IMLebanon

.. وأي معركة؟!

من الآخر: معركة الجنوب السوري ما كانت لتتم لولا موافقة إسرائيل. وهذه تستجرّ موافقة الولايات المتحدة حُكماً ومثلما هو حاصل فعلياً وعملياً.. ومثلما تبلغت فصائل المعارضة المقاتلة من واشنطن بأنها لن تتدخل، على العكس من مواقفها السابقة!

وهذا يعني أشياء كثيرة. جلها يدخل في باب الخزي. وبعضها في باب المسار (المأمول) لهذه النكبة في خواتيمه.. وتفسير ذلك أن الضوء الأخضر الإسرائيلي الذي، مثلما هو واضح، أعطي لبقايا قوات الرئيس السابق بشار الأسد للشروع في العملية العسكرية، يشتمل على أمر مهم جداً، هو أن الإيرانيين وميليشياتهم ليسوا جزءاً من الحشد الزاحف إلى درعا ونواحيها! وأن طهران بذلك انصاعت ميدانياً «للإملاءات الصهيونية»! وارتضت بأن تبتعد عن حدود الكيان «الغاصب»! وأن تستمر في «محاولة» العمل لتحرير سوريا من أهلها طالما أن لا قوة ولا نية لديها لتحرير فلسطين من محتليها!

ثم أن ذلك يعني، أن بشار الأسد في المعركة الراهنة، عاد للتذكير بأنه لا يزال قادراً على القيام بوظيفته الأولى التي هي حماية حدود إسرائيل والمحافظة على «أمنها»! وإلا لو كانت هناك أي نية (إنسَ القدرة) عدائية تجاه «الصهاينة» لما مُكِّن من التقدم خطوة واحدة جنوباً! ولما سَمَحَ له حليفه الروسي أصلاً بتلك الخطوة! أي أنه في المحصّلة، بدأ على الأرض التفلّت من الطوق الإيراني المربوط حول رقبته الطويلة! واختار (غصباً عنه في كل حال) الخضوع للمعادلة المُركّبة القائلة بأنه لا يمكنه الاستحواذ على الأمرين: الأول هو الاستمرار في مكانه (ومرحلياً في كل حال!). والثاني هو التمتع بالدعم الإيراني والسماح لطهران بتثبيت نفوذها في سوريا! وعليه أن يختار (إذا أمكن) بينهما.

والواضح أن موسكو في ذلك هي الآمر والسيد والمُطاع. وأنها الأصل الذي تتفرع عنه مواقف تابعها الأسد. وهي التي سبق وقدمت قبل الآن بكثير (منذ انطلاق تدخلها العسكري أواخر العام 2015) أدلة حسيّة ملموسة ونارية، على «احترامها» المقدس لمصالح إسرائيل! وحرصها المتين على استقرارها وعدم حصول ما يزعج خاطرها من جهة الخاصرة السورية.. بما عنى ذلك، ولا يزال يعني، جعل الأهداف الإيرانية المباشرة وتلك العائدة للميليشيات التابعة لطهران حقل رماية مفتوحاً أمام الطيران الحربي الإسرائيلي، للقنص والقصف والتدريب بالنار واللحم الحي!

ولئن كانت «ظروف» المعركة وضرورات «حماية» خط المقاومة! والدفاع عن «المقدسات»، والتصدي لـ«التكفيريين والإرهابيين» ومنع «سقوط» سوريا في أيدي «الأعداء»، حتمت على إيران وحواشيها وتوابعها بلع الموس والامتناع حتى عن الصراخ! اعتراضاً أو انفعالاً على «سكوت» موسكو عن الغارات الجوية الإسرائيلية مراراً وتكراراً.. فإن موسكو في المقابل لم تسكت عن شيء! وتصرفت علناً وعلى المكشوف ولم تخفِ حرفاً واحداً في أدائها العام: إسرائيل عندها أهم من إيران! و«التنسيق» الاستراتيجي مع واشنطن أهم وأوجب من تخرصات ممانعة آخر زمن في ديارنا ونواحينا! وهذا يعني الانخراط (الفعلي وليس النظريّ) في ملاقاة السياسة الأميركية (الراهنة!) الهادفة إلى قصقصة جوانح الطاووس الإيراني المنفوخة والمفلوشة خارج حيزّه الجغرافي، بدءاً من جنوب سوريا وصولاً إلى الحديدة اليمنية!

ما جرى أخيراً في منطقة القصير المحاذية للحدود الشمالية الشرقية اللبنانية كان أولى الإشارات الدالّة على أن موسكو دخلت على خط تقليص التمدّد الإيراني ميدانياً، وقطف الثمار التي أنضجتها الغارات الإسرائيلية المتكررة.. لكن ما يجري راهناً في الجبهة الجنوبية يدلّ على أمر أخطر وأكبر ويعكس عملياً وفعلياً عمق التفاهم المثلّث الأميركي – الروسي – الإسرائيلي على توحيد الرؤية المزدوجة إزاء ضرب المعارضة السورية التي تصنفها موسكو «إرهابية»، و«إبعاد» «الموالاة» أي إيران وجماعاتها، التي تصنّفها واشنطن وتل أبيب «إرهابية» أيضاً!.

وتتمات معركة الجنوب ستكون في دمشق نفسها!

إستناداً إلى القياس ذاته الذي قضى ويقضي بأن تكون المهمة التالية للقضاء على الإرهاب الداعشي، هي التصدّي لـ«الإرهاب» الإيراني، وإن تعدّدت عناوينه وانزوت كلها تحت الخط العريض منها الذي هو «نفوذ» إيران.. فإن استكمال «ترتيب» الأوضاع الميدانية جغرافياً، سيليه الشروع في «ترتيب» الأوضاع سياسياً ونظامياً..

وهنا لا تغيب عن البال إطلاقاً، «الاستراتيجية» الأميركية «الأخيرة» القائلة في خطوطها العامة أن لا مستقبل لآل الأسد في حكم سوريا.. مثلما لا مستقبل لـِ«نفوذ» إيران خارج حدودها!

والواضح أنّ اللاعبين الكبار يعرفون حدودهم وحدود غيرهم.. ويعرفون يقيناً بأنّ إيران أعجز من أن تردّ على غارة إسرائيلية فكيف لها أن «تقاتل» ضد إرادةٍ طاغيةٍ يمثّلها الثلاثي الأميركي والروسي والإسرائيلي؟! أمّا لجهة الأسد فلا داعي لأخذه في أي حساب مناتع وممانع من الآن حتى مجيء دوره.. حتماً!

علي نون