IMLebanon

النهار: تحذيرات الدول و”الصندوق” تسابق الإنهيار المتدحرج

 

تجاوزت التداعيات الخطيرة اقتصادياً واجتماعياً وخدماتياً للإنهيار المالي المتدحرج الذي تتسارع فصوله عبر يوميات الدولار الملتهب في السوق السوداء، لتلامس مواقف الدول والمنظمات المالية الدولية حيث رصدت عودة التحذيرات الخارجية من الواقع الإنهياري في لبنان على نحو مثير للقلق الشديد حيال مجريات المرحلة المقبلة. وإذ استوقفت الأوساط السياسية حركة مكوكية لافتة للسفير السعودي وليد بخاري في لقاءات يعقدها مع مروحة واسعة من السياسيين والديبلوماسيين، أدرجت هذه الحركة في إطار استشعار المملكة العربية السعودية وشركائها من الدول المعنية بمراقبة الوضع في لبنان الخطورة التصاعدية للتراجعات المالية والاقتصادية والعجز الحكومي الفاضح عن لجمها وتالياً التشاور على نحو عاجل مع الأصدقاء والشركاء في ما يمكن القيام به حيال السيناريوات التي ترتبها أخطار الإنهيار من دون تحديد إطار معين بعد لمآل هذا التحرك.

 

وذهبت بعض المعطيات الى إمكان أن يكون الواقع المتدهور بدأ يفرض طرح البحث في الواقع الحكومي، فيما تمثل العامل الخطير الذي سجل في الساعات الأخيرة في تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء سقف الـ9500 ليرة بما ينذر بمزيد من التفلت وسط عجز كامل عن ضبطه ولجم اندفاعاته وهو عجز صار مسلّماً به فيما تلفح البلاد نيران الغلاء المتصاعد على وقع تسعير السلع وفق دولار السوق السوداء.

 

ومع عودة بروز مسألة الخلاف الداخلي على أرقام الخسائر المالية في ظل الوقائع التي أعلنها أمس رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابرهيم كنعان والتي اتسمت بأهمية لجهة إظهار الفارق الكبير بين ارقام الخطة الحكومية وارقام لجنة تقصي الحقائق، اتخذ موقف جديد لفرنسا دلالات بارزة، اذ عبّر وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان عن قلق بلاده من الأزمة في لبنان ورأى أن السُخط الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تصاعد العنف.

 

وقال لودريان أمام جلسة في البرلمان: “الوضع ينذر بالخطر في ظل وجود أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية وإنسانية تتفاقم الآن بفعل مخاطر جائحة فيروس كورونا”. وأضاف: “الأزمة الاجتماعية المتفاقمة… تخاطر بزيادة احتمالات تفجر أعمال العنف”، مشيراً الى العنف بين فصائل دينية في الآونة الأخيرة”.

 

وخلص الى أنه يتعين على الحكومة تنفيذ إصلاحات كي يتسنى للمجتمع الدولي مد يد المساعدة للبنان، معلناً أنه سيزور لبنان قريبا لإبلاغ السلطات ذلك بشكل واضح.

 

في غضون ذلك، التقى السفير السعودي وليد بخاري في مقر اقامته باليرزة السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ثم السفير البريطاني كريس رامبلنغ، وكذلك سفير دولة الامارات العربية المتحدة حمد الشامسي.

 

الطريق المسدود

 

وتزامن ذلك مع معلومات أوردتها وكالة “رويترز” نقلاً عن عدد من المسؤولين اللبنانيين الحاليين والسابقين والديبلوماسيين والمسؤولين الدوليين وخبراء الاقتصاد والمحللين، مفادها أن المحادثات مع صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية تشرف على الانهيار وأن الوقت بدأ ينفد.

 

وقال ناصر سعيدي وزير الاقتصاد السابق وهو من أركان مصرف لبنان سابقاً عن المحادثات مع صندوق النقد الدولي إنها “بلغت طريقا مسدوداً”.

 

ونقلت الوكالة عن المصادر التي اشترطت عدم كشف هويتها، أن الطبقة السياسية، التي يتكتل أفرادها وفق أسس طائفية وعائلية أبعد ما تكون عن الاتفاق على نهج مشترك، لا تزال تتشبث بمصالحها الخاصة بل أن الجدل بينها يصل إلى حد الاختلاف على ما إذا كان لبنان قد أفلس فعلاً.

 

وقد استقال اثنان من أعضاء فريق التفاوض اللبناني خلال شهر واحد نتيجة ما وصفاه بمحاولات لتخفيف خسائر مالية هائلة في خطة الحكومة.

 

وقال مسؤول كبير مطلع على المحادثات: “هم لا يتفاوضون على برنامج” مع صندوق النقد الدولي. ولاحظ أن “لا يوجد توافق (لبنانياً) على التشخيص. لذا ما الذي يمكن أن يتفاوضوا عليه؟”.

