IMLebanon

النهار: سعد الحريري: نهاية التسوية

 

إذا كانت الاهتمامات السياسية والاقتصادية والشعبية تركزت في الساعات الأخيرة على استكشاف طبيعة الخطوات العملية الأولى التي ستشرع الحكومة في اتخاذها لمعالجة ملفات الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية الآخذة في التفاقم، فإن الحدث الذي سيخترق المشهد الداخلي اليوم يتمثل في التطورات المرتقبة في الذكرى الـ15 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وما يمكن أن تتركها من تداعيات ودلالات وأصداء على مجمل الواقع السياسي الداخلي.

 

ذلك أن الذكرى ستتميز هذه السنة وللمرة الأولى خلال العهد العوني بأنها تلي انفراط “التسوية الرئاسية” التي كان الرئيس سعد الحريري ركناً أساسياً من أركانها وكذلك بعد استقالة الحريري على رأس حكومته السابقة عقب انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. واذ تأتي الذكرى الـ15 وسط تصاعد أزمة لم يسبق للبنان أن شهد مثلها في تاريخه القديم والحديث، فإن تداعيات الأزمة ستكون ماثلة بقوة في احتفاليات الذكرى ومضمونها وأبعادها سواء عبر الحشد “المستقبلي” المتوقع في “بيت الوسط” وساحاته وحديقته وقاعاته الداخلية في رسالة أريد لها أن ترد على “يقظة” الحملات التي تحمل على الحريرية السياسية والاقتصادية من بيت وارث الحريرية بالذات أي الرئيس سعد الحريري الذي كان من جملة الأسباب التي جعلته ينقل مكان الاحتفال الى “بيت الوسط” الرد على هذه الحملات.

 

وسواء من خلال مضمون الكلمة المسهبة التي سيلقيها الرئيس الحريري في الذكرى والتي ستتسم بدلالات بارزة لجهة رسم خريطة الطريق الجديدة للحريرية عموماً ولـ”تيار المستقبل” في المقلب الجديد من الواقع الداخلي بعد خروج زعيم التيار من السلطة وانطلاق أدائه المعارض بالتعامل الأخير مع جلستي إقرار الموزانة ومناقشة البيان الوزاري للحكومة والتصويت ضد الموازنة وضد الثقة بالحكومة. وهو مسار قد يجد تفسيراً في الكلمة اليوم، الى طرح مجموعة تساؤلات وشكوك عن النهج الحاكم الأمر الذي سيضع الخطاب في موقع مفصلي يعتبره المطلعون بمثابة اعلان “رسمي” لنهاية التسوية الرئاسية من جهة ورسم خط الانفصال النهائي بين ركنيها العوني والحريري بعدما شكلت تطورات الاشهر السابقة انهياراً غير معلن أيضاً بين العهد و”القوات اللبنانية” التي كانت بدورها ركيزة ثالثة أساسية في تلك التسوية من جهة أخرى. واذا كان انهيارالتسوية وخروج كل قوى 14 آذار السابقة من السلطة والحكومة قد أفسح لرهانات متجددة على إعادة لملمة هذه القوى في إطار متجدد فإن الواقع السياسي لا يبدو لمصلحة هذه الرهانات بعدما شابت العلاقات بين أفرقاء التحالف القديم غيوم ملبدة لم تبدّد بعد. لكن الذكرى ستشهد تمثيلاً لكل القوى تقريباً باستثناء “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” بطبيعة الحال، كما سيغيب ممثل رئاسة الجمهورية باعتبار أن “المستقبل” استثنى الأفرقاء الثلاثة من الدعوات. وكانت لافتة الزيارة التي قام بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري مساء أمس لـ”بيت الوسط” ولقاؤه الرئيس الحريري عشية إحياء ذكرى 14 شباط.

 

في غضون ذلك، عكست حركة الاجتماعات المتعاقبة والكثيفة التي توزعت أمس بين قصر بعبدا والسرايا الحكومية وتركزت على ملفات الأزمة المالية استنفاراً واقعياً بدا معه الحكم والحكومة والهيئات المصرفية في سباق لاهث مع العد التنازلي لاستحقاق سداد الدفعة المقبلة من “الاوروبوندز” في 9 آذار المقبل وبت الخيار الذي سيتخذه لبنان بالتسديد أو التخلف عنه أو إطلاق مفاوضات إعادة برمجة التسديد. ولم تؤد هذه الاجتماعات المتعاقبة الى قرار حاسم كما أشارت الى ذلك “النهار” في عددها أمس، بل حدّد موعد “مبدئي” لبت الخيار في نهاية شباط الجاري بعدما تقرر رسمياً الاستعانة بخبراء صندوق النقد الدولي وخبراء قانونيين وماليين. وانطلق البحث فعلاً في هذا الملف كما في ملف تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين الذي قفز الى صدارة الأولويات في الاجتماع الأول للجنة اتفق على تأليفها في الاجتماع المالي الرئاسي والوزاري الذي عقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء حسان دياب قبل جلسة مجلس الوزراء ثم شكل المجلس هذه اللجنة.

