الوصاية السورية، التي كانت محجة لنجوم الجمهورية الثانية. ماذا اذا حدثناكم عن حفل زفاف ابنة رستم غزالي، وكيف كان الزحف المقدس الى منزل «أبو عبده» في قرية خربة غزال؟خلال الحفل، كان الساسة اللبنانيون الذي حملوا معهم الماس، والذهب، يدورون حول ذلك «البدر» الذي يدعى رستم باشا. لا بأس، الآن ندور (الدورة ذاتها) حول ديفيد هيل ومايك بومبيو. الفرنسيون تساءلوا: ما الذي يجعلكم أميركيين الى هذا الحد؟ السؤال ليس في مكانه. أيها الرئيس ايمانويل ماكرون، كلنا، في هذه المنطقة العربية، عبيد أميركا. ما من لحظة كنا عبيد الله…

 

مستشار في مؤسسة مالية دولية قال لوزير مالي سابق «الذي يحدث ليس موت جمهورية، بل اغتيال جمهورية». لا حل، على الاطلاق، بوجود تلك الطبقة السياسية التي كرّس بقاءها، ربما الى الأبد، الستاتيكو الاقليمي، أو الستاتيكو الدولي. انه، وبكل بساطة، التقاطع المريع بين ليل الحرائق وليل الزلازل.

 

لماذا لا تدعو فرنسا، وهي من صنعت دولة لبنان الكبير، الى تشكيل محكمة دولية للنظر في اغتيال جمهورية. عودوا الى الأرقام، وعودوا الى واقع الحال. من منكم، أيها الرعايا (زنوج الجمهورية)، من لا يعرف بالاسم من هم المتورطون في اغتيال الجمهورية؟ ذلك التراشق بالتغريدات، أو بالحجارة، ليس سوى «عدة الشغل» في استراتيجية الاستغباء. الذي حدث في «الويك اند» لم يكن طارئاً، ولا استثنائياً. تلك الطبقة السياسية، بكل مكوناتها، لا تستطيع تغطية قباحاتها الا بالاثارة العصبية (ايها السيد ابن خلدون ). التأجيج الغرائزي بكل أشكاله، وبكل آلياته.المحاصصة لا تقتصر على القضاة، ولا على موظفي الفئة الأولى، ولا على ضباط الأمن الداخلي (حتى على رؤساء المخافر). نحن محكومون من قبل شيوخ القبائل، سواء في المعارضة أم في الموالاة. غير مسموح، لأي

 

كان أن يناوئ شيخ القبيلة، والا القصاص، والاقتصاص، بقطع الرؤوس أو بقطع الأنفاس.السؤال البديهي، والحال هذه، في اي مستنقع يرتع (لا نقول… يقبع) اللبنانيون؟حتى الأزلام. حتى العبيد (ثمة أزلام لا يرتقون الى مرتبة العبيد في التزلف للأوثان)، يشتكون من غياب الدولة. اي دولة حين تكون الكلمة للطائفة، وحين تكون الكلمة للقبيلة، وحين تكون الكلمة للزقاق؟ شاب في مدينة بعلبك دوّن الشرطي بحقه محضر ضبط لعدم استخدامه حزام الأمان في المدينة التي تحكمها أحزمة النار. الشرطي اياه لا خيار امامه سوى ان يبحث عن مخبأ حين يظهر أحد القبضايات، في وسط الشارع، ويطلق النار في كل الاتجاهات (لحظة كيف). حتى الشرطي لا يجد من يحميه لكي يحمي الناس. ولتكن مهمته محصورة في محاضر الضبط بحق رعايا الدرجة الثالثة. العصبية القاتلة، القاتلة للجمهور وللجمهورية. مواقع التواصل ضجت بخبر يقول ان الفائزين الثمانية الأول في الشهادة التكميلية ينتمون الى مذهب معين، لا الى طائفة معينة، ولا الى منطقة معينة. هل يمكن أن يحدث هذا في أي بلد آخر في العالم؟ المذهبية هنا هي الأساس (وهي الهوى وهي الهوية) لا الدولة ولا المواطنة. لم يبق من الجمهورية الا ذلك الحائط المهجور. ولقد ارتطمنا بالحائط. لا سبيل أمامنا سوى… الانفجار!