 

وقال ديبلوماسي غربي بان “ثمة خطراً حقيقياً أن يحدث انفجار”، مشيراً الى أن ثلث مليون شخص فقدوا وظائفهم منذ تشرين الأول الماضي عندما تفجرت احتجاجات على الطبقة السياسية وأدت إلى استقالة الحكومة”.

 

وعقد الوفد اللبناني المفاوض برئاسة وزير المال الدكتور غازي وزني أمس اجتماعه الـ16 مع وفد صندوق النقد الدولي في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وفريق من المصرف المركزي.

 

وأفادت وزارة المال ان الاجتماع تناول موضوع كيفية مقاربة خسائر النظام المالي وضرورة تنفيذ الحكومة الإصلاحات المطلوبة بأسرع وقت ممكن، على أن تستكمل المشاورات في الأسبوع المقبل.

 

واسترعى الانتباه تسريب معلومات عن الاجتماع مفادها أن الفريق المفاوض في صندوق النقد الدولي أبدى استياء بالغاً من عدم تمكن الجانب اللبناني من توحيد موقفه حيال الأرقام المالية للأزمة الواردة في خطة الحكومة وأن هذا الاستياء جرى التعبير عنه عقب نقاش تناول موضوع الأرقام مع حاكم مصرف لبنان الذي جدّد التمسك بأرقام المصرف وليس بأرقام الحكومة، ولكنه أبدى استعداده للتسليم بأرقام الحكومة من غير أن يقنع ذلك فريق صندوق النقد. كما أن فريق الصندوق انتقد المراوحة والجمود في عملية الاصلاحات وأن رئيس الفريق أبدى امتعاضاً مشيراً الى أنه بعد ستة أسابيع من المفاوضات لم يحرز أي تقدم ولم يتم الانتقال بعد الى المرحلة الثانية.

 

الفارق الكبير

 

وغداة تسليمه تقريره الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، أوجز رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابرهيم كنعان حصيلة التقرير وقال إن “وظيفة المجلس النيابي مناقشة الخطة الحكومية لأنها ترسم مستقبل لبنان لاجيال قادمة وتغيّر الكثير من المعطيات المالية والاقتصادية”. وأضاف: “نفتخر باتهامنا بمناقشة الخطة مع أصحاب الشأن وهذا لا يعني اننا أخذنا طرفاً معهم أو تبنينا مواقفهم، والماكينة التي تقول عكس ذلك تقلل ذكاء اللبنانيين”، وأكد أنه “لم ولن نكون طرفاً في المشكلة بين الحكومة ومصرف لبنان”. وشدّد على أن “لا احزاب في لجنة المال، بل نضع انتماءاتنا الحزبية خارج عملنا الرقابي والتشريعي”. وأوضح أن “لا أرقام لدينا، بل ناقشنا أرقاما ومقاربات الحكومة ومصرف لبنان وجمعية المصارف، ولو يسمح لنا دولة رئيس مجلس النواب بكشف المحاضر لتبين للبنانيين كل ما قيل ومن قاله”. وأعلن أنه “تبين فارق 26 ألف مليار بين ما تطرحه الحكومة وحقيقة أرقام القروض المتعثرة”. وذكّر أن “ما من دولة اقتطعت من سندات الخزينة بالعملة الوطنية لأن الدولة تسدّد بموجبها للمستشفيات والجيش والمتعهدين والضمان الاجتماعي، وشطبهم يعني شطب مستحقات هذه الشرائح”.

 

وفي هذا السياق، قال الرئيس سعد الحريري عبر حسابه على “تويتر”: “‏من موقع الاختلاف السياسي، أسجل لرئيس لجنة المال والموازنة الزميل ابرهيم كنعان الجهد الذي قام به مع لجنة تقصّي الحقائق، وأحييه على مؤتمره الصحافي تعبيراً ومضموناً. خطوة أولى متقدمة على طريق إعادة التوازن لموقف لبنان التفاوضي، وإعادة الثقة بنية حقيقية للمحافظة على نظامنا الاقتصادي الحر وحفظ أموال المودعين. عسى أن يعطي المجلس النيابي اللبنانيين أملاً في كبح الخطابات الخرقاء والخطط العشوائية والتخبط الأهوج”.

 

وسط هذه الأجواء اتسم اليوم الأول من اعادة فتح مطار رفيق الحريري الدولي أمام الرحلات الجوية التجارية بحركة خفيفة عموماً أملتها الاجراءات التي تحدّد الحركة بعشرة في المئة من قدرات المطار أي بما يناهز الـ2500 راكب يومياً. لكن الفوضى طغت على بعض الاجراءات كما حصل إشكال بين جهاز أمن المطار والمراسلين بسبب الخشونة التي اتبعها الجهاز في التعامل مع الاعلام.