 

ورأس دياب، مساء في السرايا الحكومية اجتماع اللجنة الذي حضره وزير المال غازي وزني، وزير الاقتصاد راوول نعمه، حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، رئيس جمعية المصارف سليم صفير، الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير ومستشار رئيس الوزراء خضر طالب. وخصص الاجتماع للبحث في العلاقة بين المصارف والمودعين والآليات المطروحة لتنظيم هذه العلاقة. وكان الوزير وزني أجمل البحث الجاري بإعلانه من قصر بعبدا أنه “في ما خص استحقاق اليوروبوندز هناك خيارات متعددة طرحت، وقد تمت دراسة كل خيار بعمق، سواء لناحية الدفع أو عدمه، وقد عبر كل واحد من المجتمعين عن رأيه بصراحة، وتم الاتفاق على استمرار البحث في المرحلة المقبلة لاتخاذ القرار المناسب، لان المسألة مهمة للغاية بالنسبة الى البلد والمودعين والمصارف، كما للقطاع الاقتصادي وعلاقاتنا الخارجية على حد سواء”. وأضاف: “أما في خصوص “الكابيتال كونترول”، فلم يعد هناك من إمكان لتعامل المصارف مع المودعين بشكل غير قانوني وغير واضح واستنسابي، يكون فيها العميل في نهاية المطاف هو الحلقة الضعيفة. من هنا، تم التوصل الى تفاهم يقضي بأن يصدر تعميم واضح في اليومين المقبلين من مجلس الوزراء لوضع حد للاستنسابية في التعامل بين المصارف والعملاء، وبما يؤمن حماية للعملاء في الدرجة الأولى، سواء المقترضين منهم أو المودعين في القطاع المصرفي”.

 

وفي جلسة مجلس الوزراء، عرض دياب لأبرز ما دار في الاجتماع المالي والاقتصادي والخيارات المتاحة لمعالجة الأوضاع الراهنة على أن يستعان بخبراء من صندوق النقد الدولي وبخبراء قانونيين واقتصاديين دوليين لدرس هذه الخيارات تمهيداً لاتخاذ مجلس الوزراء القرار. وصرحت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد رداً على سؤال بأنه قبل نهاية شباط من المفترض أن تكون القرار قد اتخذ في ما خصّ سندات “الاوروبوندز”.

 

توقعات قاتمة

 

وفي هذا السياق، نقلت وكالة “رويترز” من لندن أن تقديراً صادراً عن محللين تولوا معالجة بيانات تتعلق بأزمة ديون لبنان، أظهر أنه قد يتعين على حائزي السندات اللبنانية شطب 70 في المئة من استثماراتهم، وخفض قيمة عملة البلاد الى النصف بموجب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.

 

وكتب جايسون توفي من “كابيتال إيكونوميكس” في مذكرة: “التجارب السابقة تشير إلى أن هذا سيشمل خفوضات في قيمة الديون بما يصل إلى 70 في المئة”.

 

وسيلتهم ذلك رؤوس أموال المصارف، وستصل كلفة إعادة رسملة المصارف إلى نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تفيد مساعدة فنية من صندوق النقد الدولي في الحد من الضغوط.

 

وستكون ثمة حاجة أيضا إلى تقليص الإنفاق الحكومي بين ثلاثة وأربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمنع تصاعد عبء الديون. وسيتركز التقشف في كبح الزيادة في رواتب القطاع العام وإصلاح مؤسسة الكهرباء.

 

وقال توفي إنه كما كان الحال مع مصر في 2016، من المرجح أن يصر صندوق النقد الدولي على أن تخفض السلطات قيمة الليرة اللبنانية شرطاً مسبقاً لإبرام اتفاق.

 

وأضاف: “نعتقد أن العملة قد تهبط 50 في المئة ازاء الدولار… وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يسقط الاقتصاد في ركود أعمق. وبشكل عام، نتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي خمسة في المئة هذه السنة. توقعاتنا في أدنى نقطة من نطاق إجماع التوقعات”.

 

ويعتقد مدير محفظة الأسواق الناشئة لدى “أكسا انفستمنت مانجرز” ميخائيل فولودشينكو أيضا أن ثمة حاجة الى خفض بنسبة 50 في المئة في قيمة العملة. وقد باعت “أكسا” حيازاتها اللبنانية العام الماضي. وقال: “لدى لبنان جميع مقومات أزمة شاملة مصرفية واقتصادية وفي السيولة والقدرة على إيفاء الدين في وقت واحد”، مسلطاً الضوء على “الطريقة التي تنفق بها البلاد حاليا نحو نصف وارداتها لسداد الفائدة على عبء دينها الضخم فقط…”.

 

لكن تيموثي آش الخبير المخضرم في الأسواق الناشئة لدى “بلو باي” لإدارة الأصول رأى أنه من الصعب أن تضع أرقاما دقيقة في شأن حجم شطب الديون أو حجم ضخ السيولة الذي يحتاج اليه لبنان في نهاية المطاف. وقال إن هناك قدراً ضئيلاً من الوضوح في شأن الحالة الحقيقية لاحتياطات الدولة من العملات، أو إمكاناتها الاقتصادية، أو كيف يمكن قطاعها المصرفي الهائل الحجم التماسك اذ تبلغ الأصول فيه نحو أربعة أضعاف حجم الاقتصاد تقريباً. ولفت الى أن “الأمر لا يتعلق فقط بمعدلات الدين، في النهاية يتعين عليك أن تسأل لماذا وصل لبنان إلى ذلك الوضع الذي بلغه. كانت سنوات من السياسات السيئة… سيرغب صندوق النقد في أن يرى أن هناك رغبة في الإصلاح”.